"إسرائيل" تمهد لضم الضفة الغربية: مشروع قانون لتغيير التسمية إلى "يهودا والسامرة"

عواصم - قدس برس
|
فبراير 10, 2025 6:26 م
في خطوة تعكس تصعيدًا جديدًا في السياسات الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، صادقت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في دولة الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 9 شباط/فبراير 2025، على مشروع قانون يقضي باعتماد تسمية "يهودا والسامرة" عوضا عن "الضفة الغربية". ومن المقرر أن يُعرض هذا المشروع للتصويت في برلمان الاحتلال (كنيست) الأربعاء المقبل.
ويأتي هذا القرار في سياق سلسلة من التصريحات والإجراءات التي تشير إلى نية الحكومة الإسرائيلية الحالية فرض سيادتها على الضفة الغربية وضمها رسميًا. فقد تعالت في الأشهر الأخيرة أصوات وزراء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بمن فيهم رئيسها بنيامين نتنياهو، تتحدث صراحة عن اعتزام "تل أبيب" ضم الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 إلى "إسرائيل".
التأثيرات التوراتية على القرارات السياسية الإسرائيلية
تعكس تسمية "يهودا والسامرة" التأثير العميق للمفاهيم التوراتية على السياسات الإسرائيلية، حيث يُستخدم هذا المصطلح في النصوص الدينية اليهودية للإشارة إلى الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن.
ويُلاحظ أن هذه المفاهيم التوراتية تؤثر إلى حد بعيد على القرارات السياسية في "إسرائيل"، خاصة بين الأحزاب اليمينية والدينية التي ترى في هذه الأراضي جزءًا من "أرض الميعاد" التاريخية. وقد تجلى هذا التأثير في سياسات الاستيطان والضم التي تتبناها الحكومة الحالية.
ولا يمكن عزل الاستيطان والتوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية عن الأسطورة الدينية اليهودية، حيث يحاول أتباع الأحزاب الدينية اليمينية نسج روايات توراتية حول هذه المنطقة، التي يُفترض أنها تتبع قانونيًا لـ "الدولة الفلسطينية" التي اُتُّفِق عليها ضمن اتفاقات أوسلو عام 1993.
ويؤكد الحاخامات في دولة الاحتلال أن التنازل عن مناطق الضفة الغربية غير جائز وفق الشريعة اليهودية، وأن تسليمها إلى العرب يُعد محظورًا، لذلك يعتبر الاستيطان جزءًا من "مهمة مقدسة" لا يمكن إيقافها لأي سبب.
ويعد صعود وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير وغيرهما، ضمن الحكومة التي توصف بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ دولة الاحتلال، تتويجًا لمسيرة الصهيونية الدينية، التي بدأت بالترويج لمفهوم أن "عودة المسيح المخلّص" ترتبط بعودة اليهود إلى أراضي "يهودا والسامرة".
ولاحقًا، تحولت هذه الرؤية الدينية إلى مشروع سياسي جوهره تغيير التركيبة السكانية للضفة الغربية عبر مصادرة الأراضي، وتوسيع الاستيطان، واستقدام مئات آلاف المستوطنين للعيش في المنطقة.
ولفت الكاتب والمتابع للشأن الإسرائيلي ياسر مناع إلى أن إسرائيل، بعد نكسة 1967، تبنّت مصطلح "يهودا والسامرة" للتأكيد على ارتباط المنطقة بالتاريخ اليهودي القديم، مستحضرةً في خطابها الصهيوني شخصيات توراتية وأحداثًا رمزية تعزز مشروعها الاستيطاني.
وبحسب مناع، فإن "هذا التوظيف التاريخي يُعدّ شكلًا من أشكال الضمّ المعنوي واللفظي في سياق المشروع الصهيوني للضمّ الكلي، حيث تعيد الصهيونية الدينية قراءة الماضي لتبرير الهيمنة الراهنة".
وذكر مناع في حديث مع "قدس برس" أنه وبينما تتبنى الصهيونية العلمانية تكتيك التدرّج في تنفيذ المخططات الاستيطانية، ترفض الصهيونية الدينية أي تنازلات، معتبرة الضفة الغربية جوهر "أرض إسرائيل" وعمق الهوية اليهودية، ما يرسّخ خطاب الضمّ، ويربطه بأبعاد دينية وقومية تعزز السيطرة الإسرائيلية على الأرض.
