حواجز الاحتلال العسكرية قطعت صلة الرحم في العيد كما قطّعت أواصر الضفة الغربية
بعد جهد جهيد تمكن الحاج عبد الجليل الخالدي من مدينة رام الله، من زيارة بناته الثلاثة المتزوجات في مدن الشمال، نابلس وجنين وطولكرم، بعد أن قضى معظم اليومين الأول والثاني من عيد الأضحى المبارك متنقلا بين الحواجز العسكرية التي قطعت أواصر الضفة الغربية المحتلة.
يقول الرجل السبعيني "في العيد الماضي، لم اتمكن من الوصول إلى بناتي، فقد كانت التشديدات الإسرائيلية على الحواجز معقدة جدا، واضطررت إلى معايدتهن عبر الهاتف، أما في هذا العيد، فقد عقدت العزم على الوصول إليهن مهما كان الثمن.
وبالفعل، انطلق الرجل ظهر أمس إلى مدينة نابلس التي تخنقها الحواجز وتفصلها عن محيطها بالكامل، وما كاد يصل إلى حاجز عورتا جنوبا، حتى اغلقه جنود الاحتلال في وجه الداخلين إلى نابلس.
يقول "انتظرت أكثر من ساعتين عبثا، على أمل إعادة فتح الحاجز، ولم يكن هناك حل أمامي إلا العودة للخلف عدة كيلومترات والدخول عبر القرى واحدة تلو الأخرى، حتى وصلت إلى حاجز "المربعة"، لأجد طابورا طويلا لا تُرى مقدمته من طول المركبات الواقفة التي تنتظر إشارة جندي متسلط كي تلج إلى المدينة.
ويؤكد الحاج الخالدي أن الاحتلال يدعي كذبا أن هناك حاجة أمنية لزرعه أكثر من 700 حاجز عسكري ثابت ومتحرك تحول الضفة الغربية إلى جسد مقطع، لكن هذا الادعاء كاذب تماما، والهدف الحقيقي هو إذلال الفلسطينيين واخضاعهم، لكن ذلك لا يمكن أن يتحقق.
وعلى هذه الشاكلة بقي الخالدي يومين كاملين يقطع الحواجز ويلتف عليها حتى أتمم زياراته لبناته الثلاثة وعاد إلى بيته في رام الله في ساعة متأخرة من مساء اليوم الاثنين.
أما السائق اشرف الحداد وهو من مدينة طولكرم، ويعمل على الخط الرابط بينها وبين مدينة نابلس، فيقول إن الحواجز العسكرية تسببت حقيقة بتراجع عملهم بشكل كبير، حيث استنكف معظم الناس عن زيارة أقاربهم القاطنين في مدن أو بلدات وقرى أخرى بسبب اضطرارهم على قطع تلك الحواجز والانتظار عليها لساعات طويلة، أو البحث عن طرق فرعية بديلة، تستهلك جهدا ووقتا ومالا أكثر من الطرق الرسمية المغلقة.
ويشير إلى أنه بسبب الحواجز زادت أجرة الراكب، "بدلا من أن تأخذ الطريق بين المدينتين في الأوقات الطبيعية ثلاثين دقيقة، تضاعفت هذه المدة وبتنا نحتاج إلى ساعة أو ساعتين وفي كثير من الأحيان إلى وقت أطول في حال كانت الحواجز مغلقة، وهذا يجبرنا على زيادة الأجرة حتى نعوض هذه الخسارة".
أما زميله محمد السيد فيقول إن التنسيق بين السائقين يساعدهم على معرفة وضع الحواجز، "إما أن نتصل على بعضنا أو أن نلجأ إلى مجموعات خاصة بأوضاع الطرق على تطبيقات إلكترونية مثل واتس أو تلغرام".
ويضيف "في الأعياد تكون المتابعة لأحوال الحواجز حثيثة جدا. وغالبا ما نختصر على أنفسنا عناء الانتظار على الحواجز ونسلك طرقا بديلة.. صحيح أنها اطول أو قد تكون وعرة بين السهول والجبال، وقد تكون خطرة بسبب تواجد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين عليها، لكننا مجبرون على ذلك. ويكون الراكب بين خيارين إما صلة الرحم وأجرها، وإما قطعها واحتساب ذلك أمام الله".
ومع ارتفاع على درجات الحرارة هذه الأيام، بعد تأثر المنطقة بموجة حارة، يصبح الانتظار أكثر صعوبة.. فكلما توغلت شرقا أي قريبا من مناطق الأغوار، تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع اكثر، بعلاقة طردية لانخفاض المنطقة عن مستوى البحر.
وقد يجبر جنود الاحتلال السائقين على إطفاء المحرك واحتجاز مفتاح المركبة، وبالتالي عدم تشغيل المكيف، وسط لهيب الحرارة، خاصة في ساعات الظهيرة.
وبالرغم من أن سياسة الحصار والعزل ليست جديدة، فإن دولة الاحتلال صعَّدت بشكل كبير ولافت من سياسة حصار وعزل المدن والبلدات في الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة بعد الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي.
وقطَّعت أواصر الضفة عبر حوالي 700 حاجز عسكري متعددة الشكل والنوع، ثابتة ومتحركة، وسواتر حجرية وترابية خاصة داخل وبين القرى نفسها، لتحكم حصارها أكثر بنصبها 132 بوابة عسكرية.
ووفق الناشط في مقاومة الاحتلال خالد منصور، فإن بعض هذه البوابات مغلقة منذ بدء الحرب ويمنع المرور عبرها بشكل دائم، وأخرى نصبها الاحتلال خلال عدوانه وخاصة جنوب نابلس، وجاءت إضافة نوعية في تعذيب المواطنين وضمن سياسة الفصل العنصري.
كما أنها تأتي تنفيذا لقرار وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن الداخلي المتطرف ايتمار بن غفير، بإقامة مناطق عازلة بمحيط المستوطنات ومنع الوجود الفلسطيني عبر البناء وغيره فيها، إلى جانب السيطرة على الطرق الرئيسية التي كان يسلكها الفلسطينيون وتحويلها للمستوطنين.
وتكرست بذلك، وفق منصور، "سياسة أمر واقع بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلية بالإسراع بشق طرق التفافية بالضفة لصالح المستوطنين".