ديبورا وراشيل أمريكيتان وقفتا على خط النار (بورتريه)

عمان - علي سعادة - قدس برس
|
مارس 17, 2024 2:07 م
مشهدان لسيدتين أمريكيتين تختصران التراجيدية والمحرقة الفلسطينية، الأمريكية ديبورا دراول أو كما تعرف باسم "هدى" التي ترفض مغادرة غزة، وأخرجت من تحت الأنقاض بعد قصف إسرائيلي منزلها بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، وهو ما أدى إلى تعرضها لإصابات في أنحاء مختلفة من جسدها وجروحا في وجهها.
والأمريكية راشيل (راكيل) كوري التي تعمد سائق "جرافة" إسرائيلية دهسها والمرور على جسدها مرتين في أثناء محاولتها إيقافه قبل أن يهدم منزل في مخيم رفح جنوب غزة.
جمعتهما غزة، ومعاناة الشعب الفلسطيني، والجرائم الصهيونية، ووقعتا ضحيتي جرائم جيش همجي يقوده مختلون عقليا.
بتأثر ودموع وحرقة، وجهت ديبورا، الأجنبية الوحيدة في غزة، رسالة لكل الأميركيين والعالم العربي إلى ضرورة التحرك ودعم غزة، رافضة مغادرة القطاع رغم العدوان الإسرائيلي، تقول: "كأميركية أعيش في غزة، أؤمن أن على العرب جميعهم أن يكونوا هنا للمساعدة، كما أنا الآن، ولأن الاحتلال يريد من الجميع المغادرة بقيت أنا، لأني لا أريدهم أن يأخذوا فلسطين".
كانت السيدة الأمريكية تعمل ضمن منظمة أمريكية غير ربحية للتعليم كمعلمة اللغة الإنجليزية في معهد الإيمديست بغزة منذ عدة سنوات.
تقول ديبورا، إنها لم تعد تحصي عدد الحروب التي عاشتها في القطاع المحاصر، لكن هذه المرة، كادت ألا تنجو.
حيث تقول إن غارة إسرائيلية تركتها مسحوقة بين أنقاض منزلها لساعات، وتم إنقاذها وعلاجها دون تخدير، وتريد إجابات الآن.
تقول ديبورا: "أنا لا ألقي القنابل، ولا أطلق النار على أي شخص. لماذا جاؤوا واستهدفوني؟ أحتاج إلى إجابة لذلك. جو بايدن، أحتاج إلى إجابة. لماذا تسمح لهم باستهداف الأمريكيين في غزة؟".
وكانت دراول تصرخ من شدة الألم جراء سقوط جزء كبير من الركام على ظهرها وساقيها بسبب القصف الإسرائيلي لشقتها.
تقول "في كل مرة أحاول القول إنه إذا غادرت فسأكون كأني أغرد وحيدة"، في إشارة إلى أنها لا تريد النجاة بنفسها فقط.
وقالت: "كوني أمريكية أعيش في غزة أشعر بأن جميع العرب والعالم يجب أن يكونوا هنا للمساعدة. على الأمريكان كلهم أن يدعموا غزة، إن كل ما يحدث هنا هو ظلم، ويجب أن يتوقف فورا".
في المشهد الآخر تبدو طريقة استشهاد الأمريكية الشابة راشيل كوري وحشية بشكل يوحي بأن مرتكبها سادي بلا ضمير.
نشأت راشيل المولودة عام 1979 في أولمبيا بولاية واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، لعائلة يهودية ليبرالية سياسا.
التحقت راشيل بكلية حكومية حيث درست الفنون. توقفت لمدة عام عن دراستها للعمل كمتطوعة في واشنطن في منظمة أميركية للبيئة، وأمضت 3 سنوات في زيارات أسبوعية للمرضى العقليين.
انضمت لاحقا إلى منظمة حركة التضامن الدولية من أجل وقف عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وانتهجت وسائل سلمية لتحدي إجراءات الجيش الإسرائيلي.
في سنتها الأخيرة، اقترحت برنامجا لدراسة مستقلة تسافر فيه إلى غزة، وتنضم إلى المتظاهرين من حركة التضامن، وتبدأ مشروع "مدينة شقيقة" بين أوليمبيا ورفح.
في أثناء وجودها في رفح عام 2003، وقفت كوري أمام "الجرافات" الإسرائيلية، في محاولة لعرقلة هدم المنازل.
في الليلة الأولى لها في رفح، أنشئت وأعضاء فريقها معسكرا داخل "القطاع جاي"، وعبر وضع أنفسهم بشكل ظاهر بين الفلسطينيين والقناصة الإسرائيليين كانوا يأملون وقف إطلاق النار من خلال عرض لافتات تفيد أنهم يمثلون جهات دولية، وعندما أطلق الجنود الإسرائيليون طلقات تحذيرية، فككت كوري وزملاؤها خيمتهم وغادروا المنطقة.
شهدت تلك الفترة عمليات واسعة ومشحونة لهدم المنازل في جميع أنحاء الشريط الحدودي، وتعرض المتظاهرون للخطر في كثير من الأحيان خلال هذه المواجهات، وحصلت أيضا مواجهة قريبة بين ناشط إيرلندي من الحركة مع "جرافة" مدرعة.
