مراقبون: العمليات الفردية أحدثت شرخا في نظرية الأمن الإسرئيلي
مع تجدّد موجة عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتكشف عجز الاحتلال بكل أذرعه في محاولة التصدّي لهذه العمليات التي وصلت العمق الإسرائيلي، وجعلت قادة مؤسساته العسكرية والسياسية أمام مهمة صعبة تتمثل بمحاولة الحفاظ على ما تبقى من "الهيبة الأمنية" لقواته.
سجّلت الأشهر الماضية منذ تشرين أول/ أكتوبر 2015 وحتى كانون ثاني/ يناير الجاري، تنفيذ مقاومين فلسطينيين لأكثر من 260 عملية؛ غالبيتها العظمى اتّسمت بالطابع الفردي ولم يتبنّها أي فصيل فلسطيني؛ من بينها عمليات دهس وطعن وإطلاق نار أسفرت عن مقتل عشرات الإسرائيليين وإصابة مئات آخرين.
ويرى مراقبون أن العمليات الفردية التي شهدتها "انتفاضة القدس" المندلعة منذ أواخر عام 2015، كشفت عن عجز المؤسسة الامنية الإسرائيلي في التصدّي لهذا النوع من العمليات، لعدم وقوف فصائل وخلايا منظمة وراء تنفيذها.
"العقاب الجماعي" هو أحد الوسائل التي استعان بها الاحتلال في محاولاته اليائسة للحد من عمليات المقاومة الفردية؛ فكانت قواته تعقب كل عملية منها بحملة هدم لمنازل منفذيها وأفراد عائلاتهم، فضلا عن اعتقال أقاربهم، إلا أنها وطوال مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تنجح في وقف عمليات يرى فيها مراقبون أنها تأتي في سياق الرد الطبيعي على جرائم الاحتلال المستمرة بحق الإنسان والحجر والشجر والمقدسات في فلسطين.
المختص بالشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، قال إن جهاز المخابرات العامة الـ "شاباك"، ومن خلال التقارير التي يُقدمها للمستوى السياسي أكد على عدم قدرته على إيقاف هذا الشكل من العمليات، على عكس الخلايا التي تتبع لتنظيمات فلسطينية، والتي من السهل تتبع خيوطها وتفكيكها.
وأوضح أبو عواد، خلال حديث مع "قدس برس"، أن الاحتلال لجأ إلى بعض الوسائل التي يمكن من خلالها ملاحقة منفذي العمليات قبل أن تخرج أفعالهم إلى حيّز التنفيذ، ومنها مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، وعمليات الاتصال بين الأفراد، الأمر الذي يعتقد الاحتلال أنه سيتمكن خلاله من كشف بعض توجهات المنفذين.
كما بيّن المختص الفلسطيني أن أجهزة الأمن الإسرائيلي لجأت إلى عمليات الاعتقال العشوائي، والتي زعم الاحتلال خلالها أنه تمكن من الوصول إلى أفراد كانت عندهم نوايا لتنفيذ عمليات.
ولفت إلى أن المستوى السياسي الإسرائيلي لا سيما اليمين المتطرف، دعا مع استمرار العمليات الفردية، إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات ومن بينها سنّ قوانين تساهم في التصدي للهجمات، والتي كان منها قانون "الإرهاب"، الذي أتاح لأجهزة الأمن الإسرائيلي توسيع عمليات الاعتقال والتحقيق، ومضاعفة الأحكام بحق النشطاء الفلسطينيين.
وأشار أبو عواد، إلى أن القيادات الإسرائيلية دعت في أكثر من مرة إلى إبعاد عائلات المنفذين عن مناطق سكنهم إلى قطاع غزة وحتى خارج فلسطين، وعدم الاكتفاء باعتقالهم، بالإضافة إلى الإجراءات التي تكفل محاربة هذه العائلات اقتصاديا.
كما ذكر أن وزراء إسرائيليون دعوا إلى تغيير طريقة التفكير والتعامل بطريقة أخرى مع المناطق التي لا يخرج منها منفذو للعمليات، سواء بإعطائها بعض الامتيازات الاقتصادية وتلك المتعلقة بحرية الحركة، على عكس المناطق التي يخرج منها منفذون، والتي شددوا على ضرورة فرض الحصار عليها والتضييق على سكانها بكل الوسائل المتاحة.
واعتبر أبو عواد أن محاولة بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال، إلصاق تهمة "داعش"، بمنفذ عملية الدهس في مدينة القدس يوم أمس الأحد، والتي أسفرت عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين وإصابة آخرين، ما هي إلا محاولة لاستجلاب العطف الدولي، وتشبيه المقاومة الفلسطينية بالعمليات التي تتعرض لها دول العالم خاصة في أوروبا من قبل هذا التنظيم المتطرف.
بدوره، رأى الخبير العسكري، واللواء المتقاعد واصف عريقات، أن العمليات الفردية التي ينفذّها الفلسطينيون تشكل أخطر أنواع العمليات على أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية، كون أن تصنيفها يأتي ضمن العمليات المعقدة التي يصعب التنبؤ بها أو كشفها قبل حدوثها، والسيطرة على مخططيها ومنفذيها مثل العمليات الأخرى، والتي تكون صادرة عن خلايا منظمة تابعة لتنظيمات فلسطينية، لديها بنيتها الهرمية.
واعتبر اللواء عريقات، خلال حديث مع "قدس برس"، أن عملية الدهس الأخيرة بالقدس، كانت موجعة للاحتلال وهي نتاج طبيعي لممارساته، واستمرارا لعمليات فردية سابقة.
وشدد على أنه ما دام الاحتلال موجودا، ومهما بلغت إجراءاته القاسية من عقاب جماعي وهدم وغيرها، فإن الفلسطينيين سيستمرون في مواجهته، باعتبار وجوده وممارساته المحفّز لهم في ذلك.
ووصف الخبير العسكري، الوسائل التي ينفذها الاحتلال خلال محاولته الحد من العمليات الفردية، ما هي إلا إجراءات تعكس حجم التخبّط الذي يعيش به، حيث ينعكس ذلك على حالة الإرباك التي تظهر خلال تنفيذه لهذه الإجراءات، الأمر الذي يزيد الفلسطينيين إصرارا على مجابهتها بكل الوسائل المتاحة لهم، حسب قوله.
ـــــــــــــــ
من محمد منى
تحرير محمود قديح