"التحقيق العسكري" .. سيناريو متجدّد للانتهاكات الإسرائيلية

تحاول دولة الاحتلال جاهدة إخفاء وجهها الحقيقي في طريقة تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين، وتدعي في كل مناسبة التزامها بالقوانين الدولية، وتذهب أبعد من ذلك حين تزعم أن سجونها أفضل بكثير من السجون العربية.

فما يحدث في أقبية المعتقلات ومراكز التوقيف الإسرائيلية، قد يعدّه البعض لدى سماع تفاصيله، وصفا لمشاهد فيلم سينمائي من إنتاج "هوليوود"، غير أن الحقيقة التي وثقتها مئات التقارير الحقوقية والقانونية الصادرة عن جهات دولية وفلسطينية، لا تثبت فقط ممارسة شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي في تلك المعتقلات، وإنما انتهاجها كسياسة تُطبّق بتوجيهات قمة الهرم السياسي في دولة الاحتلال.

وفي خلفية هذا المشهد غير الهوليوودي، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 1999 قراراً يقضي بوقف التعذيب الجسدي خلال استجواب الأسرى الفلسطينيين، غير أنها استثنت من وصفتهم "بالقنابل الموقوتة"، أي أولئك الذين يمتلكون معلومات "قد تهدّد حياة إسرائيليين".

وصف "القنابل الموقوتة" الفضفاض ترك الباب مفتوحاً أمام محققي المخابرات الإسرائيلية لممارسة التعذيب والإفلات من أي تبعات تعقب ذلك، بحسب منظمات حقوقية.


تتكلم أو تموت

الأسير رياض ناصر (39 عاما) من قرية "دير قديس" غرب مدينة رام الله، روى لـ "قدس برس" تجربته القاسية مع التحقيق العسكري، قائلا "بعد شهر من التحقيق في مركز المسكوبية، وفي منتصف العام 2014، قرر المحققون الانتقال إلى طريقة أشد في التحقيق، استدعت مصادقة رئيس الشاباك يورام كوهين في حينه".

وتابع "بعدها نُقلت إلى غرفة تحقيق مختلفة، وهناك كان باستقبالي محقق آخر صرخ لدى رؤيتي بالقول (عام 1998 قتلت في هذه الغرفة الأسير عبد الصمد حريزات، والليلة سأقتل الشخص الثاني، وهو أنت)، فيما توجّه محقق آخر إليّ بالقول(لا خيار أمامك: تتكلم أو تموت، وان كانت محظوظاً ستخرج مشلولاً).

وأضاف من داخل معتقل "عوفر" الإسرائيلي مستذكرا رحلة التحقيق التي وصفها بـ "المريرة"، "بعدها أجلسني المحققون على كرسي صغير بلا ظهر، وغطوا عيوني بنظارة معتمة، بعدها مباشرة تعرضت لصفعة قوية على وجهي أفقدتني السمع مؤقتاً، ثم وقعت مغشياً عليّ".

وعن أساليب التعذيب التي رافقت عملية التحقيق مع الأسير، ذكر أن من بينها إحكام القيود الحديدية "كلابشات" على اليدين حتى تخدّرهما بشكل كامل، وضرب الأرجل عند الوقوف حتى التورّم وإفقاد الأسير القدرة على المشي، والإجبار على الجلوس بوضعيتي "الضفدع" و"الكرسي الوهمي" (زاوية) وتقييد حركته فيما يتلقّى ركلات وضربات في منطقة الوجه والعنق والصدر.

"كما يقوم المحققون باستخدام آلة يتم ادخالها في أنف الأسير وأذنيه بعد ضربه بشكل مبرح، ما يؤدي إلى فقدانه الوعي والتوازن وقدرته على التحكّم بجسمه"، حسب وصفه.


أسلوب "المافيا"

من ناحيته، تحدّث، الأسير المحرّر (م.ر) البالغ من العمر (35 عاماً)، عن تجربته مع التحقيق العسكري بعد اعتقاله في آب/ أغسطس 2014، بدعوى قيادته لسيارة مفخخة.

وقال في شهادته لـ "قدس برس"، "جرّدني محققو الشاباك من ملابسي في مكان اعتقالي على أحد حواجز بيت لحم، ونقلوني لمنطقة بعيدة ثم قيدوني بكلبشات شدوها على معصمي بشكل كبير، وبعد ساعتين تجمد الدم في يدي وصار لونهما أزرق، كل ذلك ترافق مع أسئلة المحققين وضرب على الأيدي والأكتاف والوجه (...) بقيت على هذه الحالة أكثر من 5 ساعات".

وأضاف في حديثه لـ "قدس برس"، "بعدها نُقلت إلى مشفى شعاري تصيدق في القدس، وخضعت لبعض الفحوصات وتطبيب لمكان الكدمات والجروح، وفي اليوم التالي نقلت إلى مركز المسكوبية؛ حيث أُبلغت بموافقة مسؤول الشاباك على إخضاعي للتحقيق العسكري لمدة 22 ساعة".

وأشار (م.ر) وهو من إحدى قرى شمال غرب القدس، إلى أن المحققين هدّدوه في حال عدم التجاوب مع أسئلتهم باستخدام أسلوب "المافيا".

