هل تعكس تصريحات ترامب عن غزة خطة أمريكية فعلية؟

خبراء ودبلوماسيون يجيبون
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول رغبته في السيطرة على غزة موجة واسعة من الجدل، ليس فقط في العالم العربي والشرق الأوسط، بل وحتى في الأوساط السياسية الأمريكية والدولية.
 
وبينما تعكس هذه التصريحات أسلوبه المعتاد في التفكير كرجل أعمال، بعيدًا عن الاعتبارات القانونية والدبلوماسية، فإنها تطرح تساؤلات حول مدى جديتها وتأثيرها المحتمل على سياسات الولايات المتحدة تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
 
في هذا السياق، يرى دبلوماسيون ومحللون أن "نهج ترامب، وإن بدا متطرفًا، فإنه لا يختلف جوهريًا عن السياسات الأمريكية التقليدية الداعمة لإسرائيل، وإن كان أكثر وضوحًا وصراحة". 
 
فهل هل تعكس هذه التصريحات خطة أمريكية فعلية، أم أنها مجرد استعراض؟
أكد ناصر بن حمد آل خليفة الذي سبق وعمل سفيرا في واشنطن أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن غزة تعكس أسلوبه في التفكير كمطور عقاري، مع جهل بالقانون الدولي أو التزامات الولايات المتحدة الموقعة على اتفاقيات تجريم التطهير العرقي.
وفي حديثه لـ"قدس برس"، أوضح بن حمد أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يتغير، إذ واصل بايدن النهج نفسه الذي اتبعه ترامب، لكن الفرق يكمن في طريقة التعامل؛ فبايدن يغلف سياساته بخطاب يبدو متماشياً مع القانون الدولي، بينما لا مكان للقانون – سواء المحلي أو الدولي – في قاموس ترامب.
وأشار بن حمد إلى أن إعلان ترامب عن رغبته في السيطرة على غزة لا يعكس وجود خطة أمريكية متفق عليها، بل شكّل صدمة حتى لبعض زعماء الحزب الجمهوري من داعميه، خاصة أنه يتناقض مع مواقفه السابقة الرافضة لانخراط الولايات المتحدة في حروب جديدة.
وأضاف: "لن يكون لهذه التصريحات أي تداعيات داخل إدارة ترامب، لأن معظم المحيطين به هم من الصهاينة، ورغم إدراكهم لاستحالة تنفيذ هذا المخطط، فلن يعارضوه، بل سيركزون على تبرير تصريحاته والتقليل من شأنها، كما ظهر في تصريحات وزير خارجيته، الذي حاول تصويرها على أنها مجرد أفكار."
 
ترامب يربك الداخل الأمريكي
وأوضح بن حمد أن سياسات ترامب في الشرق الأوسط لا تحظى بإجماع داخل إدارته أو حزبه، إذ لا أحد يستطيع الجزم بما ينوي فعله، أو يريد تحقيقه. وأضاف: "ترامب أوقع الجمهوريين في أزمات حتى مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة وكبار شركائها التجاريين، كما حدث مع المكسيك وكندا، إضافة إلى خلقه أزمة مع أوروبا عندما أعلن رغبته في الاستيلاء على جزيرة غرينلاند التابعة للدنمارك، العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو."
وأشار إلى أن تهديد ترامب باحتلال قناة بنما فاقم التوترات مع دول أمريكا الجنوبية، ما أضاف طبقة جديدة من التعقيد إلى علاقات واشنطن الإقليمية.
 
تعزيز موقف الصين وروسيا
 
وأكد بن حمد أن تصريحات ومواقف ترامب لم تحظَ بقبول واسع حتى داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، حيث يواجه معارضة قوية من القيادات السياسية التي تخضع لضغوط من الشركات ورجال الأعمال الأمريكيين، الذين تكبدوا خسائر بسبب تصريحاته المفاجئة وغير المدروسة.
وأضاف: "الكثيرون في الأوساط الاقتصادية يرون أن هذه التصريحات تصب في مصلحة الصين وروسيا، كما أنها خلقت حالة من عدم الثقة مع أقرب حلفاء الولايات المتحدة وأكبر أسواقها التجارية، مما يزيد حالة عدم الاستقرار داخل النظام الاقتصادي الأمريكي."
 
