قراءة في مبادرة التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج

لم يكن مفاجئا لكثير من المراقبين أن يطرح وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس مبادرته للتطبيع الكامل بين الكيان ودول الخليج وسط ترحيب ودعم أمريكي

ويبدو أن المسؤولين الأمريكيين متحمسون جدا في هذا الإطار خصوصا بعد تأجيل الإعلان عن ما يسمى اعلاميا باسم "صفقة القرن" والتي روج لها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.

وبينما خطت دول عربية وخليجية طريقها نحو تل أبيب من باب الاقتصاد تارة ومن باب الرياضة تارة أخرى، لم يقدم الاحتلال الإسرائيلي، أي التزام لا للفلسطينيين ولا للدول العربية بحل القضية الفلسطينية وهو الشرط الذي لازم ميدان الاشتباك السياسي مع الاحتلال حتى فترة قريبة.

في ظل هذا التغير الذي رافقه محاولات حرف الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية جاءت مبادرة كاتس لترفع الحرج عما تبقى من مظاهر الاحتكاك مع دولة الاحتلال لتضع مشهد التطبيع كاملا فوق الطاولة.

وحول تلك المبادرة قدم الباحث في شؤون المفاوضات محمد مطر، في حديث خاص مع "قدس برس" قراءة للمشهد العربي والفلسطيني من خلال مبادرة كاتس وانعكاساتها.

 وقال "مطر" إن" دولة الاحتلال تعي أنه لا يمكن التوقيع على اتفاقية سلام شاملة بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر حاليًا، لذلك فالمبادرة تسعى إلى إنهاء حالة النزاع مع دول الخليج وتطبيع العلاقات معها، تمهيدًا لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وشطب القضية الفلسطينية".

وأضاف لم تكن هذه الموجة التطبيعية الخليجية مفاجئة بحد ذاتها، حيث أن مبادرة "كاتس" جاءت بعد سلسلة طويلة من التطبيع والاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، وأشار إلى علاقات تطبيع سرية وعلنية سبقت مبادرة كاتس بين دولة الاحتلال وكلًا من: السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر،

وأردف: "هناك 15 نظامًا عربيًا يقيم علاقات بشكل أو بآخر مع الكيان الإسرائيلي وفق (حملة المقاطعة–فلسطين)".

ونوه أن المبادرة جاءت بعد تغيرات عدة طرأت على "صفقة القرن"، وذلك إثر تغيرات طارئة في الظروف الإقليمية في المنطقة، مضيفا أن "وربما تكون المبادرة هي الجزء الأخير من صفقة القرن وإحدى أدواتها".

وبين أن "الأمريكيين يدرسون المنطقة جيدًا، ويسجلون جميع المتغيرات، ثم يعيدون وضعها ضمن الحسابات الجديدة لصفقة القرن، وهذا ما حدث في الفترة الأخيرة، خاصة مع تزايد الحضور الإيراني بقوة في المنطقة".

وأوضح أن "المبادرة تتضمن 12 بندًا تنص على التطبيع بين الطرفين في مجالي محاربة الإرهاب والاقتصاد، وترتكز على إجراء تحالف اقتصادي إقليمي بدعوى حماية المنطقة من الخطر الإيراني، وهو ما يُعد الجزء الأبرز من خطوات الوصول إلى تنفيذ صفقة القرن".

وأضاف: كما ينص الاتفاق على تطوير التعاون والعلاقات بين الجانبين بناءً على معاهدة الأمم المتحدة وبحسب القوانين الدولية، كذلك اتخاذ خطوات فعلية لمنع استغلال أراضي أي من هذه الدول لارتكاب أعمال عدائية ضد الطرف الآخر، إضافة إلى التعهد بعدم الانضمام إلى أي ائتلاف يهدف لمهاجمة الطرف الآخر، وكما أن أي اعتراض على بنود هذا الاتفاق يجب حله بعد المشاورات بين الجانبين.

وحذر من أن عملية التطبيع بهذا الشكل من الجرأة والعلنية المشينة، يعتبر خطرًا مستقبليًا على أمن واقتصاد دول الخليج، حيث يفتح مجالا أوسع لدولة الكيان بالتدخل في شؤون البلاد، وتسهيل مهماتها الأمنية، دون رقيب ودون اعتراض، بسبب بنود تلك المبادرة المقيدة لدول الخليج، كذلك ستؤثر سلبًا على اقتصادها، وتحكمًا أكبر على عقد تحالفاتها أو محاولات الدفاع عن نفسها.

وأشار إلى أن هذه الحملة المسعورة من التطبيع تعبر عن عدة أمور، الأول: عجز الأنظمة العربية في التعبير عن تطلعات أمتها وشعوبها، ثانيا: إشكالية ربط مصالحها واستقرارها بقوى خارجية، وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية، وقابليتها للضغط والتعامل بإيجابية بدرجات متفاوتة مع المتطلبات الأميركية والغربية.

