نيران الحرب على غزة تصل "هوليوود" (بورتريه)

علي سعادة- قدس برس
|
مايو 12, 2024 6:09 م
ليسوا أمام مشهد سينمائي، وليسوا في "بلاتو" التصوير، يتقمصون شخصيات رسمها كتاب السيناريو.
يقفون بشخصياتهم الواقعية دون أقنعة أو ماكياج أمام مشهد حقيقي لمذبحة تبث على الهواء مباشرة دون "سينماتوغرافي" حيث يبنى المشهد الخلفي الوهمي.
ربما، في غالبيتهم، ليسوا مسيسين، ولا ينطلقون في مواقفهم من خلفيات فكرية وثقافية عميقة.
لكن مشهد الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال المارقة والمنبوذة فاق أي خيالي "سيكوباثي" ومريض.
جريمة لأول مرة في تاريخ البشرية تبث على الهواء مباشرة، وعلى مرأى من العالم.
نجوم سينما كبار، سيرتهم الفنية ثرية جدا، ويعتبرون من نجوم الصف الأول، ويحظون بمحبة ومتابعة الملايين، لم يستطيعوا الصمت، احترموا تاريخهم وإنسانيتهم، وتسلحوا بالشجاعة ليهتفوا بأعلى أصواتهم: فلسطين حرة، أوقفوا الإبادة الجماعية، أوقفوا إطلاق النار الآن.
يعرفون تماما أن إعلان مواقفهم المؤيدة لفلسطين ولغزة سيكلفهم الكثير، وسيضعهم على قائمة المقاطعين من شركات الإنتاج السينمائي والفني وحتى الورش الفنية ودورات التدريب على التمثيل.
فمن يتحكم بعاصمة السينما والترفيه العالمي في "هوليوود" التي تقع في مقاطعة "لوس أنجلوس" في ولاية "كاليفورنيا" بالولايات المتحدة الأمريكية هو رأس المال الصهيوني، الذي يسيطر على هذه الصناعة بجميع أنواعها وتخصصاتها وفروعها، الإنتاج والكتابة والإخراج والتوزيع والتمثيل والدعاية والترفيه بشكل عام.
25 بالمئة من أصحاب المليارات في الولايات المتحدة هم من اليهود الذين يشكلون 1.8 بالمئة من السكان، فيما تعتبر نسبتهم في "وول ستريت" ومؤسسات الحكم و"هوليوود" أعلى بكثير من نسبتهم بين السكان، فهم يسيطرون على غالبية وسائل الإعلام والصحف المركزية، وهم الرافد الأساس للتبرعات لدولة الاحتلال.
وأكثر من 100 شخص من أصل 400 من أصحاب مليارات الدولارات في الولايات المتحدة هم من اليهود، وهذا بحسب القائمة التي نشرتها مجلة "فوربس"، كذلك فإن 6 من أصل أكبر 20 صندوق ائتمان في الولايات المتحدة هي بملكية يهود، وكذلك الأمر في 'الكونغرس' والبيت الأبيض و"هوليوود" وشبكات التلفزة والصحافة الأميركية.
إن الولايات المتحدة هي من أكبر الدول ثراء في العالم، كما أن يهود الولايات المتحدة هم المجموعة الإثنية الأكثر ثراء في العالم.
أمام هذا الواقع المتشابك والمنسوج بعناية فائقة حول جميع أوجه الحياة في أمريكا، التي تبدو وكأنها في مصيدة صهيونية، يشعر كل من يعبر عن موقف مخالف للسرد وللرواية الصهيونية بأنه وقع في الفخ، أو في حقل الألغام، وبأن عليه أن يحمي صدره من سهام ورصاص النفوذ الصهيوني ولجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) مجموعة الضغط التي تدافع عن السياسات المؤيدة لدولة الاحتلال لدى السلطتين التشريعية والتنفيذية للولايات المتحدة.
تضحية كبيرة وشجاعة فائقة يتطلبها الوقوف في وجه قوى الضغط المنظمة التي تطارد كل من يخالفها.