لا خطة أمريكية واضحة
أكد المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات عبدالعزيز العنجري، إن تصريحات ترامب بشأن غزة تتجاوز السياسات الأمريكية السابقة، التي رغم دعمها القوي لإسرائيل، كانت تحاول الحفاظ على الحد الأدنى من التوازن الدبلوماسي، ولو شكليًا. 
وأوضح العنجري، في حديثه لـ"قدس برس"، أن ما يميز نهج ترامب عن الرؤساء السابقين، بمن فيهم جو بايدن، هو التخلي الكامل عن الأطر الدبلوماسية التقليدية، والانتقال إلى تبنٍّ صريح لمواقف أكثر تطرفًا تدعم اليمين الإسرائيلي المتشدد بشكل غير مسبوق.
وفيما يتعلق بالفارق بين سياسات ترامب وبايدن، أشار العنجري إلى أن بايدن، رغم دعمه الثابت لإسرائيل، يحرص على توظيف خطاب دبلوماسي متوازن ظاهريًا، ويتبع نهجًا أكثر حذرًا يتماشى – ولو جزئيًا – مع القانون الدولي، أو على الأقل لا يؤدي إلى ردود فعل دولية عنيفة. أما ترامب، فهو على النقيض تمامًا، إذ لا يكترث للأعراف الدبلوماسية، بل يسعى لإحداث صدمات سياسية تخدم مصالحه داخل الأوساط اليمينية في الولايات المتحدة وإسرائيل، دون أي اعتبار للتداعيات الدولية.
وأضاف أن بايدن، كمعظم الرؤساء الأمريكيين، يدعم إسرائيل علنًا، لكنه يلتزم بالخطاب الدبلوماسي التقليدي، مستخدمًا عبارات مثل "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" أو "ضرورة التوصل إلى حل عادل للصراع". أما ترامب، فيتجاوز هذه الصياغات الدبلوماسية، متبنيًا خطابًا أكثر وضوحًا وصراحة في دعم الاستيطان وسياسات التهجير، وهو ما كان يعتبر محظورًا حتى داخل الأوساط السياسية الأمريكية الأكثر انحيازًا لإسرائيل.
وتابع: وعليه، تصريحات ترامب تمثل مرحلة جديدة من الدعم الأمريكي لإسرائيل، حيث تعكس انتقالًا من الدعم الدبلوماسي والعسكري التقليدي إلى تبني مباشر وغير مشروط للأجندة اليمينية المتطرفة.
وحول مدى واقعية هذه التصريحات، أشار العنجري إلى أنه حتى اللحظة، لا توجد أي مؤشرات على وجود خطة أمريكية مفصلة أو معتمدة لتنفيذ مقترح ترامب بشأن غزة. وقال: "يبدو أن تصريحات ترامب تعكس أفكارًا شخصية أو مقترحات أولية لم يتم تطويرها أو طرحها رسميًا داخل الإدارة الأمريكية."
وأضاف العنجري، وهو عضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن، أن اقتراح ترامب قوبل بانتقادات واسعة ومعارضة قوية داخل الكونغرس الأمريكي، من كلا الحزبين، حيث وُجهت اتهامات للخطة بأنها ترقى إلى مستوى "التطهير العرقي" بحق الفلسطينيين، وهو ما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية الأمريكية.
وأشار إلى أن المجتمع الدولي يرفض هذا الطرح رفضًا قاطعًا، مما يجعل من المستبعد أن يكون هناك أي برنامج عملي جاهز لتنفيذه. 
كما أوضح أنه على الرغم من إعلان ترامب عن هذه الخطة علنًا، إلا أن العديد من الخبراء والمراقبين الدوليين يشككون في جديتها وإمكانية تنفيذها. 
 
التحديات القانونية والسياسية
وبيّن العنجري أن هذه المقترحات تتعارض مع الإجماع الدولي القائم منذ عقود حول القضية الفلسطينية، لا سيما حل الدولتين، وتُعتبر غير واقعية، لما قد تسببه من تصعيد وزعزعة للاستقرار في المنطقة.
وأضاف أن التحديات اللوجستية المرتبطة بترحيل ملايين الفلسطينيين، والآثار القانونية بموجب القانون الدولي، والمقاومة المتوقعة من الفلسطينيين والدول المجاورة تجعل هذه الخطة غير قابلة للتطبيق إلى حد كبير.
 