وعلى الصعيد ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مروان القبلاني إن مشروع قانون إطلاق اسم "يهودا والسامرة" على الضفة الغربية "هو أصلا معتقد ديني، وليس رغبة سياسية".
وأضاف في حديث مع "قدس برس" أن "هذا الرجوع إلى التلمود في تسمية الأماكن في الضفة الغربية يهدف إلى تغيير واقعها الذي يدل بوضوح على أنها عربية، فكل حجر وشجر ينطق بعروبتها، ويبين أصلها وأنها ما زالت تحتفظ بأسمائها الكنعانية التي سبقت الوُجود اليهودي في فلسطين بمئات السنين".
ورأى القبلاني أنه "بعد صفقة طوفان الأحرار (بين المقاومة والاحتلال يوم 19 كانون ثاني/يناير الماضي) وتوقف الإبادة الجماعية في غزة، تتركز جهود الاحتلال على الضفة الغربية حيث القتل والحصار ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، ولم يكتفوا بذلك، بل يريدون تزوير التاريخ وجلب مصطلحات تلمودية لإثبات شرعية وجودهم".
وأكد القبلاني على أن "تغيير الأسماء واستبدالها بتسمية تلمودية يبين أن المعركة معركة حضارية وثقافية وجودية، وأن استحضار هذه المصطلحات لإثبات الشرعية يبين عجزهم (الاحتلال) عن تغيير واقع الضفة، على الرغم من دعم (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب الذي أغراهم بتأييد خطواتهم الاستعمارية في الضفة مقابل القبول بتهدئة في غزة وتساوق مع حملتهم في تغير أسماء الأماكن إلى أسماء تلمودية".
الموقف الأمريكي من السيادة الإسرائيلية على الضفة
وأكد السفير الأمريكي لدى "تل أبيب" في تصريح له مؤخرا، أن بلاده "ستحدث تغييرات في الشرق الأوسط ذات أبعاد توراتية" في إشارة إلى دعم أمريكي مطلق لكل خطوة تهدف إلى ضم الضفة الغربية.
وقدم مشرعون جمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، في وقت سابق، مشاريع قوانين لمنع استخدام مصطلح "الضفة الغربية" في الوثائق الحكومية الأمريكية، واستبداله بـ "يهودا والسامرة"، في خطوة تهدف إلى تعزيز خطط إسرائيل لفرض السيادة على الأراضي التي احتلتها عام 1967.
وفي السياق ذاته، صرح ترامب بأنه يدرس دعم ضم "إسرائيل" للضفة الغربية، لكنه لم يتخذ موقفًا نهائيًا بعد. وخلال مؤتمر صحفي مع نتنياهو، وعندما سُئل عمّا إذا كان سيدعم هذا الضم، قال: "من المحتمل أن نصدر إعلانًا حول هذا الموضوع خلال الأسابيع الأربعة القادمة".
ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية على القرار
حذرت وزارة خارجية السلطة الفلسطينية بشدة من مخاطر اعتماد الاحتلال تسمية "يهودا والسامرة" عوضا عن "الضفة الغربية"، وأكدت أن "هذا المشروع وغيره من إجراءات الاحتلال لن تمنح إسرائيل حقًا في أرض دولة فلسطين".
في ذات السياق، دعت حركة "حماس" إلى التصدي لمشاريع الاحتلال الاستيطانية وإفشال مخطط الضم والتهجير. وقال عضو المكتب السياسي للحركة، هارون ناصر الدين: "تمر قضيتنا بمرحلة حرجة، خاصة مع زيادة مطامع الاحتلال في نهش مزيد من أراضي الضفة، وحالة الاستقواء بالولايات المتحدة الأمريكية، والأوهام التي يسوقها ترامب للجمهور الصهيوني".
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم ترصد "قدس برس" ردود فعل رسمية عن الدول العربية والإسلامية بشأن قرار الاحتلال الأخير باعتماد تسمية "يهودا والسامرة" عوضا عن "الضفة الغربية".