المحرر وائل الجاغوب.. عُمرٌ جديد كتب لنا وعلينا أن نوحد البيت الفلسطيني

لحظات من الدهشة أشبه بالحلم عاشها الأسير المحرر من سجون الاحتلال وائل الجاغوب والذي أمضى في السجون 23 عاما، بعد أن تيقن بخبر حريته وفك أسره، ليدرك بأن ساعة ولادته الحقيقة قد حانت، وأن عمرا جديدا قد كتب له، وأن أياما غير التي خلت تنتظرنه.
ويروي الجاغوب لحظات التي توجهت إليه موظفة الصليب الأحمر أثناء نقلهم إلى سجن عوفر قبل الإفراج عنهم نحو رام الله، بقولها: هل ترغب وتوافق على الانتقال الى رام الله في الحافلة؟ حيث وقف صامتا هنيهة قبل أن يرد عليها قائلا: بدي ونص وخمسة.
بعد وصولي البيت يكمل الجاغوب، "لم أكن انتظر سوى وجه أمي وأرغب لمس يديها وتقبيلها فهي التي انتظرتني طوال السنوات ولم تترك فعالية للأسرى إلا وخرجت فيها حاملة صورتي، وبالفعل احتضتنها وقبلتها وكذلك إخوتي وأخواتي وتحقق الحلم الذي لطالما انتظرته.
وعن ليلته الأولى خارج الأسر قال: "لم أعرف طعم النوم، بل أنني لم أرغب بالنوم ولوا الإرهاق والتعب ما نمت مرغما، فقد أمضيت الساعات وأنا أتفحص الوجه واستذكر الدار والمكان، وأرسم معالم الليلة الأولى والمستقبل وما زلت حتى اليوم لم أستوعب أنني بت خارج سجون القهر ومدافن الأحياء".
وأشار الجاغوب إلى أن "حفاوة الاستقبال وحجم الحشد وضخامة الانتظار للأسرى المحررين ، يدل على مكانة وقدسية قضية الأسرى والاهتمام بحريتهم.
وتابع: "من أجل ذلك قلت وأقول بأنني ولدت من جديد".
ووصف الجاغوب واقع الأسرى في سجون الاحتلال بالمأساوي مؤكدا بأن الهمّ الأكبر للسجانين هو تحويل حياة الأسرى إلى عذابات، إلا أن الأسرى يدركون بأن سلاحهم القوي والأمثل هو الإرادة والصبر واليقين بالتحرير.
وذكر الجاغوب بأن "الأسرى وللقضاء على الروتين القاتل وصعوبة السجن والسجانين، يحاولون من خلال بعض الممارسات والبرامج اليومية وتنظيم الوقت أن يحولوا المحن إلى منح ".
ولفت إلى أنه وخلال فترة اعتقاله استطاع ومن خلال مثابرته إكمال دراسة الماجستير في تخصص الدراسات "الإسرائيلية" وبتقدير ممتاز.
وكشف الجاغوب عن تعرض الأسرى إلى جرائم لا مثيل لها ولا سيما بعد القرارات التي أعقبت السابع من أكتوبر.
وأكد أن "الاعتداءات والضرب المبرح والحرمان من العلاج والطعام والشراب واللباس والاغطية هي السمة الغالبة على طبيعة النهج الذي مورس ضد الأسرى".
وعن رسالته ورسالة الأسرى المحررين ومن تبقى خلفهم في الأسر قال: "لا بد لنا أن نحمل الآن هما واحدا يتمثل بتحقيق الوحدة ولم الشمل الفلسطيني، باعتبار ذلك أولوية لحماية ما تبقى من قضية".
ولم ينس الجاغوب أن يشكر من كان سببا في حريته قائلا: "الشكر لكل من كان سببا في أن أعيش هذه اللحظات، لغزة وشبابها وركامها وبيوتها وشيوخها ونسائها الذين صبروا وصابرو".
وولد وائل نعيم أحمد الجاغوب، في 23 من أيار/مايو 1967، وتعرض في عام 1992 للاعتقال من قبل جيش الاحتلال، وحكم عليه بالسجن 6 سنوات بسبب "نشاطه المقاوم للاحتلال"، ثم أطلق سراحه في 1998.
وبعد عام من اندلاع "انتفاضة الأقصى" في 2000، اعتقل الجاغوب ثانية حيث تعرض لتحقيق قاس، وحُكم عليه بالسّجن مدى الحياة، بتهمة تنفيذ عمليات مسلحة ضد جيش الاحتلال والمستوطنين.
وخلال سنوات أسره، تعرض الجاغوب، للعزل الانفرادي مرات عديدة، حيث تتعمد إدارة سجون الاحتلال عزل الأسرى الفاعلين عن رفاقهم، لما لهم من تأثير على واقع المواجهة وبث الوعي، ونتيجة للعزل، حُرم الجاغوب من الزيارة عدة سنوات، بحسب "نادي الأسير الفلسطيني".
ولم يكن الجاغوب، أسيرا فاعلا على المستوى التنظيمي فحسب، بل على مستوى الأدب والمعرفة أيضا، حيث أصدر خلال سنوات الأسر عدة كتب، "أحلام أسيرة"، و"رسائل في التجربة الاعتقالية"، وثّق فيهما حياته داخل السجون والعزل الانفرادي.