عندما كان المخيم عيدا.. ذكريات عيد الأضحى في مخيم "اليرموك"
قبيل أول أيام عيد الأضحى المبارك بأسبوع، كان مخيم اليرموك (جنوب دمشق) ينتفض ألقا زيادة على ألقه ويكتسي رونق البهجة والفرح.
أعلام وزينة وأضواء تحيل أسواق المخيم إلى درة تتلألأ حتى خيوط الفجر الأولى.. تختلط أهازيج العيد وأصوات الباعة مع ضحكات الصغار، بينما تزدحم الشوارع والمحال بالناس الذين يتدفقون كالحياة.
بينما كانت الأمهات وبناتهن يعزفن على آلة "الشوبك" سيمفونية الكعك الفلسطيني، طوال الأيام التي تسبق عيد الأضحى، كانت روائح الكعك بكل أشكاله وألوانه تنبعث من النوافذ كترانيم عشق وخيال، وقبل النوم يمدد أطفال مخيم اليرموك ملابسهم الجديدة -التي اشتراها لهم أباءهم من سوق شارع صفد- على أسرتهم، يعانقونها تارة ويتبادلون معها القصص والحكايات تارة أخرى.
وفي أول أيام العيد، تغسل التكبيرات ونداء المآذن تعب تحضيرات الأيام السابقة تماما، كما يوقظ الشوق لهفة الصغار لساحات الألعاب والمراجيح.
"بأي حال عدت يا عيد" .. بهذه العبارة بدأ اللاجئ الفلسطيني من سورية عماد سرور، يقلب دفاتر الماضي، مع قدوم عيد الأضحى المبارك، مستذكرا "الزمن الجميل" بمخيم "اليرموك".
يقول "سرور": "قبيل أول أيام عيد الأضحى المبارك بأسبوع كان مخيم اليرموك (للاجئين الفلسطينيين، جنوب العاصمة السورية دمشق) ينتفض ألقا زيادة على ألقه ويكتسي رونق البهجة والفرح في ذلك الزمن الجميل، قبيل اندلاع الأزمة السورية".
ويضيف "سرور" المقيم حاليا في تركيا، في حديث لـ "قدس برس": "أعلام وزينة وأضواء تحيل أسواق المخيم إلى درة تتلألأ حتى خيوط الفجر الأولى، بينما تزدحم الشوارع والمحال بالناس.. كان المخيم ينبض بالحياة".
يقول "سرور": مع تكبيرات العيد ونداء المآذن، يستبشر الكبار بحلول العيد، والصغار إلى بهجة وفرحة العيد".
ويسرد اللاجئ الفلسطيني ذكرياته: "كان أبي يصطحبنا صباح العيد لزيارة بيت جدي حيث تجتمع العائلة، ألا أن أجمل ما في تلك الزيارات هي العيديات التي كنا نحصل عليها، وما أن تنتهي الزيارة حتى ننطلق إلى ساحات المراجيح (ملاهي بسيطة يتم نصبها في الأحياء الشعبية)"
يُعدد سرور، ساحات الألعاب الأشهر في مخيم "اليرموك" كساحة "التقدم" في شارع الثلاثين وساحة "الريجة" الشهيرة على مدخل المخيم إلا أن سرور كان يجد متعته في ساحة "أبو حشيش" الأشهر والأقدم في مخيم اليرموك والتي يقصدها الكبار والصغار.
يقول: "ساحة (أبو حشيش) لها رمزية خاصة، حيث مرّ عليها، أجيال، فالآباء لعبوا فيها عندما كانوا صغارا وبعد سنوات شاركوا أطفالهم المرح حيث كانت تضم كافة أنواع الألعاب، وتطورت فيما بعد، لتكون مقصدا لأهالي المخيم ومن خارجه".
ويوضح سرور أن "اسم الساحة، التي تقع في منتصف شارع "لوبية"، جاء من مقهى شهير كان يوجد في الساحة لعائلة "أبو حشيش"، وهي من العائلات المعروفة في المخيم".
ويستذكر تلك اللحظات الخالدة، "كان يقام في الساحة أيضا مربض كبير تحبس فيه الخراف قبيل العيد بثلاثة أيام، حيث تذبح الأضاحي، ويجتمع الكبار والصغار في مشهد مهيب".
وفي السياق ذاته، يذكر اللاجئ الفلسطيني منيب فرحات، والمهجر للشمال السوري، كيف كان مع أصدقائه قبل العيد يتوزعون على مساجد المخيم في حملة تنظيف وتزيين للمساجد بمناسبة العيد كجامع "فلسطين"، من أقدم مساجد المخيم، ومسجد "الحسيني" و"الوسيم"، و"الخليل"، مشيرا أن كل هذه المساجد تعرضت للتدمير الكلي او الجزئي خلال الحرب".
ويضيف فرحات، "وبالنسبة للأسواق فكانت وجهتي المفضلة شارع اليرموك الشهير حيث تنتشر المطاعم التي تقدم أصنافا متعددة من المأكولات الشهية"، مستذكرا أسماء المطاعم التي كان يتردد عليها كمطعم "الزعيم" و"التاج" و"النابلسي" و"فلافل على كيفك".
ويشير "فرحات" إلى أنه كان يشتري من "البسطات" في شارع صفد الألبسة والأحذية وذلك لأسعارها الرخيصة مقارنة مع أسعار المحال.
ومن العادات التي حافظت عليها العائلات الفلسطينية - يقول فرحات - غسل جدران المنازل وتنظيف الستائر والفرش قبيل العيد، على الرغم من أن البيوت تكون نظيفة، إلا أن هذه العادة كانت تعبيرا عن فرحتهم بالعيد.
يتنهد فرحات في حديثه، عندما يذكر لمة الاهل والجيران في العيد ويقول: "عيد جديد يمر علينا ولا أقبل أيدي ولا يفرح أولادي بعيدية جدهم أو عمهم أو خالهم فالحرب فرقت شمل الناس".
ويضيف: "حتى في أيام الحصار كنت تجد الرحمة والتعاطف بين الأهل والجيران، وكيف كان الواحد يحاول تخفيف وطأة معاناة من حوله".
ويتابع في غصة: "ما يزيد من حزني الأخبار التي تتواتر عن المخطط التنظيمي الجديد، والذي سيمحي بيتي من خارطة المخيم، بل سيشطب المخيم بأكمله".
وأعلنت محافظة دمشق في حزيران/ يونيو الماضي، عن مخطط تنظيمي جديد لمخيم اليرموك يهدف إلى تقسيمه إلى ثلاث أجزاء، ويتم التعامل معها كأحياء دمشقية، ما يعني نزع رمزية المخيم الفلسطيني عنها.