أكاديميون يحذرون من تحوّل الأنظمة العربية إلى وسطاء مع الاحتلال

أثارت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى القدس المحتلة، أمس الأول، واللقاء الذي عقده مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مخاوف كتّاب ومفكرين فلسطينيين، رأوا في الدور المصري خطورة على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها.


زيارة تطبيعية

فقد اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بـ "نابلس"، الدكتور عبد الستار قاسم، في تصريحات خاصة لـ "قدس برس"، أن "زيارة شكري إلى إسرائيل هي إسناد للاحتلال ضد الفلسطينيين".

وأعرب قاسم عن أسفه عن تحول إطلاق المفاوضات إلى هدف للجهود العربية والدولية، وقال: "إذا كانت العودة إلى المفاوضات هي الهدف، فلا بارك فيها، لأن المفاوضات هي أهم منبع للأذى الذي لحق بالشعب الفلسطيني".

وأضاف: "المفاوضات مع الاحتلال ورطتنا بأشياء كثيرة، على رأسها التنسيق الأمني مع الاحتلال، حيث وظفنا شبابنا ليكون عونا للاحتلال على شعبهم".

وأشار قاسم إلى أن الدور الرسمي المصري كان خلال عهوده المتعاقبة خصما على فلسطين لا عونا لها، وقال: "منذ مؤتمر مدريد، كان النظام المصري الرسمي عونا لإسرائيل على الشعب الفلسطيني، وكانت القيادات المصرية تضغط علينا من أجل الاعتراف بإسرائيل".

وحذّر قاسم من أن "إسرائيل تستخدم مصر كأداة من أجل تخريب الوطن العربي من أجل إبعاده عن القضية الفلسطينية".

وأضاف: "خطورة الدور الرسمي المصري هنا، أنه سيكون بوابة للتطبيع العربي مع الاحتلال، وقد كان هذا واضحا في حديث سامح شكري عن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وهذا يعني أنه أخرج العرب والمسلمين من دائرة الصراع".

ودعا قاسم الفلسطينيين إلى عدم القبول بأي دور عربي وسيط مع الاحتلال، وقال: "إسرائيل تصر على بقاء الدور المصري لتبقى وسيطا، لأنه ثبت أن مصر تتجاوب مع المتطلبات الصهيونية، وهي قدوة للعرب ليدوسوا على رقابنا".

وأضاف: "رحلة شكري إلى القدس المحتلة تطبيعية، ونحن في قاموسنا التطبيع خيانة، حتى لو قام به فلسطيني، لأنه يتناقض مع الميثاق الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية".

وحذّر قاسم من أن هذا المسار سيجعل من إسرائيل تخترق كل المواقع العربية، بما في ذلك جامعة الدول العربية، واتفاقيات الدفاع العربي المشترك، على حد تعبيره.


مكافأة إسرائيل

من جهته حذّر الكاتب والباحث الفلسطيني هاني المصري، من أن مكانة فلسطين الدولية معرّضة لأخطار كبيرة، في ظل التطورات بالغة السوء التي حصلت خلال الفترة القليلة الماضية كثمرة خبيثة لما تشهده المنطقة العربية من حروب وشرذمة وانقسام.

وأشار المصري، في تصريحات مكتوبة له اليوم الثلاثاء، إلى عدد من التطورات السياسية الإقليمية والدولية، التي قال إن من شأنها الإساءة لمكانة فلسطين الدولية.

وذكر أن العالم كافأ إسرائيل بدلا من معاقبتها، بفوزها برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها، منها أربع دول عربية، وصدور تقرير عن "اللجنة الرباعية" منحازًا لإسرائيل.

ورأى أن ذلك يمثل "هبوطًا بالموقف الدولي إلى مستوى لم يسبق له مثيل، ما ينذر بالثبور وعظائم الأمور، ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني بمستوى هذا التحدي، خصوصًا إذا تبنّاه مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل فلسطين معرضة لخسارة الشرعية الدولية".

ولفت المصري الانتباه، إلى أن من بين التغيرات السلبية، "الاختراق الإسرائيلي لعدد من الدول العربية بذريعة الالتقاء ضد الاٍرهاب السني والخطر الإيراني الفارسي الشيعي".

وحذّر من أن الفلسطينيين باتوا يقتربون من "الشروع في الحل الإقليمي الذي بادر إلى طرحه أفيغدور ليبرمان قبل أن يصبح وزيرًا للحرب، وتبنته الحكومة الإسرائيلية".


مداخل التطبيع

وقال: "يظهر ذلك من خلال بدء الترويج لأولوية تحقيق السلام العربي ـ الإسرائيلي كمقدمة لتحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، بعد عقود من اعتماد العرب لأولوية حل القضية الفلسطينية وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة على تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، واستخدام العرب للضغط على الفلسطينيين لتقديم تنازلات".

وحذّر المصري من تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الحل الإسرائيلي أو إغلاقها حتى إشعار آخر، من خلال "توظيف المفاوضات التي يمكن أن تجري لحل القضية الفلسطينية للتغطية على التطبيع العربي مع إسرائيل.

ورأى أن خطورة "مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرامية إلى تحويل السلام البارد إلى سلام دافئ، واستئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية وإجراء مصالحة فلسطينية داخلية، التي أدت إلى زيارة وزير خارجيته إلى تل أبيب لأول مرة منذ تسع سنوات وسط أحاديث متزايدة عن لقاء يجمع نتنياهو بالسيسي وقمة ثلاثية (فلسطينية إسرائيلية مصرية)، تمهيدًا لمفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية برعاية مصرية وأردنية"، خطورتها تكمن في "أنّ العرب يمكن أن يتحولوا إلى وسطاء".

