الخطبة المكتوبة بمصر.. من "تجديد" الخطاب الديني إلى "تجميده"

لا تزال تداعيات القرار الذي اتخذته وزارة الأوقاف باعتماد "خطبة مكتوبة موحدة" لإلقاءها في مساجد مصر أيام الجمعة، يثير غضب الأئمة الذين رأوا أنه يحوّلهم إلى "قراء نشرة لا خطباء"، فيما وصفه معارضون بـ "خطوة جديدة لتكميم أفواه الدعاة ومنع أي نقد سياسي لنظام الحكم من على المنابر".

وجاء القرار الذي أصدره وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة بإلزام خطباء وأئمة المساجد بصياغة موحدة لخطبة الجمعة وتعميمها مكتوبة عليهم، بعد ساعات من لقاءه جمعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعرضه ما يسمى "استراتيجية لإعادة صياغة ورفع مستوى الفهم الديني الصحيح المستنير"، ما أثار تكهنات تشير إلى أن الهدف من وراء هذه الخطوة سياسي.

ولكن وزير الأوقاف حرص على التأكيد أن توحيد الخطبة وجعلها مكتوبة "ليس له أي دوافع سياسية"، وأضاف "هدفه صياغة الفكر المستنير بصورة علمية ومنهجية وسأكون أول من يبدأ بتنفيذها".

وقال مسؤول في وزارة الأوقاف المصرية في حديث لـ "قدس برس"، إن الوزير اتخذ هذا القرار "ليرضي الرئيس، ويغطي على فشله في تجهيز خطة حقيقية لتجديد الخطاب الديني سبق أنطالب بها السيسي منذ عامين".

وأضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته "أغلب لقاءات الوزير مع وكلاء الوزارة لا تتضمن مناقشات جدية ولا يجرؤ أحد على الاعتراض عليها وإلا غضب عليه الوزير ومؤيديه الذي يصفقون لكل ما يقول، قبل أن يخرج للصحفيين ويقول لهم لقد تمت استشارة العلماء ومسئولي الوزارة فيما يتعلق بالقرارات ووافقوا عليها".

ويقول وزير الأوقاف، أن الخطبة المكتوبة سوف تسلط الضور على أهم المفاهيم والرسائل التي يجب أن توجه للمواطنين، لافتا إلى أنها ستكون 52 خطبة في العام و270 خطبة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، هي حقبة "استراتيجية فهم الدين المستنير، الذي يعالج الفكر المعوج والأفكار الخاطئة الموجودة في المجتمع"، بحسب تعبيره.

من جانبها، قالت أستاذة العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية في "جامعة الأزهر"، آمنة نصير، "هذا القرار قلة حيلة من الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف، ونوع من تجميد الحياة المنبرية وتأميمها لصالح الدولة ويخالف الدور المنوط له المسجد المعروف منذ عهد الرسول".

وأضافت عضو مجلس النواب المصري في حديث لـ "قدس برس" قائلة "أرفض هذا القرار شكلا وموضوعا ومضمونا، ولا أرى في الخطبة المكتوبة أي ابداع، فما الفرق بينها وبين أجهزة التسجيل يتم وضعها في كل المساجد خطبة بها ويسمعها المصلين؛ فأين الإبداع والاجتهاد إذن؟".

وأشارت إلى أن القرار المذكور من شأنه أن "يحجّم دور الأئمة؛ بل ويلغيه، عدا عن أن الخطبة المكتوبة ليس لها أي دور اصلاحي"، بحسب تعبيرها.

ورفضت حركة "أبناء الأزهر الأحرار" في بيان لها القرار، معتبرة أنه "مُضِر بالدعوة الإسلامية والخطابة الدينية والأئمة والدعاة، وسيؤدي إلى تجميد الخطاب الديني، كما أن فيه إهانة وتضيعًا لهيبة الخطيب ومحوًا لشخصيته وسط جمهوره"، على حد تقديرها.


الخطيب الآلي

ودشن عدد من خطباء المساجد والمناصرين لهم وسم "لا للخطبة المكتوبة" على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدوا من خلاله أن الخطبة الموحدة من ورقة مطبوعة وموضوع واحد على مستوى الدولة تقتل الإبداع لدى الخطباء والأئمة، وتحولهم إلى دمى في أيدي النظام.

