في ذكراها الـ35.. "الانتفاضة" أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية بالمقلاع والحجر

لم تكن حادثة المقطورة الشهيرة نهاية عام 1987 هي السبب الوحيد لتفجر "انتفاضة الحجارة"، التي جاءت على وتر مطالب الشعب الفلسطيني بالحرية والانعتاق من الاحتلال، لكن يُسجّل لها بأنها كانت "القشة التي قصت ظهر البعير".

ويُحي الفلسطينيون اليوم الخميس الذكرى الـ35 لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة الحجارة"، والتي اندلعت نهاية عام 1987 واستمرت سبع سنوات، قبل قدوم السلطة إلى قطاع غزة والضفة الغربية عام 1994.

وتعتبر "انتفاضة الحجارة" أكبر هبة جماهيرية يخوضها الشعب الفلسطيني بعد احتلال العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948، والتي أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية بعد نسيانها على مدار السنوات، وسلاحها الاستراتيجي "الحجر".

وقد استشهد في الانتفاضة قرابة ألف و300 فلسطيني، وأصيب 90 ألفًا، في حين سجلت أكثر من 200 الف حالة اعتقال خلال أعوامها السبع.

واندلعت شرارة "انتفاضة الحجارة" بعد تشييع الفلسطينيين في ذلك اليوم، أربعة عمال من بلدة "جباليا" شمالي قطاع غزة، قضوا جراء حادث سير "متعمد" وقع بين سيارتهم ومقطورة إسرائيلية خلال عودتهم من العمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

وعمّت المظاهرات بلدة "جباليا" ومخيمها، تخللها رشق الآلاف من الشبان جنود الاحتلال بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة.

وامتدت إلى كل شارع وزقاق في المخيم حيث جابههم جنود الاحتلال بالرصاص الحي، واستشهد جراء ذلك الشاب حاتم السيسي (21 عامًا)؛ أول شهيد في هذه الانتفاضة.

واعتقد الاحتلال في حينه، أن هذه المواجهات عبارة عن ردّ عابر على جريمة حادث المقطورة، وأن الأمور ستهدأ في اليوم التالي، إلا أنها اشتعلت من جديد، وتصاعدت حتى امتدت إلى بقية مخيمات القطاع وأحياء مدينة غزة، ومن ثم الضفة الغربية.

ودخلت كلمة "انتفاضة" في القاموس العربي وقواميس اللغات الأخرى من حيث ترجمتها؛ لتأخذ والأحداث ضجة إعلامية كبيرة، لا سيما في الإعلام الغربي رغم محاولة الاحتلال التعتيم عليها.

وبتسارع الأحداث؛ أخذت الانتفاضة الطابع الشعبي، ووحدة الموقف، والتعاضد الاجتماعي، والتكافل الأسري، وشمولية المواجهة، واتساع ساحة الاشتباك المباشر مع الاحتلال في كافة مدن وقرى فلسطين.

وشارك فيها كافة الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، فضلًا عن أن سلاحها كان في متناول الجميع (الحجر والمقلاع)، وفي بعض الأحيان السكين والزجاجات الحارقة، قبل أن يتطور لاحقًا إلى السلاح.

ومع استمرار المظاهرات والمواجهات اليومية مع قوات الاحتلال دون توقف، بدأ شبان الانتفاضة يكتسبون ثقة أكبر لاستمرارها، وجعلها منهج حياة؛ من خلال الدعوة للمواجهات والإضرابات التي كانت تعم كافة أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ليشكلوا لجاناً شعبية لقيادتها.

وفي المقابل؛ فإن سلطات الاحتلال شعرت باليأس والإحباط في إخماد جذوة الانتفاضة، لا سيما في ظل نقل الإعلام الغربي لهذه المظاهرات.

وجنّد الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 80 ألف جندي لوقف زخم الانتفاضة وقمع الفلسطينيين العزل، واستُخدمت الكثير من الوسائل لقمعها، إلا أنها فشلت في كبح جماح فلسطينيين الذين لم يعودوا يحتملون احتلالا يأكل أرضهم، ويقذف بأبنائهم في السجون، ويهدم منازلهم، ويقضي على حلمهم بالاستقلال والحرية والعودة.