وتابع "في تمام الساعة 8 مساء من ليلة عيد الفطر بدأ التحقيق، ونُقلت إلى غرفة رقم 26، وعلى الفور قابلني أحد المحققين بلطمة على الوجه، ثم ضربني آخر على فخذي بقوة فوقعت على الأرض، بعد ذلك حضر إلى الغرفة ثلاثة محققين إضافيين أجبروني على الوقوف مرة أخرى وأعادوا الكرة من جديد، وأجلسوني على كرسي وجعلوا رأسي متدلياً حتى لامس الأرض، فصار جسدي على هيئة ثمرة الموز".

وأضاف "وفي هذه الأثناء أصابني ألم شديد ترافق مع صوت صادر عن حركة فقرات عمودي الفقري، ما استدعى فك وثاقي واستدعاء طبيب قام بالضغط على ظهري، عندها صرخت بصوت مرتفع من شدة الألم قبل أن أفقد وعيي واستيقظ فاقدا القوى على تحريك قدماي وأمامي كرسي متحركة .. هنا ظننت أنني أصبت بالشلل".

وبيّن (م.ر) أن التعذيب يشرف عليه طبيب خاص، وكل أسلوب يكون محدد بسقف زمني محسوب بالثانية، مع استمارة خاصة يحملها المحققون عند كل جولة، لافتاً إلى أن كل ذلك يرافقه كيل أشد ألفاظ الشتائم والسباب للأسير.

ومن مشاهد التعذيب الأخرى، وفقا للمحرّر الفلسطيني الذي فضّل التكتّم على هويته، خلع الأظافر وفك الأسنان، ويقول "هناك أسرى خلع المحققون نصف أظافرهم فاضطروا إلى سحب بقيتها بأسنانهم من شدّة الألم، في حين تعرّض آخرون لخلع في فك الأسنان أعاده الأطباء الإسرائيليون إلى مكانه دون أي تخدير".


تعذيب دون أثر 

من ناحيتها، أوضحت الباحثة القانونية في مؤسسة "الضمير" لحقوق الإنسان، رشا عباس، أن "التحقيق العسكري  مصطلح ليس له أي أصل قانوني ولكن خلقه الأسرى من أجل وصف ما يتعرضون له، مشيرة إلى أنه يمكن وصفه بـ "تحقيق عنيف وقاسٍ يتخلله تعذيب جسدي بقصد انتزاع المعلومات".

وكشفت أن الأسير قد يصاب بعاهة مؤقتة خلال خضوعه لهذا النوع من التحقيق كعدم القدرة على المشي أو السمع، لافتة إلى حرص المحققين الإسرائيليين على عدم ترك أي أثر على جسد الأسير، خوفاً من الملاحقة القانونية.

وبيّنت أن "التحقيق العسكري" مرّ في مراحل مختلفة بين صعود وهبوط؛ حيث كان الأمر كان مقترناً بالوضع الأمني الميداني، مؤكدة في الوقت ذاته أن عملية خطف المستوطنين الثلاثة قرب الخليل في حزيران/ يونيو 2014 شكلت انعطافة حادة في ارتفاع وتيرة التحقيق العسكري وتوسيع دائرته لتشمل تهماً أقل خطورة.


"التعذيب غاية وليس وسيلة"

بدوره، قال مدير وحدة الأبحاث في "مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب" برام الله، وسام سحويل، "إن القوانين الدولية ترفض التعذيب جملة وتفصيلة ودون أي استثناءات مهما كان سببها، وهو الأمر الذي لا تلتزم به إسرائيل رغم أنها موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب.

ورأى الباحث الحقوقي خلال حديثه مع "قدس برس" أن القرار الصادر عن المحكمة العليا عام 1999 ما هو إلا "كذبة" ووفر الحماية والحصانة لرجال الشاباك، لافتاً إلى أن الاحتلال استكمل مؤخراً القرار السابق بإعفاء المحققين من توثيق جلسات التحقيق من خلال الكاميرات.

ووفقا لسحويل؛ فإن التعذيب لم يعد بهدف انتزاع المعلومات من الأسرى فقط، بل صار بقصد تحطيم معنوياتهم وتحويلهم لأشخاص معاقين فكرياً وسلوكياً.

وكانت صحيفة “هآرتس” العبرية قد نشرت في وقت سابق تقريراً، نقلت فيه شهادات لضباط إسرائيليين، أقروا خلاله بممارسة التعذيب الجسدي بحق عدد من الأسرى الفلسطينيين.

ونقلت عن أحد الضباط قولهم "يجب أن يعلم الشخص المعتقل أن عملية التحقيق ليست فقط أسئلة وأجوبة، وأن الحصول على المعلومة وعملية الإقناع لا تكون فقط لفظية".


ـــــــــــــــــــ

من أحمد البيتاوي
تحرير زينة الأخرس

مواضيع ذات صلة
وقفة احتجاجية لصحفيي الداخل المحتل رفضا للانتهاكات الإسرائيلية بحقهم
نظم العشرات من الصحفيين الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل، وقفة احتجاجية، اليوم الأربعاء، أمام مركز شرطة الاحتلال في وادي عار...
2016-08-17 17:21:44
البرلمان العربي يبحث سبل التصدي للانتهاكات الإسرائيلية في القدس
بحث البرلمان العربي، اليوم السبت، سبل التصدي لانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، التي يتعرض لها المسجد الأقصى والمقدسات والمقدسيين المر...
2022-04-23 18:35:02
إضراب تجاري في الضفة رفضا للانتهاكات بحق الأقصى
دعت الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، إلى إضراب تجاري اليوم الثلاثاء (29|9)، رفضا للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق المسجد ال...
2015-09-29 06:58:07