"طوفان الأقصى".. لحظة فاصلة أم نقطة تحول كبرى؟

أنهت معركة "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، يوم الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عامها الأول، إذ رصد لحظات ذلك العام ملايين البشر، وشاهدوا لأول مرة كيف تكون حروب الإبادة، وكيف يكون إصرار المقاومة وصمودها.
ويشير المراقبون إلى أن تلك المعركة أعادت بناء الوعي الجمعي وتشكيله تجاه الملف الفلسطيني، لم يعد المقاوم "إرهابيا"، ولم تعد "إسرائيل" واحة الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط.
ويؤكد رئيس مركز "الدراسات المستقبلية" (مستقل مقره رام الله) وأستاذ الإعلام في جامعة "القدس"، أحمد رفيق عوض، أن يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، "لا يمثل فقط لحظة فاصلة في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، بل نقطة تحول كبرى في الوعي الفلسطيني والإقليمي والدولي تجاه الاحتلال الإسرائيلي".
ويرى عوض، أن حرب الإبادة على غزة سلطت الضوء على "أبعاد جديدة... عرّت إسرائيل أمام العالم... هذا الانكشاف أدى إلى تحول في الرأي العام العالمي، وخاصة في المجتمعات الغربية، التي بدأت تدرك حقيقة الصراع بوجهه الحقيقي" وفق ما يرى.
ويقول "علاوة على ذلك، تعرض المجتمع الإسرائيلي لهزة كبيرة، حيث بات من الواضح أن إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في ادعاءاتها الديمقراطية، بينما تمارس البطش والإبادة الجماعية".
تحديات تواجه الإنجازات
ويرى الباحث الفلسطيني، أنه بالرغم من الإنجازات التي حققتها المقاومة الفلسطينية ميدانيا، إلا أن "الانقسامات الداخلية لا تزال تعيق الوصول إلى مصالحة، ما يعني أن التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب الفلسطيني قد لا تترجم إلى إنجازات سياسية حقيقية ما لم يتم حل هذا الانقسام"، وفق ما يرى.
ويشدد عوض على أن "منطق التحرر الوطني يقتضي النجاحَ في تعبئة باقي فئات الشعب الفلسطيني، بغية تخفيف الأعباء عن القطاع المحاصر، وتشتيت قوات الاحتلال، فالوحدة الوطنية هي أهم أوراق القوة الفلسطينية، في هذه المرحلة الصعبة التي تشهد مستوى غير مسبوق من الضغوط الغربية والعربية حتى على فصائل المقاومة، بل حتى على السلطة في رام الله".
ولفت إلى أن "إسرائيل تسعى إلى إعادة تشكيل احتلالها لقطاع غزة بطرق جديدة قد تكون مقبولة دوليًا، هي تهدف إلى تقسيم القطاع، والاحتفاظ بمواقع استراتيجية مثل معبر رفح وممر فيلادلفيا، إلى جانب فرض إدارة مدنية تحت إشرافها".
وقال "هذه الخطة تمثل محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال بطرق أكثر قبولًا لدى المجتمع الدولي، وهو ما قد يتطلب دعمًا من الإقليم وأمريكا، ما يعني أن إسرائيل لن تنسحب من غزة في المستقبل القريب" بحسب ما يرى.
واستدرك "حتى الآن، لم تنجح حرب الإبادة في إيجاد أي بديل سياسي لإدارة غزة بعد الحرب، على الرغم من طرح العديد من المقترحات. إسرائيل لم تحسم أمرها لغاية الآن حول الصيغة المفضّلة لها، لكنها تقول، إنه بالحالات جميعها دون القضاء على قدرات حماس لن تتمكن من تغيير النظام القائم في غزة".
كما انتقد عوض بشدة الموقف العربي قائلا "الإقليم العربي برمته غائب عن التأثير والفعل بالميدان، رغم استطاعته الضغط على الاحتلال بإيقاف الإبادة الجماعية، لكنه لا يريد ذلك".
وعلى نحوٍ مختلف، يرى عوض أن دولًا في أمريكا اللاتينية أوقفت علاقاتها الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تركيا أوقفت العلاقات التجارية، وأن دولة جنوب إفريقيا جعلت الاحتلال يمثل أمام محكمة العدل الدولية، على عكس دول عربية لم تحرك ساكنًا بعلاقاتها مع إسرائيل".
مقاوم شجاع ومفاوض متمرس
وبشأن أداء المقاومة في ملف التفاوض، فقد أكد رئيس مركز "الدراسات المستقبلية" أن المقاومة "تقرأ الواقع جيدا، وتحاول تسجيل إنجازات وضربات قاضية سياسيا على الاحتلال من خلال الموافقة على المقترحات التي قدمت لها من عدة أطراف، دون أن تقدم تنازلات جوهرية... إلا أن المعضلة هي الاحتلال الإسرائيلي الذي أفشل المفاوضات، وأهان الوسطاء وقدم نموذجا أسوأ ما يمكن في العلاقات الدولية".
ويمضي قائلا "لغاية الآن، وبعد مرور عام على الحرب، لم تحقق إسرائيل أهدافها الاستراتيجية المعلنة، فعلى الرغم من وحشية وجرائم الحرب، وقتل قرابة خمسين ألفاً من سكان قطاع غزة، وتدمير هائل في البنى التحتية والمباني والمنشآت، وإلحاق أضرار بقدرات المقاومة، لم تقضِ إسرائيل تماماً على قدرات حماس العسكرية ولا حتى المدنية".
ودخلت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، عامها الثاني على التوالي، يحيث يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عدوانه على القطاع بمساندة أمريكية وأوروبية، وتقصف طائراته محيط المستشفيات والبنايات والأبراج ومنازل المدنيين الفلسطينيين وتدمرها فوق رؤوس ساكنيها، ويمنع دخول الماء والغذاء والدواء والوقود.
وأدى العدوان المستمر للاحتلال على غزة إلى استشهاد أكثر من 41 ألفا و870 شهيدا، وإصابة أكثر من 97 ألفا و166 آخرين، ونزوح 90% من سكان القطاع، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة.