"أفران الطين".. خيار أهالي قطاع غزة في ظل انقطاع غاز الطهي
![](https://qudspress.com/wp-content/uploads/2024/06/thumbs_b_c_0ae561062cbcf09a7138f3cd520d4dcb.jpg)
مع ساعات الفجر الأولى، ينطلق أسامة وشقيه مؤيد في رحلة البحث عن الخشب والكرتون لإيقاد أفران الطين التي صنعوها لإعداد الطعام والخبز، وذلك بعد أن شح غاز الطهي في القطاع، كواحد من عشرات السلع الأساسية التي قرر الاحتلال وقف إدخالها للقطاع ضمن سياسة العقاب الجماعي.
يجوب الشقيقان أسامة ومؤيد المنازل المدمرة على أمل أن يبتسم لهما الحظ في الوصول لبقايا أثاث مدمر أو كتب مدرسية لم تعد ذات نفع أو فائدة، بعد أن انتهى العام الدراسي في غزة.
إلا أن هذه الرحلة يكتنفها الكثير من المخاطر، فاحتمالات أن يتعرض المبنى للانهيار واردة في ظل تشقق الأسقف وانكسار الأعمدة، أو أن تدوس أقدامهم بالخطأ على بقايا ألغام لم تنفجر فيصيبهما أذى، إلا أن الهدف الذي وضعه أسامة ومؤيد نصب أعينهما هو جمع ما تيسر من بدائل لإيقاد أفرانهم لتوفير لقمة يسدوا بها جوعهم.
تنتشر أفران الطين في قطاع غزة، لدرجة أنها باتت جزءا من صورة ونمط النزوح، فعلى جانب كل خيمة تجد فرنا أو أكثر من ذلك، تم صنعهم يدويا لإعداد الخبز وحتى إعداد الطعام وطهيه، فالأفران الأوتوماتيكية التي توفر الخبز لم تعد تعمل كالسابق، بسبب وقف الاحتلال لإدخال السولار وغاز الطهي.
تجدر الإشارة إلى أن الاحتلال يفرض منذ آذار/مارس حظرا على دخول غاز الطهي، باستثناء كميات قليلة يسمح بإدخالها بين الفينة والأخرى لبعض المنظمات الإغاثية العاملة بالقطاع كمنظمة المطبخ العالمي، أو الهلال الأحمر وهيئات إغاثية أمريكية وأوروبية تعمل في مجال الإغاثة الطبية.
ودفعت هذه الأزمة إلى بحث أهالي القطاع عن بدائل لإيقاد النار، فعجنوا من الرمل والماء والقش صلصالا يتم تجويفه من الداخل بحيث يكون قادرا على استيعاب أواني الطهي والعجين، ثم يتم تنصيبه على قاعدة من الباطون ليبقى ثابتا للحفاظ عليه من التفتت أو الذوبان.
ولا تحتاج هذه الأفران لمهارات أو تكليفات لتجهيزها وحتى التعامل معها، لذلك انتشرت بصورة كبيرة بين الخيام، ووجد بعض النازحين فيها مصدرا للرزق من خلال بيع الخبز وتسخين الطعام مقابل مبالغ صغيرة لقاء هذه الخدمة.
يشير أسامة حمدان وهو واحد من صانعي أفران الطين في غزة لـ"قدس برس"، إلى أنه "عكف على تعلم صناعة أفران الطين من اليوتيوب، حيث يقوم بتجهيزها وبيعها للمواطنين مقابل مئة شيقل أو ما يعادله ثلاثون دولار للفرن المنزلي متوسط الحجم، وضعفي المبلغ للأفران الكبيرة التي عادة ما يستخدمها أصحاب المخابز للانتفاع بها".
ويضيف أسامة أن "الكثير من المواطنين يجدون صعوبة في توفير هذه الأفران داخل خيمهم، إما لسبب عدم توفر مساحة يمكن أن يتم وضعها داخل الخيام، أو لعدم قدرة الكثير من العائلات على تحمل حرارة الجلوس لساعات طويلة أمام النار بسبب الشمس الحارقة في هذا الوقت من العام".
ما تحتاجه هذه الأفران لا يتعدى سوى بعض الأخشاب والكرتون، وهي متوفرة بكثرة في القطاع ويتم البحث عنها من داخل المنازل المدمرة التي لم تعد صالحة للسكن، أو شرائها من الأسواق بمبالغ لا يتعدى سعر الكغم أربعة شواكل أو ما يعادله دولارا واحدا.
يمتلك أهالي القطاع قدرة كبيرة على التكيف في الظروف الصعبة التي يضعهم الاحتلال داخلها، فتجدهم يبحثون عن بدائل سريعة لأي أساسيات قرر الاحتلال قطعها عن أهالي القطاع كأسلوب عقاب ينتهجه ضدهم.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أمريكية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة، إلى ارتقاء 37 ألفا و765 شهداء، وإصابة 86 ألفا و429 آخرين، إلى جانب نزوح نحو 1.7 مليون شخص من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.