وتعاقبت على هذه الانتفاضة عدة حكومات لليسار واليمين، وكذلك لكلا الجهتين معًا في "حكومة الوحدة" برئاسة إسحق شامير، وإسحق رابين الذي كان وزيرًا للجيش آنذاك، وقرر استخدام سياسة "تكسير العظام" بحق الفلسطينيين.

واستخدمت قوات الاحتلال شتى الوسائل لقمع الانتفاضة وإخمادها دون جدوى، وارتكبت سلسلة مجازر بحق الفلسطينيين كان أبرزها: مجزرة الحرم القدسي الشريف في 8 تشرين الأول/أكتوبر 1990، وأدت لاستشهاد 21 فلسطينيًا.

وكذلك مجزرة الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل (جنوب الضفة) في 20 شباط/فبراير 1994، والتي راح ضحيتها 34 شهيدًا قضوا خلال صلاة الفجر.

كما نفذت قوات الاحتلال عدة مجازر في "نحالين" ومخيم "النصيرات" وحي "الشيخ رضوان" و"الصبرة" و"الدرج" بمدينة غزة، وخانيونس.

وشرعت قوات الاحتلال فور اندلاع الانتفاضة بتنفيذ حملة اعتقالات كبيرة طالت الآلاف من الفلسطينيين، وافتتحت العديد من السجون والمعتقلات لاستيعاب المعتقلين الجدد. ومن بين تلك السجون: "أنصار 1"، غرب مدينة غزة، و"النقب الصحراوي" (أنصار 2)، وكذلك سجن "عوفر" و"مجدو" في الضفة الغربية المحتلة.

وحولت معظم المعتقلين إلى الاعتقال الإداري (دون محاكمة)، حيث قدر عدد المعتقلين خلال الانتفاضة بنحو 200 ألف، قضى منهم 42 معتقلا شهيدا بسبب التعذيب والإهمال الطبي والقتل المباشر بالرصاص.

ولم تؤثر هذه الاعتقالات على مسيرة الانتفاضة وديمومتها، أو على حجم المشاركة فيها، ولم تُثنِ الفلسطينيين عن مواصلة مقاومتهم المشروعة للاحتلال من أجل استرداد حقوقهم ونيل حريتهم.

واستخدم الاحتلال كذلك سياسة "تكسير العظام" الأمر الذي أثار المجتمع الدولي ضدها بعد نشر صور لجنودها وهم يعتدون على شبان فلسطينيين بشراسة، ويعمدون إلى تكسير أيديهم وأرجلهم، لا سيما في نابلس (شمال الضفة).

وحاولت الفصائل الفلسطينية تطوير الانتفاضة لمواجهة العنف الإسرائيلي، من خلال استخدام السلاح الأبيض والرصاص والمتفجرات.

وكانت أول عملية كبرى هي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين طعنًا على أيدي أبناء عائلة الكردي في حي الصبرة بمدينة غزة، والتي استشهد منها ثلاثة أشقاء.

وظهرت خلال هذه الانتفاضة الأذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية بمسمياتها الجديدة، ونفذت سلسلة عمليات فدائية من خلال إطلاق الرصاص والكمائن، وكذلك عمليات التفجير التي أسفرت عن مقتل العشرات من جنود الاحتلال.

وحينما أدركت سلطات الاحتلال أن استخدام القوة لن يجدي نفعاً في إيقاف الانتفاضة، لجأت إلى "الحل السلمي" ففتحت خط مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير، مما تسبب بانقسام في المجتمع الفلسطيني.

