صفقة ترامب لشراء غزة... رهان خاسر منذ البداية

يبدو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اشتهر بكونه رجل الصفقات، اختار هذه المرة الرهان على قضية غير قابلة للمساومة. فحين أطلق تصريحاته المثيرة حول "شراء غزة" وتوطين سكانها في أماكن أخرى، كان ذلك جزءًا من مشروع سياسي يهدف إلى إعادة رسم معالم المنطقة. إلا أن الواقع الفلسطيني والإقليمي سرعان ما أجهض هذه الطروحات، ليجد الاحتلال الإسرائيلي نفسه أمام معادلة جديدة فرضتها المقاومة الفلسطينية والتوازنات الإقليمية.

صفقة محكومة بالفشل

ويرى الخبير في الشأن الأمريكي، خالد الترعاني، أن خطة ترامب بشأن غزة كانت محكومة بالفشل منذ البداية. وأوضح أن التطورات الأخيرة أثبتت أن الاحتلال الإسرائيلي اضطر إلى تقديم تنازلات غير متوقعة استجابةً لمطالب المقاومة الفلسطينية، مما يعكس تراجع تأثير الرؤية الأمريكية التي حاولت فرض حلول غير واقعية على الأرض.

وأكد الترعاني، في حديثه مع "قدس برس"، أن الاحتلال بدأ بتنفيذ شروط الاتفاق المبرم مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، رغم الموقف الحاد الذي أبداه ترامب تجاه الصفقة. وأضاف أن "ترامب أدار الملف بطريقة غير مدروسة، مما أدى إلى تصحيح المسار من الجانب الإسرائيلي بدلًا من التصعيد".

وأشار إلى أن تصريحات ترامب المثيرة حول غزة ومناطق أخرى في العالم لم تحقق أي نتائج تُذكر، بل تعرضت لانتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة. ووصفته بعض وسائل الإعلام المحافظة هناك بأنه يقود "أغبى حرب جمركية على الإطلاق"، في إشارة إلى تأثير سياساته السلبية على الاقتصاد الأمريكي.

وفيما يتعلق بالمواقف الإقليمية، شدد الترعاني على أن الأردن ومصر اتخذا موقفًا حازمًا في رفض تهجير الفلسطينيين، وهو ما يُمهّد لأن تكون القمة العربية القادمة في الرياض فرصة لدعم موقفيهما في مواجهة الضغوط الأمريكية.

مخاوف من تفريغ المواقف الرافضة من مضمونها

ورغم المواقف الإقليمية الرافضة، أعرب الترعاني عن مخاوفه من أن يتم تفريغ هذه الاعتراضات من محتواها، لا سيما إذا أُقِرَّ إرسال قوات عربية مشتركة إلى غزة. واعتبر أن هذه الخطوة قد تُستخدم كمدخل للقضاء على المقاومة الفلسطينية في القطاع، وهو أمر يرفضه الفلسطينيون بشدة.

رفض إقليمي للتهجير القسري

من جانبه، أكد الباحث والمحلل السياسي مأمون أبو عامر أن فكرة ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة، التي يجري الترويج لها في بعض الأوساط، غير قابلة للتطبيق بسبب التعقيدات السياسية والواقع الإقليمي المعقد.

وفي حديثه مع "قدس برس"، أوضح أبو عامر أن "الشعب الفلسطيني ليس كبقية الشعوب التي يمكن تهجيرها بسهولة، إذ يتمتع بتاريخ طويل من الصمود والتمسك بأرضه، مما يجعل فكرة التهجير الجماعي شبه مستحيلة".

وأضاف أن "حتى من يعانون من الضغوط الاقتصادية والحروب في غزة، ويفكرون في البحث عن حياة أفضل في الخارج، يعودون في النهاية ليؤكدوا تمسكهم بوطنهم ورفض مغادرته".

وأشار أبو عامر إلى أن الموقفين المصري والأردني "كانا حاسمين في رفض فكرة التهجير، حيث لم توافق أي دولة حتى الآن على استقبال اللاجئين الفلسطينيين في حال تنفيذ هذا المخطط".

