إسراء.. فلسطينية تروي لـ "قدس برس" نكبة الجيل الثالث في سوريا

كثيرة هي الحكايات التي تروى عن قصص الهروب من مدينة الرقة (شمالي شرقي سورية)، لاسيما العائلات التي اضطرت لمغادرة المدنية، وقضائها أوقات عجاف، كسنين، في رحلة الفرار المحفوفة بالمخاطر هرباً من صعوبة الحياة وحُكم "تنظيم الدولة"، قبيل إعلان القضاء عليه. 

تروي إسراء، وهي ربة عائلة، من الجيل الثالث لأبناء اللاجئين الفلسطينيين في سورية، الذين قدموا إليها بعد النكبة عام 1948 (قدرت أعدادهم آنذاك بـ 85 ألف لاجئ، يرجع معظمهم إلى سكان الجزء الشمالي من فلسطين)، كيف أنها عاشت حياة مريرة منذ الأزمة السورية، وفقدانها زوجها بعد وصولها إلى مدينة الرقة، في قصف قوات التحالف الدولي مدجنة لتربية الطيور على أطراف المدينة.

تقول اللاجئة إسراء، أنهم اضطروا لمغادرة مكان سكنهم في ريف دمشق، مع تردي الأوضاع الأمنية هناك، وتكبدوا الأمرّين تنقلا بين المدن السورية، حتى انتهى بهم المطاف في محافظة الرقة.

وما هي إلا فترة قليلة من وصولهم المدينة، تضيف إسراء، حتى أعلن "داعش" (تظيم الدولة) بحلول كانون ثاني/يناير 2014، سيطرته الكاملة على المدينة وفرض أحكامه عليها، ليبدأ فصل جديدة من المعاناة الإنسانية.

فكانت معاناة المدنيين عموما، مضاعفة ما بين قصف التحالف الدولي لـ "داعش" وما تبعه من حصار ونقص في الأغذية والعلاج والرعاية الصحية، وما بين ممارسات يرتكبها التنظيم بحقّهم.
 
تقول إسراء: "كنت خائفة جدا من البقاء في المدينة لقد كان القصف يطال كل شيء في الوقت الذي كان التنظيم يمنع المدنيين من الخروج (..) كانت كل هذه المخاطرة ماثلة أمامي قبل الرحيل ولكني كنت عازمة على حماية أطفالي وأوفر لهم حياة سعيدة بعيدة عن القصف والدمار".

وتضيف "بالرغم من التشديد والرقابة التي كان يتبعها التنظيم لمنع خروج المدنيين من مناطق سيطرته إلا أنني اتفقت مع مهرب مقابل مبلغ مالي كبير .. لم أكن أعرف المهرب ولست متأكدة من هويته فلربما كان تابعا للتنظيم أو محتالا.. كل شيء كان واردا، إلا أنه لا خيار أمامي سوى خوض مغامرة الموت".

وتتابع القول: "أخذت أطفالي الثلاثة إلى السوق حيث كان المهرب بانتظاري ولم أحمل أي شيء معي سوى المال حتى لا أثير الانتباه، وسار بنا إلى طريق ترابي حتى نتلافى حواجز التنظيم لأنهم سيسألونني عن المحرم الذي معي .. حتى وصلنا إلى بيت فيه غرفتين واحدة للرجال وأخرى للنساء".

تكمل اللاجئة إسراء قصتها: "عاودنا المسير بعد المغرب .. فكنا نركض تارة ونمشي تارة أخرى وأنا أحمل طفلي الصغير بينما تتشبث أختاه بثوبي حتى بلغ بنا الأعياء والتعب أننا صرنا نمشي خمس دقائق ونستريح دقيقتين".

"كنت أخشى من أن يمسك بنا عناصر الدولة ويجبروننا على العودة"، تضيف إسراء، "فكان من المحتمل أن يعاقبونني وأن يأخذوا مني أطفالي لأني سأهربهم إلى مناطق المرتدين، وفق وصفهم".

