حينما ألقت غزة بظلالها على الانتخابات في أوروبا وأمريكا (بورتريه)

عمان - علي سعادة - قدس برس
|
يوليو 9, 2024 1:32 م
ألقت الحرب على غزة التي دمرت أرضها، ولوثت هواءها وقتلت شعبها بظلالها على العالم بأسره، وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كانتا ساحة سجال شعبي وسياسي بين مؤيد ومعارض، بين من وقف مع الضحية ومن ساند القاتل المتسلسل.
ولا تمثل نتائج الانتخابات البريطانية والفرنسية والبرلمان الأوروبي وحتى الأمريكية القادمة، القصة كاملة، بل هي شكل من أشكالها، فقد كانت ظلال غزة ومعاناتها ودماؤها تحوم حول صناديق الاقتراع التي شهدت حضورا لافتا لغزة عبر مرشحين وقفوا بكل شجاعة في وجه الإبادة الجماعية في القطاع الذي يشهد حربا وحشية انتقامية يشنها مختلون عقليا.
في بريطانيا العظمى، تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس ذات يوم، غيرت الانتخابات وجه عاصمة الضباب، وقلبت الطاولة لصالح حزب "العمال" وطردت ريشي سوناك العنصري وحزب "المحافظين" من مقر الحكومة في "10 داوننغ ستريت" بلندن.
خمسة مقاعد انتزعها مرشحون مؤيدون لفلسطين من معاقل حزب "العمال" الذي أثار استياء مسلمي بريطانيا لموقفه من غزة، ورغم فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان إلا أن "العمال" مني بهزيمة انتخابية كبيرة في المناطق التي يسكنها عدد كبير من المسلمين.
وخسر جوناثان أشوورث، الذي كان من المتوقع أن ينضم إلى حكومة كير ستارمر زعيم "العمال" مقعده أمام المستقل شوكت آدم، أحد المناصرين لغزة، وقال آدم، وهو يرفع الكوفية الفلسطينية في نهاية كلمة أدلى بها بعد فوزه في دائرة "ليستر ساوث" الانتخابية، "هذا من مصلحة أهل غزة".
وخسر "العمال" مقعده في دائرة "إسلنغتون نورث" لصالح زعيم الحزب السابق والناشط اليساري المخضرم والمؤيد للفلسطينيين جيريمي كوربين الذي خاض الانتخابات مستقلا.
وخسر العمالي خالد محمود مقعده أمام المستقل أيوب خان في "برمنجهام"، وقد جعل خان الصراع في غزة أمرا مركزيا لحملته الانتخابية.
وخسرت هيذر إقبال مقعدها للمستقل إقبال محمد في "ديوسبيري وباتلي".
كما خسرت كايت هوليرن أمام المستقل عدنان حسين الذي قال في خطاب فوزه: "هذا من أجل غزة".
وفاز مرشحو "العمال" بالكاد، أو انخفضت أغلبيتهم بشدة في المناطق التي يسكنها المسلمون، إذ فاز ويس ستريتنج وزير الصحة في حكومة الظل بمقعده بفارق ضئيل فقط، وحلت بعده ليان محمد المؤيدة لفلسطين.
وحتى المرشحين المؤيدين لفلسطين من "العمال" رأوا انخفاضا كبيرا في الأصوات التي حصلوا عليهم وبينهم جيس فيليبس التي استقالت من منصبها كوزيرة في حكومة الظل بسبب غزة، ودعمت وقفا فوريا لإطلاق النار، إذ حافظت على مقعدها بفارق ضئيل. وقالت فيليبس في خطاب الفوز: "هذه أسوأ انتخابات ترشحت فيها إطلاقا".
ورغم تصريحات "العمال" بأنه يريد وقف القتال في غزة، فإنه أيد ما زعم بأنه "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" مما أثار غضب 3.9 ملايين مسلم يشكلون 6.5 بالمئة من سكان بريطانيا.
وجاء في استطلاع للرأي أن 44 بالمئة من الناخبين المسلمين اعتبروا القضية الفلسطينية إحدى أهم 5 قضايا.
وفي مكان آخر من أوروبا الممزقة والجريحة، وفي الانتخابات البرلمانية الفرنسية تصدر تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" اليساري، المؤيد لفلسطين، نتائج الانتخابات في خطوة وصفها مراقبون بـ"المفاجأة" بعد احتلال معسكر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المرتبة الثانية، متقدما على اليمين المتطرف الذي حل ثالثا.
وتثير الانقسامات الفرنسية، المزيد من التساؤلات حول قدرة البرلمان، على اتخاذ القرارات على الصعيدين الداخلي والدولي، خصوصا فيما يتعلق بالمنطقة، والتي يأتي في مقدمتها الحرب في غزة وقضايا الهجرة واللاجئين.
وأدت الحرب الإسرائيلية المدمر والفظيعة في غزة إلى تأجيج المشهد السياسي الفرنسي، خلال الأسابيع الماضية، مما جعل "معاداة السامية" وانتقاد دولة الاحتلال قضيتين رئيسيتين في الانتخابات.
وخلال الحملة الانتخابية، أعربت "الجبهة الشعبية الجديدة" عن عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية، ودعم طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الاحتلال، بنيامين نتانياهو، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ورغم أن السياسة الخارجية، تبقى من مسؤوليات رئيس الجمهورية وفق الدستور الفرنسي إلا ماكرون لن يتمكن من تجاهل نتائج الانتخابات.
ويتوقع محللون ألا تتمكن "الجبهة الشعبية الجديدة" من المضي قدما في وعودها بشأن القضية الفلسطينية، حيث الانقسامات لا تتوقف فقط على الجمعية الوطنية (البرلمان)، بل حتى من داخل التحالفات الانتخابية نفسها.