وفي يوم 16 آذار/مارس عام 2003 وأمام عدسات الصحافيين تعمد سائق "الجرافة" الإسرائيلية دهس راشيل والمرور على جسدها مرتين في أثناء محاولتها لإيقافه قبل هدم منزل في مخيم رفح.
وزعم جيش الاحتلال أن سائق "الجرافة" لم يستطع مشاهدتها، وأنه من غير الممكن مشاهدة الناشطة التي ألقت بنفسها أمام "الجرافة". وأغلق المدعي العام في الجيش الملف بعد مرور 3 شهور على مقتلها تحت مبررات "عدم وجود دلائل تعمد قتلها".
وقال إن الشرطة العسكرية وجدت أن راشيل قتلت نتيجة انهيار بناء عليها عندما كانت تحاول تسلق تلة من الأنقاض كانت "الجرافة" تسويها في مخيم رفح.
وقال الجيش أيضا إن سائق "الجرافة" لم يدرك أن كوري كانت أمامه، وأنه ما كان يتعين على الناشطين أن يتواجدوا في مثل تلك المنطقة العسكرية المغلقة.
ورفعت عائلة راشيل دعوة قضائية عام 2010 ضد الجيش الإسرائيلي متهمة الجيش بقتل راشيل عن عمد.
وفي عام 2013 رفضت المحكمة الدعوة، وبرأت الجيش من مقتلها.
وحكمت المحكمة الإسرائيلية بأنه ليس هناك مبرر لدفع تعويضات، ولكن ليس على عائلة كوري دفع رسوم القضية.
وأصر والدها كريغ كوري على قناعته بأن سائق "الجرافة" شاهد ابنته، وقال إنه ما كان ينبغي أصلا السماح باستخدام "الجرافة" في مواجهة ناشطي السلام "العزل"، والذين أكدوا أن راشيل، كانت ترتدي زيا برتقالي اللون للتعريف بنفسها بأنها ناشطة أجنبية.
موقف الإدارة الأمريكية كان أقرب إلى التوطؤ، فقد اعتبر التحقيق الإسرائيلي في مقتل راشيل لم يكن كافيا. وقدم النائب الأمريكي براين بيراد مشروع قرار في الكونغرس يقضي بمطالبة الحكومة الأمريكية بإجراء تحقيق كامل في مقتل كوري، لكن "الكونغرس" لم يحرك ساكنا بهذا الشأن.
والداها تحدثا بعد استشهادها بكلام مشحون بالعاطفة حول اهتمامها بحقوق الإنسان وكرامته، وقال والدها: "كانت راشيل مفعمة بالحب والشعور بالواجب نحو إخوتها في الإنسانية أينما عاشوا، وضحت بحياتها وهي تحاول حماية غير القادرين على حماية أنفسهم."
الوالدة وصفت راشيل بأنها "كانت فتاة متدفقة بالعواطف، وقد فتحت أعين الناس على الوضع في غزة".
وأصبحت كتابات راشيل، التي نشرت بعد مقتلها، رمزا للحملة الدولية التي تخوض غمارها أطراف عدة باسم الفلسطينيين.
وفيما بعد حولت تلك الكتابات إلى مسرحية حملت عنوان "اسمي راشيل كوري"، ودارت فصولها عن حياتها، وجابت المسرحية مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة.
أطلق اسم راشيل كوري على سفينة مساعدات إيرلندية إلى قطاع غزة، كما قامت المخرجة الفرنسية الإسرائيلية سيمون بيتون بإنتاج فيلم "راشيل" الذي يصور معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال سرد موثق لقصة حياتها وموتها.
وقام والدا كوري بإنشاء "مؤسسة راشيل كوري للسلام والعدالة"، وأطلق اسمها على شوارع ومؤسسات في فلسطين.
ويعتقد قانونيون أنه يمكن تفعيل ملف راشيل كوري، ضمن الملفات التي ستقدم للمحكمة الجنائية الدولية من أجل التحقيق فيها ومحاكمة الجناة.
كانت ترتدي آنذاك، ملابس برتقالية اللون للتعريف عن نفسها بأنها ناشطة حقوقية أجنبية، وكانت تنادي بمكبر الصوت على الجنود الإسرائيليين داخل "الجرافة" في محاولة لإيقافهم عن تجريف المنازل، رغم ذلك قتلها جندي سيكوباثي بدم بارد وبشكل متعمد.
وانضم إلى ديبورا دراول وراشيل كوري الطيار الأمريكي آرون بوشنل الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن احتجاجا على الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وكما ذهبت دماء راشيل دون عقاب القاتل، وفرض عقوبات على الدولة القاتلة والمارقة، وسط صمت القبور من قبل الإدارة الأمريكية تحت إدارة الرئيس جورج بوش الابن. فإن صرخات وأوجاع ديبورا وسؤالها للرئيس بادين عن قصف منزلها بدير البلح، وصراخ بوشنل وهو يحترق "فلسطين حرة"، لم تصل إلى أروقة الجناح الغربي في البيت الأبيض.
ويبدو أن إدارة بادين أفاقت متأخرة على واقع أنها ستغرق في هزيمة منكرة في الانتخابات الرئاسية والتجديد النصفي في الكونغرس نهاية هذا العام بعد أن أعطت مجرم الحرب نتنياهو تصريحا بالقتل لارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
تصنيفات : أخبار فلسطين الخبر وأكثر