وأسفرت المفاوضات عن توقيع اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13 أيلول/سبتمبر 1993؛ والذي ينص على تأسيس السلطة الفلسطينية، التي تم تشكيلها بعد ستة أشهر، وبسط نفوذها في قطاع غزة ومدينة أريحا، وإدخال قوات الأمن الوطني الفلسطيني، وتشكيل الأجهزة الأمنية، وخروج قوات الاحتلال من داخل المدن وانتشارها على الحدود، وبقائها في المستوطنات، وتخمد بذلك الهبة الجماهيرية الكبيرة لتطوى صفحة "انتفاضة الحجارة".

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
ذعر في العديد من مدارس الاحتلال بعد تلقيها رسائل تهديد
مارس 20, 2025
ذكرت وسائل إعلام عبرية، أن حالة من القلق انتشرت في عدد من المؤسسات التعليمية في مدينة أشدود (جنوبا)، بعد أن اكتشف مدير إحدى مدارس المدينة في ساعات الصباح الباكر اليوم الخميس، رسالة فاكس تحتوي على محتوى تهديدي تم استلامها على جهاز الفاكس الخاص بالمؤسسة. وقالت صحيفة/معاريف/ العبرية: إنه  في وقت لاحق من اليوم، أصبح من
مراقب من شمال غزة: الاحتلال يفاقم المأساة الإنسانية
مارس 20, 2025
تواجه غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة مع استمرار الحصار والتصعيد العسكري الإسرائيلي، وسط صمت دولي وتواطؤ غربي؛ فمع إغلاق المعابر وقطع الإمدادات، يعاني القطاع من شلل تام في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة، بينما تتصاعد حدة القصف الذي يستهدف الأحياء السكنية، متسببًا في مجازر بحق المدنيين، وفي ظل النزوح القسري والمجاعة التي تهدد حياة الآلاف، يجد
مسؤول "إسرائيلي" سابق: نحن متجهون إلى سفك الدماء والحرب الأهلية
مارس 20, 2025
أثار رئيس المحكمة العليا السابق في دولة الاحتلال أهارون باراك،  ضجة في مقابلة مع القناة /13/ عندما أشار إلى نظرية " الدولة العميقة"  لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو محذرا من حرب أهلية. وقال باراك: "الدولة العميقة هي فكرة أمريكية، ليس لدينا دولة عميقة بهذا المعنى"، "وأعتقد أن رئيس الوزراء نتنياهو يحتاج إلى أن يفهم أن الوضع سيئ
التحالف الوطني البلجيكي ينظم وقفة تنديدا باستمرار الإبادة الجماعية في غزة
مارس 20, 2025
طالب التحالف الوطني البلجيكي الحكومة البلجيكية والاتحاد الأوروبي بتحمل مسؤوليتهم واتخاذ خطوات ملموسة لوقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة بحق الأطفال والمدنيين، ومحاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني. جاء ذلك خلال وقفة احتجاجية نظمها التحالف البلجيكي من أجل فلسطين أمام مقر وزارة الخارجية البلجيكية في العاصمة بروكسل،
قيادي في "حماس" يدعو أهالي الضفة للوفاء لغزة والحشد في صلاة فجر الجمعة
مارس 20, 2025
أكد القيادي في حركة "حماس" محمود مرداوي، الخميس، أن الشعب الفلسطيني سيبقى جسدا واحدا، وأن محاولات الاحتلال وأدواته لن تفلح في تمزيقه. وشدد القيادي مرداوي على أن "أهلنا وشعبنا في الضفة الغربية، سيثبتون بكل الطرق والوسائل أنهم الأوفياء لشعبهم الذي يتعرض لجريمة إبادة مستمرة في قطاع غزة". ودعا مرداوي "أهلنا في الضفة لتلبية نداء الحشد
"حماس": استمرار المجازر في غزة يلقي بمسؤولية على "الجامعة العربية"
مارس 20, 2025
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الخميس، إن "استمرار الاحتلال الصهيوني المجرم في ارتكاب المجازر في قطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد نحو 600 من أبناء شعبنا منذ الثلاثاء الماضي، معظمهم من الأطفال والنساء؛ يُلقي بمسؤولية سياسية وأخلاقية مباشرة على جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لوقف الإبادة التي تُرتكب على أمام ناظر العالم أجمع". وطالبت