"ما زلت أذكر ما حدث مع جارنا أبو علاء حبال وعائلته وهو سوري عندما ألقى عناصر التنظيم القبض عليهم أثناء محاولتهم الخروج.. حيث سجن أبو علاء، وتم تنفيذ حكم الاعداء على المهربين بقطع رؤوسهم عند نُصب (الساعة)".

وتضيف "وفجأة حدث ماكنت أخشاه .. أوقفنا عنصران يرتديان لباس التنظيم بينما لاذ المهرب ومساعديه بالفرار بين السهول ليقوم عنصرين آخرين بملاحقتهم بالدراجات النارية، حيث أجلسونا على الأرض وبدأوا يحققوا معي: ما اسم المهرب وكم دفعت له ومن أين جئنا، إلى أن عاد المهرب ومساعديه فعرفوا أن الذين يحتجزوننا مجرد قطّاع طرق فاشتبكوا معهم بينما كان الطيران لا يغادر السماء".

تصف إسراء مشاعرها في تلك اللحظات وتقول: "لقد كنت أبكي وأدعوا الله أن يخرجنا سالمين من بينهم وأطفالي يبكون ويصرخون .. والله لقد كنا في موقف صعب للغاية، ورغم صعوبة ما وجهته في حياتي خلال الأزمة السورية، إلا أن هذا الموقف كان الأصعب".

وترجع إسراء لرواية قصتها: "تابعنا طريقنا وقام المهرب بحمل طفلي ومن شدة التعب والانهاك والخوف، لم أعد قادرة حتى على حمل كيس الطعام التي أحضرته لأطفالي".

وتضيف "وبعد يوم كامل من تلك المعاناة، التي مرّت كسنين أمامنا، وصلنا إلى أول حاجز تابع لقوات (درع الفرات)، بريف حلب الشمالي، وذلك بعد منتصف الليلة .. كان ذلك في أواخر شهر شباط/فبراير حيث البرد القارس، أوقفنا جنود الحاجز هناك ولم يسمح لنا بالدخول".

تقول إسراء "كانت ليلة بألف ليلة والله .. رسمت خلالها أسوء سيناريوهات ما يمكن أن يحدث معي ومع أطفالي، فمن شدة الخوف، قتلوا حتى الأحلام والأماني من قلوبنا .. جلسنا بعدها في مجموعات حيث أشعلت كل مجموعة النار وتحلقت حولها لم يكن لدى أحد أي غطاء أو طعام أو شراب حتى الحاجز لم يقدم لنا شيئا! (..) كنت أدعوا ربي طوال الليل وأسبح كي تمضي الساعات بسرعة كان أولادي يبكون من الجوع والبرد ثم ينامون من شدة الإرهاق".

تتابع إسراء، "ومع إشراقة الشمس .. ودخول الدفء إلى أجسامنا المنهكة، وكأنها أدخلت معها الأمل في قلوبنا، وما هي إلا ساعات قليلة، حتى فتح الحاجز وجاءت مركبات لنقلنا لتبدا بعدها حياة جديدة، لم أمكن في يوم من الأيام أحلم أن أصل إليها".

مواضيع ذات صلة
اتفاق بين السلطة والاحتلال يسمح بادخال تقنية "الجيل الثالث" لفلسطين
وقعت السلطة الفلسطينية في رام الله، اليوم الخميس (19|11)، مع سلطات الاحتلال الاسرائيلي، اتفاقاً يسمح للشركات الخليوية الفلسطينية ب...
2015-11-19 14:02:16
نكبة فلسطينيي سورية.. 71 عاما تروي حكاية "خيمتين"
"بعد انسحاب جيش الإنقاذ العربي أتذكر أن الناس قاوموا الاحتلال بـ 12 بندقية فقط، وكمية ضئيلة من الذخيرة، (..)، كانت الحكومة البريطا...
2019-05-14 09:52:26
شاهدة عيان تروي لـ "قدس برس" شرارة "يوم الأرض" في "عرابة البطوف"
"يمّا اليهود تحت البيت، تخبوا هسا بطخونا" .. لتنطلق بعدها زخات الرصاص، وقنابل الغاز التي ملأت المكان .. وفجأة سمعنا جارنا يقول: شه...
2016-03-30 14:55:16