وأشار المصري أيضا، إلى "الاختراق الإسرائيلي لأفريقيا بعد زيارة نتنياهو الأخيرة التي جعلت إسرائيل تقترب من الحصول على العضوية المراقبة في الاتحاد الإفريقي، وبالتالي احتمال خسارة دعم أكبر تكتل إقليمي يدعم القضية الفلسطينية".

وحسب المصري، فإنه "يصب في نفس السياق السلبي إنجاز المصالحة التركية الإسرائيلية، التي من ضمن شروطها عدم مساهمة الطرفين بأي خطوات في المحافل الدولية يمكن أن تلحق الضرر بالطرف الآخر، الأمر الذي سيحيد الدعم التركي للحقوق الفلسطينية، وقبلها العلاقة الدافئة بين روسيا وإسرائيل التي تضمنت إطلاق يد الدب الروسي في سورية مع الحفاظ على المصالح الأمنية والإستراتيجية لتل أبيب، مقابل غض نظر موسكو عما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين".


خداع مكشوف

ودعا المصري الفلسطينيين إلى "استعادة الوعي والتخلي عن حالة خداع الذات وإنكار الواقع التي تظهر بالحديث الفلسطيني الرسمي والمدعوم عربيًا حول الانتصارات الديبلوماسية الفلسطينية، الذي يجد الترويج من أجهزة إعلامية مدفوعة الثمن، ومن مدّاحي كل ما يقوله الحكام من مثقفين وأكاديميين وكتّاب، ولو أدى كل ذلك بالعرب إلى التهلكة التي تعيشها المنطقة العربية الآن". 

وأكد المصري أنه "لا يوجد أي وجه للمقارنة بين المأزق الفلسطيني والعربي وبين المأزق الإسرائيلي، وقال: :الأول هو خطر يمس الوجود، فبعد مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو تشهد المنطقة إعادة رسم لخارطتها عبر إجراء تقسيم للشعوب ومحاولة جادة لتصفية أو إغلاق القضية الفلسطينية حتى إشعار آخر، والآخر مأزق نمو والتقاط فرصة تاريخية لتحقيق ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه سابقًا".

وأضاف: بعد التوقف عن خداع النفس وإدراك حقيقة ما يجري والاستعداد لمواجهة تداعيات الحريق العربي على القضية الفلسطينية؛ يجب التوقف عن الوهم بأن الحل على الأبواب، أو أن هناك إمكانية للحفاظ على الوضع الراهن إذا اعتمدنا على نفس السياسة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه".

وتابع: "الرهان على الآخرين خاسر، خاصة عندما يكون الفلسطينيون وحدهم وفي أضعف حالاتهم من دون حلفاء أقوياء حقيقيين بعد أن تخلوا وأهملوا حلفاءهم المنتشرين على امتداد الكرة الأرضية عندما ركّزوا هم وحلفاؤهم العرب جلّ جهودهم على كسب رضى حكام واشنطن وتل أبيب".

ورأى المصري أن "الوقت الراهن ليس وقتًا مناسبًا لإنجاز حلول وطنية، أو تحقيق إنجازات كبرى، ولكنه مناسب إذا اتُّبعت الإستراتيجية السياسية والنضالية الملائمة للحفاظ على القضية حية، وعلى صمود وتواجد الشعب على أرضه، وإعادة تعريف المشروع الوطني في ضوء الخبرات والحقائق والمستجدات والتحديات الجديدة".

وأضاف: "قد لا نستطيع فرض الحل الفلسطيني حتى لو كان إقامة دولة فلسطينية على جزء من فلسطين، لكننا حتمًا نستطيع منع نجاح الحل الإسرائيلي من خلال عدم التخلي عن الحقوق عبر  تقديم تنازلات جديدة تساعد على تصفيتها، وهذا بحد ذاته أكبر إنجاز في هذه المرحلة، لأنه يمثل أقصى ما يمكن تحقيقه، ويفتح الطريق لمواصلة الكفاح لإنجاح الحل الوطني في مرحلة لاحقة قادمة حتمًا"، على حد تعبيره.

ووصل شكري إلى القدس المحتلة، الأحد الماضي (10|7)، مبعوثا من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث عقد لقاء موسعا مع نتنياهو دام ساعة ونصف، أعقبه لقاء مقلص حول مائدة العشاء في منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية.

وتعدّ زيارة شكري الأولى من نوعها التي يقوم بها وزير خارجية مصري إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ تسع سنوات؛ حيث جرت الزيارة السابقة في 2007، عندما وصل وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد أبو الغيط مع نظيره الأردني عبد الله الخطيب من أجل مناقشة مبادرة السلام العربية مع رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزيرة الخارجية تسيفي ليفني.

مواضيع ذات صلة
لبنان يتجه إلى مفاوضات لاستيراد الوقود من الكويت دون وسطاء
قال مدير الأمن الداخلي اللبناني عباس إبراهيم، اليوم الثلاثاء، إن بلاده ترغب في الدخول بمفاوضات مع الكويت لاستيراد مشتقات الوقود من...
2020-07-14 12:06:53
أكاديميون: قضية فلسطين مازالت محل اتفاق الاطراف العربية المتنازعة
أكد خبراء عرب مهتمون بالشأن الفلسطيني، "أن قضية فلسطين ما تزال قادرة على أن تشكل واحدة من أهم نقاط الاتفاق بين مختلف الأطراف المتن...
2016-02-11 18:28:10
شخصيات فلسطينية تطالب بتشديد مقاطعة الاحتلال والضغط على الأنظمة العربية لوقف التطبيع
أكدت شخصيات فلسطينية، على أهمية مواصلة رفض التطبيع مع الاحتلال بكل صوره، مطالبة في الوقت ذاته بالضغط على الأنظمة العربية من خلال ش...
2019-04-23 12:21:29