وحزب "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ميلينشون، الذي قاد بذكاء "الجبهة الشعبية الجديدة" يدافع عن القضية الفلسطينية، لكنه على عكس مواقف الفريق الثاني من اليسار، مثل الاشتراكيين، الذين يتبنون مواقف غالبية الأحزاب التي تسيطر عليها اللوبيات الصهيونية.
وهاجم حزب "فرنسا الأبية" دولة الاحتلال بشدة، وأطلق كل من ميلونشون وأمين عام الحزب "الشيوعي" الفرنسي، فابيان روسيل، وصف "الإبادة" على ما يجري في قطاع غزّة.
فيما أيد اليمين الفرنسي المتطرف الاحتلال على نحو علني وبشكل خاص زعيمة "التجمع الوطني"، مارين لو بان، والعنصر المتطرف إريك زمور، زعيم حزب "الاستعادة".
وشارك نواب حزب "فرنسا الأبية" اليساري في جميع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، وطالبوا بفرض عقوبات على الاحتلال وحظر بيع وتصدير الأسلحة له والاعتراف بدول فلسطين، كما أنهم امتنعوا من وصف حركة حماس بأنها "جماعة إرهابية".
وكانت خسارة النائب الفرنسي الإسرائيلي مائير حبيب صديق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الانتخابات البرلمانية الفرنسية، مدوية ومخزية لهذا الرجل العنصري البغيض، حيث فشل في الفوز بالمقعد المخصص لتمثيل الفرنسيين في الخارج بهزيمته أمام كارولين يادان، ممثلة حزب "جميعا من أجل الجمهورية"، الذي ينتمي إليه ماكرون.
وفي إسبانيا، حيث تعود التوترات مع الاحتلال لعهد الجنرال فرانكو، أدى اعتراف الحكومة بالدولة الفلسطينية إلى تعزيز شعبية حزبي الائتلاف الحاكم، "الحزب الاشتراكي" وحزب "سومار" اليساري.
وفي ألمانيا، تسببت أحزاب ناشئة مؤيدة للفلسطينيين في تآكل تأييد أحزاب "الخضر" و"الديمقراطي الاجتماعي"، وهما من الأحزاب الرئيسة التي تؤكد دعمها القوي للاحتلال بسبب شعور ألمانيا بمسؤولية تاريخية في شأن المحرقة، وهو شعور مضى عليه زمن طويل، وحان الوقت أن تتخلص منه ألمانيا.
وإلى جانب حزب "ميرا 25" اليساري يوجد بين الأحزاب الناشئة الأخرى المؤيدة للفلسطينيين ما هو محافظ اجتماعي مثل "دافا"، وأيضا "بيج" و "بي إس دبليو" المناهض للاتحاد الأوروبي، ويرغب في فرض حظر على تصدير الأسلحة للاحتلال مع الدفع بسياسات مناهضة للهجرة.
ومن المرجح أن يعترف أنصار حزب "بي إس دبليو"، الذي تبلغ شعبيته في الاستطلاعات سبعة في المئة، بالدولة الفلسطينية.
وفي جبهة ثالثة، أوروبيا أثرت حملة اليسار المؤيدة لوقف إطلاق النار في غزة على انتخابات البرلمان الأوروبي، خاصة مع فوز الشابة الفرنسية الفلسطينية الناشطة والمحامية، ريما حسن، بمقعد في البرلمان الأوروبي، عن حزب "فرنسا الأبية".
إلى جانب فوز ريما حسن، التي شن عليها اليمين الفرنسي واللوبي الصهيوني حملة تشويه بلا انقطاع، حقق حزب "فرنسا الأبية" 8 مقاعد في البرلمان الأوروبي، وأتى في المركز الرابع أوروبيا بعد حصوله على نسبة 10 بالمئة تقريبا من الأصوات.
وبينما كانت تركز انتخابات البرلمان الأوروبي تقليديا على قضايا داخلية مثل ملف الهجرة والسياسة الزراعية وتغير المناخ ومعدلات التضخم، تأتي خصوصية انتخابات هذا العام في تناولها لمواضيع وأزمات تقع خارج أسوار الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فلسطين.
وعلى الرغم من تحقيق أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب القومية مكاسب واضحة، كان أداء يمين الوسط جيدا أيضا، واحتفظ بمكانته كأكبر تجمع وضمن الحصول على مقاعد.
وحلت أحزاب يمين الوسط في المقدمة في ألمانيا واليونان وبولندا وإسبانيا، كما حققت تقدما كبيرا في المجر.
وترى ريما حسن أن داعمي فلسطين "انتصروا بالفعل في معركة هي الأهم، وهي معركة الروايات، وجعلها موضوعا أوروبيا تحققت حتى قبل ظهور نتائج التصويت".
وكانت ريما محورا لسجالات في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية، بسبب وصفها الحرب على غزة بأنها "إبادة"، مما عرضها "لضغوط سياسية وقانونية كبيرة". وقالت "لقد تعرضت للتهديد والإهانة والعنصرية المناهضة للفلسطينيين"، مشيرة إلى أنها "ستحمل القضية الفلسطينية إلى البرلمان الأوروبي".
الانتخابات الأوروبية، والأمريكية حاليا ولاحقا، كانت ساحة لنزع الأساطير والأكاذيب التي غلف بها اللوبي الصهيوني تاريخ صراعه مع العرب، وكشف العالم حقيقة هذا السرد الزائف، وبدأ العالم يتعرف على الرواية الفلسطينية والعربية للصراع ولحقيقة هذا الصراع الذي لم يبدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وإنما على مدى 76 عاما من القتل والتشريد والاضطهاد والمذابح.
تصنيفات : الحرب على غزة الخبر وأكثر