نجوم سينما وفنانون يعملون في مجال الترفيه اختاروا الوقوف مع إنسانيتهم بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، لم يتعبوا ولم يملوا، هذا غيض من فيض، يقف في الصف الأول: مارك رفالو، سوزان ساراندون، جون كوزاك، وليام كننغهام، ماكليمور، بريان كوكس، أنجلينا جولي، رامي مالك، تيلدا سوينتون، جون ستيورات، فيغو مورتينسون، إيما تومبسون، داني كلوفر، والتر تشارلز دانس، روجر ووترز، أوليفيا كولمان، كيت بلانشيت، خواكين فينيكس، رامي يوسف، أندرو غارفيلد، وآخرون، كتبوا على حساباتهم الشخصية على منصات التواصل، ووقعوا على كثير من البيانات التي تدعو إلى وقف إطلاق النار ومحاسبة دولة الاحتلال وفرض عقوبات عليها.
رغم التهديد بعزلهم عن الشاشات، وإنهاء مسيرتهم الفنية، وخنقهم ماليا وإعلاميا، مشى عدد من ممثلي ومخرجي وفناني وكتاب "هوليوود" عكس رغبة القوى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وأيدوا الدعوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة.
ووقع أكثر من 1300 فنان وممثل، رسالة تتهم المؤسسات الثقافية الغربية بفرض رقابة على أولئك الذين يدعمون فلسطين.
ورفع ممثلون بارزون في "هوليوود" رسالة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن يحثونه فيها على الدعوة إلى "وقف فوري للتصعيد ووقف إطلاق نار في غزة تفاديا لخسارة مزيد من الأرواح".
وأكدوا في رسالتهم أن "إنقاذ الأرواح واجب أخلاقي". وقالوا في رسائل عدة " نرفض أن نروي للأجيال القادمة قصة صمتنا، وأننا وقفنا مكتوفي الأيدي، ولم نفعل شيئا، فالتاريخ يراقب".
ولم تكن التهديدات بفقدانهم وظائفهم وتجميد حرفتهم ومهنتهم من قبل اللوبيات النافذة في أمريكا مجرد تهديد وكلام في الهواء، وإنما نفذ فعلا، فقد خسرت الممثلة الحائزة جائزة الأوسكار سوزان ساراندون دعم وكالة المواهب التي مثلتها، بسبب تصريحات لها خلال تظاهرة مؤيدة للفلسطينيين وقيادتها لأكثر من تظاهرة واعتصام، وبدت الأكثر نشاطا وشجاعة في دعم غزة، وتعج صفحاتها على منصات بكل ما يتعلق بغزة والجرائم التي ترتكب بحق أطفالها ونسائها.
أما الممثلة ميليسا باريرا، بطلة الجزأين 5 و6 من سلسلة أفلام "سكريم"، فقد قررت شركة الإنتاج استبدالها في الجزء السابع بحجة معاداة السامية، بعد ما نددت عبر منصة "إنستغرام" بحصول "تطهير عرقي في غزة". كما انسحبت الممثلة جينا أورتيغا من الفيلم بعد وقت قصير من تخلي شركة عن باريرا، نظرا لدعمها أيضا لفلسطين.
كما أجبرت مها دخيل (أمريكية من أصول ليبية) أحد كبار وكلاء "هوليوود" على التنحي من مجلس إدارة وكالة الفنانين المبدعين بعد تعرضها لانتقادات؛ بسبب وصفها الأحداث في غزة بأنها "إبادة جماعية".
يخاطر الكثير من المشاهير الذين يتخذون موقفا من الحرب الوحشية على قطاع غزة. لذا، من أجل الحصول على راحة البال، يختار غالبية المشاهير التزام الصمت. لكن، في هذا الصراع الذي بدأت ملامحه تتضح أكثر فأكثر يشعرون بأن عليهم التعبير عن مواقفهم، وهو ما يعرضهم للانتقاد، وحتى الصمت يعرضهم أيضا للنقد.
وتعرضت الممثلة والمغنية الأميركية سيلينا غوميز التي لديها 430 مليون متابع على "إنستغرام"، لانتقادات بسبب صمتها حول الموضوع.
ومثل مئات الأشخاص، بمن فيهم جينيفر لوبيز وخواكين فينيكس وجيجي حديد، اختارت غوميز الطريق الوسط توقيع عريضة "فنانون من أجل وقف إطلاق النار الآن".
يجد المشاهير ونجوم هوليوود أنفسهم وسط حقل إطلاق النار، فتأييد غزة أو الوقوف ضدها أو حتى الصمت لن يبقيهم في مأمن.
لكن من انحازوا إلى إنسانيتهم واستمعوا لأصوات ضمائرهم لم يتوقفوا وواصلوا الحديث وحتى التظاهر من أجل غزة غير آبهين بالتبعات التي قد تواجههم بسبب انحيازهم إلى صوت الضمير والإنسانية.