طفلة مقدسية ترمّم في الأسر حلما هدمته 12 رصاصة إسرائيلية

ببراءة منقطعة النظير ظنّت عائلة الطفلة الفلسطينية مرح بكير أن بطش الاحتلال كان ليضّل طريق منزلها؛ فتسلم من اعتداءاته التي طالت البشر والحجر في كل شبر من فلسطين.

الثاني عشر من تشرين أول/ أكتوبر 2015، كان يوما مشحونا بالأحداث الأمنية في مدينة القدس المحتلة، استشهد في صبيحته الطالب مصطفى الخطيب (18 عامًا)، إثر فتح قوات الاحتلال النيران عليه قرب "باب الأسباط" (أحد أبواب المسجد الأقصى)، وتبع ذلك إصابة الطفلة مرح بكير البالغة من العمر 17 عاما، باثنتي عشر رصاصة إسرائيلية اخترقت جسدها في غضون ثوانٍ معدودة.

أَصابت نيران الاحتلال الطفلة مرح في يدها اليسرى، هشّمت عظامها من الكوع حتى الكتف، ما اضطّر الأطباء إلى إخضاعها لأكثر من عملية جراحية لعلاج ما يمكن علاجه.

وعقب ساعات معدودة، استُشهد الطفل حسن مناصرة (15 عامًا) وأُصيب أحمد مناصرة (14 عامًا) بادّعاء محاولتهما تنفيذ عملية طعن مستوطنين قرب مستوطنة "بيسغات زئيف" المقامة على أراضي الفلسطينيين شمالي القدس، وطويت صفحة ذلك اليوم باستشهاد الشاب محمد شماسنة عقب تنفيذه عملية طعن في محطة الحافلات المركزية بالقدس.

"أحداث متسارعة"

تسرد والدة الفتاة بكير أحداث ذلك الإستثنائي في حياتها، وتقول لـ "قدس برس": "صبيحة الـ 12 من تشرين أول الماضي، استيقظت طفلتي وأدت صلاتها وراجعت امتحانيْها، ثم جهّزت نفسها وقصدت المدرسة، ومع حلول منتصف النهار تلقيت مكالمة كان مفادها أن مرح أصيبت بطلقات كثيرة، وهو ما لم أصدقه واستغرقت في البكاء".

عمّت حالة من الصمت أرجاء المنزل، أدركت سوسن بكير أثناءها أن ما يحدث في المدينة في الأيام الأخيرة قد وصل إلى بيتها وطال صغيرتها التي وصلها للتو خبر إصابتها، وهو ما سارعت الوالدة إلى التحرّك للتحقّق والتثبّت من صحته.

وتضيف سوسن بكير "اتصلت بزوجي الذي كان بعيدًا عن المنزل وأبلغته بما جرى، واستعنت بالجيران للوصول إلى مدرسة ابنتي لأبحث عنها وأكذّب ما سمعته، بعد أن ألهمني الله قوة للتعامل مع الحدث وتأمين أطفالي الصغار وحدهم في المنزل قبل أن أنطلق في رحلتي للبحث عن مرح".

وتشير إلى أن صورةً لطفلتها سرعان ما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وتداولتها الصفحات الإخبارية، كانت كفيلة بأن تؤكد لها ما جاء في تلك المكالمة قبل أن تصل إلى محيط مدرستها وترى مرح وهي ملقاة على الأرض.

وتستدرك والدة الأسيرة الفلسطينية بالقول "على الرغم من أن وجه مرح لم يكن واضحًا للرؤية من بعيد، إلا أنني تأكدت أن هذه هي ابنتي لدى رؤيتي حذائها الملقى إلى جانبها؛ فهو ذاته ما لبسته اليوم قبل خروجها إلى المدرسة (...)، أردت الذهاب والاقتراب من مرح إلا أنني مُنعت من ذلك خشية استهداف الاحتلال لي أنا أيضًا".

نقلت طواقم الإسعاف الإسرائيلية الطفلة المصابة إلى مستشفى "هداسا" قرب العيساوية، فلحقت بها والدتها وهناك منعها ضابط إسرائيلي من الدخول للاطمئنان على ابنتها وخاطبها بالقول "مرح لنا الآن .. لن تريها مجدّداً".

