قيود وعقوبات إسرائيلية تعيق نقل الحوالات المالية من الخارج لغزة
بعد انتظار دام لأكثر من عشرة أيام، قرر "أبو رمزي" إلغاء إرسال حوالة مالية لأبنائه في غزة، بعد أن أبلغته الشركة الوسيطة بصعوبات تواجه عملية نقل الأموال للقطاع، في ضوء إجراءات إسرائيلية صدرت مؤخرا، بموجبها يحق لوزارة الحرب الإسرائيلية احتجاز الأموال المرسلة من الخارج لمجرد الاشتباه بصلتها في تمويل نشاطات أو أفراد على صلة بالمقاومة أو حركة حماس على وجه الخصوص.
"أبو رمزي"، وهو مغترب فلسطيني مقيم في السويد، حاله حال مئات الآلاف من أبناء الجالية الفلسطينية المقيمة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الذين لم يستطيعوا مد أيديهم لمساعدة ذويهم في غزة، بسبب الإجراءات والقيود الإسرائيلية التي فرضتها على الشركات الوسيطة لنقل الأموال، وفق ما ذكر لـ"قدس برس".
كيف تتحكم "إسرائيل" بقنوات الأموال لغزة
منذ أن بدأت "إسرائيل" حرب الإبادة على غزة، صدرت عشرات القرارات والإجراءات والقيود التي حدت من وصول الأموال والتحويلات المالية من الخارج إلى القطاع، بحجة "تجفيف مصادر تمويل المقاومة"، وفقا للادعاء الإسرائيلي، ولكن حقيقة الأمر أن الهدف كان ممارسة أكبر ضغط على المواطنين المدنيين في محاولة لضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة والتأثير عليها.
من بين هذه القيود- الحد من عمل الشركات الوسيطة العاملة في مجال نقل الأموال من الخارج، والخدمات المرتبطة بها، ومن أبرزها (الخزندار، البرعصي، سلمي، حرز الله)، والمئات من مكاتب الصرافة العاملة بغزة، مع العلم أن هذه الشركات حاصلة على التراخيص اللازمة من سلطة النقد الفلسطينية برام الله التي تؤهلها لأداء مهمة استقبال وإرسال الحوالات من وإلى القطاع.
خروج هذه الشركات من سوق المال والصيرفة وملاحقة العاملين فيها عبر استهدافهم واغتيالهم، حد بشكل كبير من وصول التحويلات المالية من الخارج وبات نقلها يتطلب مخاطرة كبيرة ما حذا بالكثير من المغتربين إلى التراجع عن إرسال حوالات مالية لذويهم، خشية من العواقب المترتبة عليها.
العمولات والقرصنة المالية
اضطر الفلسطينون للبحث عن بدائل منها التحويل البنكي المباشر، ولكن هذه الطريقة واجهتها تحديات منها أن الاحتلال جمد بأوامر عسكرية آلاف الحسابات البنكية لمواطنين، ففي حال شهد الحساب البنكي حركات مالية متكررة يتم تجميده واحتجاز الأموال (في إشارة إلى تكرار استلام الأموال عبر الحساب من الخارج).
هذا بالإضافة لأزمة السيولة التي أدت لخلق نمط جديد من القرصنة وهي اقتطاع جزء كبير من أموال المستفيد تصل في كثير من الأحيان لنسبة ثلاثين بالمئة مقابل تسليمه الكاش.
ملاحقة المنصات الرقمية
لم تكتفٍ "إسرائيل" بهذا الحد، فقبل أيام أصدر وزير الحرب يوآف غالانت قرارا بمصادرة آلاف الحسابات لفلسطينيين من غزة من على منصة "باينس" للعملات الرقيمة، وقد مس القرار بشكل مباشر بحسابات آلاف الغزيين الذين تفاجأوا بين ليلة وضحاها بخسارتهم لمدخراتهم دون أن يتمكنوا من الطعن في القرار أو معرفة أسباب ذلك.
"مؤمن" واحد من هؤلاء الذين تضرروا من القرار الأخير يقول لـ"قدس برس": "اعمل في مجال البرمجيات في إحدى شركات دول الخليج منذ عشر سنوات، وخلال هذه الحرب بعد أن بات محظورا استقبال الحوالات من الخارج، أنشأت حسابا على منصة (باينس) لأستقبل أتعابي وراتبي الشهري عبرها، ولكن الآن بات الحساب معطلا وغير مسموح لي بسحب إدخاراتي الموجودة داخل الحساب والتي تقدر بثمانية آلاف دولار".
الإجراءات الإسرائيلية وتأثيرها على الواقع الغزي
لا يمكن حصر النتائج المترتبة على القيود المالية التي فرضتها "إسرائيل" على الواقع الاقتصادي والمالي بغزة نظرا لاستمرار الحرب، ولكن أوساط اقتصادية ومالية، كشفت لـ"قدس برس"، "عن مصادرة الاحتلال عشرات الملايين من الدولارات من حسابات بنكية تابعة لأفراد وشركات، لمجرد الاشتباه بصلتهم بالمقاومة".
وأدت القيود الإسرائيلية لخسارة الغزيين لجزء كبير من قيمة حوالاتهم المرسلة من الخارج، بسبب لجوؤهم لطرق أخرى لتجاوز القيود الإسرائيلية، كما أدت لعدول الكثير من أبناء الجاليات الفلسطينية في الخارج من إرسال مساعدات مالية لذويهم بسبب توقف عمل شركات الصرافة، وخشيتهم من الملاحقة الإسرائيلية في البلدان التي يقيمون فيها.
هذا بالإضافة للتسبب بارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع تشهدها أسواق القطاع، بسبب تحمل التجار رسوم مضاعفة لشراء السلع من الخارج.
ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عدوانه على قطاع غزة، بمساندة أمريكية وأوروبية، حيث تقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.