ويضيف: أما الأمر الثالث: شعورها بالعجز عن القيام بواجبها الحقيقي تجاه فلسطين وشعبها، أو على الأقل مواجهة التمدد الإسرائيلي في المنطقة، ورابعاً: إشكالية فقدان البوصلة لدى المنظومة العربية، وإشكالية تحديد الأولويات والمخاطر والاستحقاقات المترتبة عليها.

وتابع "مطر" حديث: "لقد أصبحت قضية فلسطين قضية ثانوية في منظومة حسابات هذه الأنظمة، بل أصبحت عبئًا يجب الضغط باتجاه إنهاء ملفاتها أو تجاوزهاط. 

وحذر من أن الطرف الإسرائيلي وجد ذلك فرصة تاريخية للالتفاف على الجانب الفلسطيني، وإفقاده الظهير العربي، ولفرض الرؤية الصهيونية في تسوية الملف الفلسطيني. وهو ما يقوم به بالتعاون مع إدارة ترامب ضمن صفقة القرن.

وحول أسباب طرح المبادرة رغم أزمات "اسرائيل" الداخلي، قال "مطر": "من غير المفهوم سبب الإعلان عن هذه المبادرة حاليا، في الوقت الذي تمر فيه دولة الكيان بمرحلة ضعف، فهي غير قادرة على تشكيل حكومة تدير شؤونها، والواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يعاني من أزمة شخصية وسياسية، لذلك لجأ للكشف عن هذه المبادرة على أمل أن تخرجه من مأزقه".

واعتبر "مطر" أن الكشف عن هذه المبادرة في هذا التوقيت جاء في ظل حالة ضعف يمر بها الكيان العاجزعن تشكيل حكومة تدير الأمور، وأردف: والواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يعاني من أزمة شخصية وسياسية، لذلك لجأ للكشف عن هذه المبادرة على أمل أن تخرجه من مأزقه.

واستبعد "مطر" أن تطول الموجة التطبيعية الجديدة، مؤكدا أنها ستنحسر قريبًا أو في المدى المنظور. 

وأشار إلى أن جوهر المشروع الإسرائيلي وضمان استمراره "مبني أساسًا على بقاء البيئة العربية الإسلامية ضعيفة مفككة متخلفة، ولأن نهضة الأمة تعني بالنسبة له خطرًا وجوديًا".

وأكد أن "قضية فلسطين ستظل تتميز بأنها: القضية الموحدة للأمة، والقضية الرافعة لمن يرفعها ويرعاها، والقضية الكاشفة الفاضحة لكل من يخذلها أو يتنازل عنها".

ودعا "مطر" الدول الخليجية للاقتداء بدلة الكويت في عدم التطبيع مع الكيان، وشدد على أهمية أن يتخذ العرب موقفًا جماعيًا حازما تجاه القضية الفلسطينية، لا أن تبقى كل دولة تبحث عن مصلحتها بشكل منفرد.

ورغم الأصوات الشاذة التي تدعو للتطبيع رأى "مطر" أن الشعوب الخليجية غير مستعدة في الوقت الراهن لفكرة التطبيع، كما أن قضية التطبيع من عدمه لا تشكل أولوية بالنسبة للشعوب الخليجية.واستبعد في الوقت ذاته حدوث تغير سريع وتلقائي في توجهات الشعوب حال تطبيع الحكومات مع الاحتلال.

يشار إلى أنه وباستثناء مصر والأردن، لا تقيم الدول العربية علاقات دبلوماسية علنية مع الاحتلال الإسرائيلي.

مواضيع ذات صلة
مياه الخليج العربي تزداد سخونة.. قراءة في التهديدات الإسرائيلية لإيران
انضمت حروب ناقلات النفط في مياه الخليج، إلى المشهد المتوتر بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تعثر المفاوضات بين طهرا...
2021-08-07 08:43:06
سوار الذهب يدعو إلى "مبادرة حكماء" لرأب الصدع بين دول الخليج
وصف الرئيس السوداني السابق سوار الذهب قرار عدد من الدول الخليجية قطع علاقاتها مع قطر بأنه "ليس في مصلحة العرب". وأكد سوار الذهب ف...
2017-06-05 13:08:23
روحاني يدعو دول الخليج لمشاركة بلاده في مبادرة للسلام للحفاظ على أمن المنطقة
دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، اليوم الاثنين، دول الخليج لمشاركة بلاده في مبادرة للسلام بمضيق هرمز للحفاظ على أمن المنطقة. جاء ذ...
2019-09-23 14:43:15