ضغط إقليمي 
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني حازم عياد إن تصريحات ترامب الأخيرة تأتي في سياق محاولة للضغط على الأطراف الإقليمية في المنطقة للبحث عن حلول لقضايا قطاع غزة والضفة الغربية. 
وأضاف عياد لـ"قدس برس" إن هذه التصريحات تسعى إلى نقل عبء الأزمة التي تواجهها إسرائيل، والتي تفاقمت بعد أحداث "طوفان الأقصى"، إلى الدول العربية والإقليمية من خلال دعوة إلى عقد ورشة عمل تبحث عن حلول لصالح الكيان الإسرائيلي. 
وأوضح أن هذه الحلول المقترحة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، بعيدًا عن فكرة الدولة الفلسطينية أو التحرير، بل تدعو إلى حل المشكلة على اعتبار أنها "مشكلة عربية" وليست إسرائيلية.
وأشار إلى أن هذه المقترحات، التي تشمل أفكارًا مثيرة للجدل مثل التهجير وتجاوز حل الدولتين، تثير انقسامًا داخل الدول العربية، حيث تعتبرها بعض هذه الدول، مثل الأردن والسعودية ومصر، تهديدًا لمصالحها الوطنية وأداة لتأزيم الوضع الإقليمي عوضا عن إيجاد حلول عملية. 
وأضاف أن هذه التصريحات تفتقر إلى خطة عمل واضحة، بل هي مجرد محاولة لدفع دول المنطقة لمناقشة مقترحات ترامب، ما يجعلها حلولًا تأزيمية وليس واقعية.
أما عن احتمالية تأثير هذه المقترحات داخل الإدارة الأمريكية، فقد أشار عياد إلى أن العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي من الحزبين يرون أنها أفكار غير عملية، تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية التي تراعي مصالح الدول. كما أن هذه المقترحات قد تؤدي إلى توترات في العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لا سيما مع الدول العربية التي تجمعها بها علاقات طويلة الأمد. 
وأوضح أن ترامب، الذي يتسلح بدعمه لليمين الأمريكي والإسرائيلي، قد يواجه معارضة داخل إدارته، لكنها ستكون محدودة بسبب قلة الأصوات المعارضة في الكونغرس والإدارة، خاصة في ظل تحالفه مع نتنياهو.
وأشار إلى أن الأثر الأكبر قد يكون في الشارع الأمريكي، حيث يمكن أن تثير هذه التصريحات ردود فعل من القوى المدنية في الولايات المتحدة، خاصة مع محاولات ترامب فرض قيود على أي تعاطف مع القضية الفلسطينية. 
وشدد عياد على أن غياب خطة عمل واضحة قد يرهق طاقم ترامب، ويؤدي إلى مزيد من الفوضى الإعلامية والسياسية في المنطقة، مما يؤثر في استقرار العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط.
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مستشفى "شهداء الأقصى": الخدمة الصحية مهددة بالتوقف بسبب نفاد الوقود
يوليو 8, 2025
أعلنت مستشفى "شهداء الأقصى" بغزة أن الخدمة الصحية معرضة للتوقف في أي لحظة بسبب نفاد الوقود. وصدر بيان عن المستشفى، تلقته "قدس برس"، اليوم الثلاثاء، أُعلن فيه عن " تعطل المولد الرئيسي للمستشفى، وعدم توفر قطع الغيار لصيانته". وأشار البيان إلى "أن الوقود سينفد خلال الساعات القادمة، وحياة مئات المرضى مهددة بالموت داخل أقسام المستشفى".
"حماس": بعد 640 يومًا من الحرب الاستئصالية.. الاحتلال فشل في كسر إرادة غزة وإخضاع مقاومتها
يوليو 8, 2025
قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن مرور 640 يومًا على الحرب الاستئصالية التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أثبت فشل الاحتلال الذريع في كسر إرادة غزة أو إخضاع مقاومتها، رغم كل محاولاته العسكرية والسياسية. وأشارت الحركة، في تصريح صحفي اليوم الثلاثاء، تلقته "قدس برس"، إلى أن شعارات الاحتلال حول "الهزيمة الساحقة"
وزير الخارجية الإسباني يدين الاستهداف الإسرائيلي لمنتظري المساعدات في قطاع غزة
يوليو 8, 2025
أدان وزير خارجية إسبانيا، خوسيه ألباريس، إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على منتظري المساعدات بقطاع غزة. وأضاف ألباريس، في تصريحات صحفية اليوم الثلاثاء، أن "الوضع في غزة لا يحتمل". ودعا ألباريس، إلى إنهاء العنف وتسهيل المساعدات، مؤكدًا ضرورة وقف إطلاق نار دائم في غزة وإطلاق الرهائن. وتتصاعد الانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين في مناطق تجمع المساعدات الإنسانية، والتي باتت
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك بحماية شرطة الاحتلال
يوليو 8, 2025
اقتحم عشرات المستوطنين، صباح اليوم الثلاثاء، المسجد الأقصى المبارك من باب "المغاربة"، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.   وذكرت "دائرة الأوقاف الإسلامية" في القدس المحتلة (تابعة للأردن)، أن عشرات المستوطنين اقتحموا الأقصى، وتجولوا في باحاته، وأدوا طقوسًا تلمودية.   وواصلت قوات الاحتلال تشديد إجراءاتها على دخول المصلين الفلسطينيين للمسجد الأقصى، واحتجزت هوياتهم عند بواباته
"الأورومتوسطي": لكل فلسطيني في غزة مساحة أقل حتى مما منح لمعتقل في "غوانتنامو"
يوليو 8, 2025
قال "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" إن "إسرائيل"، بعد 21 شهرًا من العدوان المتواصل على قطاع غزة، لم تُبقِ للفلسطينيين في القطاع سوى أقل من 15% من المساحة الكلية، أي ما لا يتجاوز 55 كيلومتر مربّع، يُحتجز فيها نحو 2.3 مليون إنسان في ظروف خانقة، تُمنح فيها لكل فرد مساحة تقل عن 24 مترًا مربعًا—وهي مساحة
جيش الاحتلال يصدر قرارات هدم بحق أربعة منازل تعود لعائلات شهداء ومقاومين فلسطينيين
يوليو 8, 2025
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي أصدر قرارات بمصادرة وهدم منازل أربعة أسرى فلسطينيين، بزعم تورطهم في ثلاث عمليات إطلاق نار وقعت خلال العام الماضي، وأسفرت عن مقتل جنود ومستوطنين إسرائيليين. وذكرت صحيفة /معاريف/ الإسرائيلية أن المنازل التي شملتها أوامر الهدم تعود للشهيدين محمد نزال ومحمد زكارنة في بلدة