تروي الوالدة ما عايشته في ذلك اليوم، وتقول "أوقات عصيبة مررت بها، كان قلبي يخفق بشدة من الخوف وكنت أبكي بحرقة، وهنا استدعتني مخابرات الاحتلال وزوجي للتحقيق في مركز المسكوبية، فتوجهنا إلى هناك وما إن وصلنا حتى علمنا بأن مرح قد نقلت إلى مستشفى هداسا عين كارم لإجراء عملية جراحية لإخراج الرصاصات من يدها".

"شيفرة سرية"

تضيف والدة الأسيرة لـ "قدس برس" أنها توجهت وزوجها عقب التحقيق الذي استمر نحو ثلاث ساعات، إلى المستشفى حيث ترقد مرح، إلا أنها لم تتمكن من رؤيتها؛ فالأمر بحاجة لقرار من المحكمة أو الشرطة الإسرائيلية.

وهنا كان لا بدّ من التحايل لبلوغ المراد؛ فما كان من الأم إلا الاقتراب من غرفة مرح في المستشفى وتشغيل رنة هاتفها التي اعتادت طفلتها على سماعها في كل مرة تتلقى فيه اتصالًا؛ وبذلك تدرك مرح وجود والدتها في الخارج وتنحني بجسدها الهزيل وتسترق النظرات على الباب علّها تلمح طيفها الذي يحجبه عنها حراس إسرائيليون لا يتزحزحون ولو قليلًا  عن باب غرفتها.

"كبُرت ابنتي وستدرسُ المحاماة"

تقول سوسن بكير لـ "قدس برس"، "مرح أكبر بناتي والأقرب إلى روحي، كانت تقدم امتحانات الثانوية العامة وتعتزم دراسة تخصص السكرتارية الطبّية بعد النجاح، لكنها اليوم تغيرت وشخصيتها أصبحت مختلفة تماما".

أشهر قضتها الفتاة الفلسطينية في الأسر وتنقّلت خلالها بين سجون الاحتلال، كانت كفيلة بأن تجعلها تكبر بسرعة وتنضج؛ فباتت اليوم أكثر جرأة، كما أصبحت إنسانة اجتماعية، لها وجهة نظرها الخاصة التي لا تخجل أبداً من إبدائها أمام الغير، وذلك على عكس ما كانت عليه قبل إصابتها واعتقالها.

مرح لا تُريد اليوم أن تدرس تخصص "السكرتارية الطبية"، فبعد أن نجحت في امتحانات الثانوية العامة وحصلت على معدل 80 في المائة رغم إصابتها ووجودها في السجون الإسرائيلية، عدلت عن قرارها واختارت تخصّص "المحاماة"، انطلاقًا من رغبتها بدفع الظلم.

تُواجه الأسيرة المقدسية مرح بكير تُهمة التخطيط ومحاولة تنفيذ عملية طعن مستوطنين في القدس، فمحكمتها القادمة في الـ 21 من شهر أيلول/ سبتمبر القادم للاستماع للشهود، أمّا الإدلاء بأقوالها فستكون في الـ 25 من الشهر ذاته، وما زالت قضيّتها معلّقة في محاكم الاحتلال، لكنّها تُجاهد وآخرون لإمكانية دراسة التخصّص الذي تُريده داخل سجون الاحتلال.

ـــــــــــــــــــــــــــ

من فاطمة أبو سبيتان

تحرير زينة الأخرس

مواضيع ذات صلة
حمدي وديما .. شقيقان غزيّان حلما فأبدَعا وتحقّقَ مرادهما
لكل حالم في الحياة إرادة تقوى مع مرّ الزمان، ومع كل خطوة يقترب فيها من تحقيق حلمه، وهذا ديدن الشقيقان الغزيان ديما وحمدي شعشاعة لت...
2016-12-07 19:42:24
عروس فلسطينية تزف من بيتها الذي هدمته جرافات الاحتلال بسلوان
أصرت العروس الفلسطينية ربيحة الرجبي، اليوم السبت، على أن تزف من منزلها الذي هدمته جرافات بلدية الاحتلال في حي عين اللوزة ببلدة سلو...
2022-06-11 19:05:34
"تايم" الأمريكية ترشّح طفلة من أصل فلسطيني لنيل جائزة "طفلة العام"
وصلت الطفلة الأمريكية من أصل فلسطيني، لجين القطاوي، إلى المرحلة النهائية في مسابقة "طفل العام" لسنة 2022، التي تنظمها مجلة "تايم" ...
2022-01-28 07:05:31