قص الشعر... خيار نساء غزة الصعب لمواجهة تحديات شح المياه

غزة- قدس برس
|
مايو 19, 2024 7:23 م
تقف سالي، الفتاة الغزية، ساعات طويلة أمام المرآة، وهي تداعب شعرها الطويل ذا اللون الخروبي، متباهية بخصلها الجميلة، ولكن فجأة تدخل في موجة بكاء بعد أن تتذكر إصرار والدتها على قص شعرها.
تقول سالي "تريد أمي مني أن أقص شعري بعد أن أصبح طويلا، ولكني لا أريد، فشعري عزيز عليّ وهو الأطول بين صديقاتي، وأنا تعبت من جدالي معها بسبب إصرارها عليّ في هذا الطلب".
انتشار الأمراض الجلدية في غزة
تلجأ السيدات في غزة لقص شعورهن؛ بسبب انتشار أمراض الرأس، خصوصا القمل والقشرة، مع قلة وصول المياه وعدم قدرتهن على الاستحمام بشكل منتظم.
تعيش النساء في غزة ظروف مأساوية، فمأواهن خيمة صغيرة تتراوح مساحتها ما بين 10 - 20 مترا مربعا، تعيش بداخلها مع أبنائها وزوجها، في ظل غياب شبه تام للخصوصية، فتضطر للبقاء في ثوب الصلاة طوال اليوم.
تسبب هذا الوضع بانتشار الأمراض الجلدية في رؤوس النساء، فقلة منهن من يسمح لهن بأخذ فرصة لغسل شعورهن أو الاستحمام بشكل منتظم، بسبب انكشاف مخيمات النزوح على بعضها البعض، ومن ثم يتعرضن للحرج من الذهاب للحمام، ويضطررن للبقاء في أثواب الصلاة لفترة قد تتجاوز الأسبوعين أو يزيد.
حمامات مشتركة
يعيش غالبية أهالي القطاع في مراكز مخصصة للإيواء، أقامتها جهات دولية وإغاثية، بعضها أقيم داخل مدارس وكالة "أونروا"، وأخرى أقيمت على أراضي واسعة بعد أن سُوِّيَت لتصبح مؤهلة كمراكز للإيواء.
إلا أن عدد الخيام المقامة في مراكز الإيواء لا يتناسب مع متطلبات النظافة ولو بالحد الأدنى، فعلى سبيل المثال، فإن مدرسة تضم 10 آلاف نازح داخل صفوفها، فيما لا يتجاوز عدد دورات المياه المخصصة لها 20 دورة مياه فقط.
تسبب هذا الوضع في حرج كبير لدى النساء من أخذ حقهن في غسل شعورهنّ أو الاستحمام، بسبب طبيعة المكان غير الملائم لهذه المهمة، أو بسبب صعوبة أداء ذلك؛ بسبب وجود أعداد كبيرة من النازحين، يرافقه شح في المياه.
ماذا تفعل النساء؟
تلجأ السيدات في غزة لخيار قص شعورهنّ، لأن كثافته وطوله قد يزيد حرارة الرأس، فيسبب حكة طوال اليوم، ما يتسبب في نمو الفطريات داخل قشرة الرأس.
تؤدي هذه الحكة المتزايدة لنمو أنواع مختلفة من الفطريات قد يؤدي إلى نزول الدم حال استمرت الحكة لفترة طويلة دون تدخل لوقفه عبر أدوية الرأس المخصصة لذلك.
أو قد تصاب النساء بأمراض القشرة، التي تؤدي مع مرور الوقت لظهور حشرات الرأس و"القمل" المعروف بسرعة انتشاره.
لتدارك ذلك تضطر الأمهات في غزة لقضاء وقت طويل مع بناتهن لتنظيف رأسهن من حشرات الرأس والقمل، وهي عملية تتطلب صبرا ووقتا طويلا، حيث تنظف النساء خصلة الشعر من جذورها ووضع الدواء الذي عادة ما يكون على هيئة بودرة لقتل هذه الفطريات.
وتقول والدة سالي لمراسل "قدس برس" إنه "فقدنا كل شيء عزيز علينا، الآباء والأبناء والأخوة، بيوتنا وحقولنا... ولن نتوقف عند خسارة شعرنا"، مشيرة إلى أن الاستغناء عن الشعر "سيقلل بصورة كبيرة كميات المياه التي نحتاجها للاعتناء به".
يشير أحد الصيادلة بغزة لـ"قدس برس"، قائلا "تأتينا يوميا عشرات النساء يسألن عن أدوية لمكافحة حشرات الرأس والقمل، ولكن بالنظر إلى إغلاق الاحتلال للمعابر نفذت الكميات التي كانت بحوزتنا منذ فترة طويلة، ولتجاوز ذلك اضطررنا للاستعانة ببعض المصنعين المحليين للمواد الكيماوية والمنظفات لصناعة منتج محلي بجودة أقل لتلبية الطلب المتزايد عليه مؤخرا".
جاء ذلك في وقت حذرت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة من النقص الحاد في الأدوية والمستهلكات الطبية الضرورية لتقديم خدمات الطوارئ والعمليات والرعاية الأولية والعديد من الخدمات، والتي أصبح رصيدها صفر في المستشفيات وأماكن تقديم الخدمة، الأمر الذي يهدد حياة المرضى بالخطر.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي، لليوم 226 على التوالي، عدوانه على قطاع غزة بمساندة أميركية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 35 ألفا و386 شهيدا، وإصابة 79 ألفا و366 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 1.7 مليون شخص من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.