وتساءل الشيخ "عبد الله هلال السيسي"، ‏‏‏إمام وخطيب ومدّرس‏ لدى ‏وزارة الأوقاف المصرية‏‏، ساخرا، عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، ما إذا كان ممكنا استخدام ‫‏تقنية عرض اللوائح "داتا شو" في الخطبة مع تجول الامام وسط المصلين للفت انتباههم وضمان تركيزهم".

وتابع "ماذا لو تم ‫‏تسريب الخطبة للمصلين قبل يوم الجمعة؟ من المؤكد وقتها أن أحدا لن يأتي للمسجد للصلاة".

واقترح أستاذ الحديث الشريف وعلومه‏ لدى ‏"جامعة الأزهر"، يحيي إسماعيل حبلوش، ساخرا، ‏عبر حسابه على "فيسبوك"، الاستعانة بـ "الخطيب الآلي"، مؤكدا أنه "هو الحل"؛ بحيث "تقوم الأوقاف بملأ ذاكرته بما تشاء ويخطب بما تشاء، وبهذا ترفع الحرج عن الأئمة والخطباء"، حسب تعبيره.

فيما قال الخطيب عبد العزيز رجب "إن الإمام سيتحول بالخطبة المكتوبة إلى ألعوبة في أيدي الأجهزة الأمنية يقول كل ما يملى عليه".


تاريخ تقييد خطبة الجمعة

ومنذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وعزل الرئيس السابق محمد مرسي أصبحت وزارة الأوقاف أحد الأدوات الرئيسية في صراع النظام مع جماعة "الإخوان المسلمين"، وعمدت إلى السيطرة على المجال الديني في مصر كمحاولة لتقليم أظافر الجماعة بنزع أحد أهم أسلحتها، ألا وهو الدعوة الديني.

وكان أول قرار اتخذته وزارة الأوقاف حينئذ هو قرار توحيد موضوع خطبة الجمعة، وزعم الوزير محمد مختار جمعة آنذاك أن "الخطبة الموحدة لا تهدف إلى فرض قيود أخرى على الحريات الدينية، ولكنها محاولة لإبعاد الجوامع عن الصراعات السياسية والحزبية".

ثم أعلن وزير الأوقاف في أيلول/ سبتمبر 2013 تسريح قرابة 50 ألف إمام من العاملين بنظام المكافأة، بدعوى "منع تسخير المنابر للترويج لمواقف سياسية".

كما أصدر الوزير قرارا بمنع صلاة الجمعة في الزوايا والمساجد التي تقل مساحتها عن ثمانين مترًا، بالإضافة إلى السماح لأئمة الأوقاف فقط بالخطابة يوم الجمعة، تبعًا للقرار بقانون الخاص بتنظيم الخطابة، الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور قبيل تركه منصب.

كما اتبعت الوزارة معاييرًا متشددة لضمان عدم اعتلاء المنتمين للإخوان والمعارضين للمنابر مرة أخرى.

وجاء قرار الوزارة الأخير بتوحيد الخطبة "مكتوبة" ليثير موجة غضب وانتقادات واسعة بين أوساط الأئمة والخطباء العاملين بوزارة الأوقاف، الذين سخروا من "الخطيب أبو ورقة" الذي قد يثير سخرية المصلين لقراءته الخطبة من ورقة تحمل "املاءات الحكومة عليه".

مواضيع ذات صلة
مصر تبدأ بتطبيق "الخطبة المكتوبة الموحدة" الجمعة المُقبلة
أعلنت وزارة الأوقاف المصرية، اليوم الأربعاء، عن قرار الشروع بالعمل بموجب قانون "الخطبة المكتوبة الموحدة" وتعميمها على مساجد مصر بد...
2016-07-20 12:00:18
"العدل والإحسان" المغربية تنتقد الخطاب الديني المُحنّط
انتقدت "جماعة العدل والإحسان" المغربية، الخطاب الديني السائد في المغرب، والذي قالت بأنه يستند إلى "النموذج المخزني الذي يقدم دينا ...
2017-01-17 16:38:40
إيران تعلن رفع صادراتها من النفط و"أوبك" تبحث تجميده
أكد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، سعي بلاده لتصدير مليوني برميل من النفط الخام يوميًا، في الوقت الذي أعلنت فيه منظمة "أوبك" عن عقد ...
2016-03-16 18:30:27