وشدد على أن "الاحتلال الإسرائيلي نفسه يدرك صعوبة فرض هذا السيناريو، لما يحمله من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة قد تهدد استقراره".

تطورات ميدانية: الاحتلال يرضخ لمطالب المقاومة

وبدأ الاحتلال الإسرائيلي، أمس الخميس، بتنفيذ بعض بنود التفاهمات مع المقاومة الفلسطينية، حيث دخلت المعدات والجرافات المصرية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح بعد أسابيع من التأخير. وجاء هذا التطور بعد ضغوط ميدانية وسياسية مارستها المقاومة، إلى جانب جهود الوساطة المصرية المكثفة لضمان تنفيذ الاتفاقات.

وبحسب تقارير أممية، فإن أكثر من 60% من مباني غزة تعرضت لأضرار متفاوتة خلال الأشهر الأخيرة، مما يجعل البدء في إعادة الإعمار أولوية قصوى. كما أفادت مصادر ميدانية بأن الاحتلال اضطر إلى الموافقة على إدخال المعدات بعد تلقيه تهديدات من المقاومة بتصعيد العمليات العسكرية في حال استمرار العرقلة.

وتكشف هذه التطورات عن فشل الرهان الأمريكي على فرض حلول غير واقعية، كما تؤكد أن المقاومة الفلسطينية نجحت في تغيير قواعد اللعبة، ما أجبر الاحتلال على تقديم تنازلات غير مسبوقة. وبينما تستمر الجهود الإقليمية في التصدي لمشاريع التهجير، يبقى التحدي الأكبر هو ضمان عدم تحول أي تسويات سياسية إلى مدخلٍ جديد لتصفية القضية الفلسطينية.

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
بلدية دير البلح: شلل شبه تام في خدمات البلديات بالقطاع بسبب نفاد الوقود
يوليو 4, 2025
حذّرت بلدية دير البلح في قطاع غزة، الجمعة، من انهيار شامل في الخدمات الأساسية التي تقدمها البلديات في القطاع، نتيجة انقطاع السولار والوقود منذ أكثر من أربعة أشهر، الأمر الذي أدى إلى شلل شبه تام في تشغيل آبار المياه ومرافق النظافة والصرف الصحي. وقالت البلدية، في بيان صحفي، إن قوات الاحتلال "الإسرائيلي" دمّرت نحو 50%
"حماس" تعلن تسليم الوسطاء ردا إيجابيا حول مقترح وقف العدوان على غزة
يوليو 4, 2025
أعلنت حركة  المقاومة الإسلامية (حماس)، الجمعة، إكمال مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية حول مقترح الوسطاء الأخير لوقف العدوان على شعبنا في غزة. وقالت الحركة في بيان، إنها سلمت الرد للإخوة الوسطاء والذي اتسم بالإيجابية، والحركة جاهزة بكل جدية للدخول فوراً في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار. وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق،
البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لفتح تحقيق مستقل في جرائم الاحتلال
يوليو 4, 2025
قال البرلمان العربي، الجمعة، إن العالم يواجه مرحلة خطيرة تعيد تعريف مفهوم الإرهاب، خاصة حين يمارس بشكل رسمي ومنظم، كما يفعل الاحتلال "الإسرائيلي" في الأرض الفلسطينية، ولا سيما في قطاع غزة. جاء ذلك خلال مداخلة للنائب ناصر أبو بكر، عضو البرلمان العربي، في اجتماع نظمه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب افتراضيا، بعنوان: "الاتجاهات والتحديات والتهديدات
"هآرتس": الحرب على غزة عبثية ووحشية ويجب وقفها مهما كان الثمن
يوليو 4, 2025
وصفت صحيفة /هآرتس/ "الإسرائيلية"، الحرب "الإسرائيلية" المتواصلة على قطاع غزة بأنها "عبثية، بلا أهداف، ووحشية للغاية"، داعية إلى وقفها الفوري "مهما كان الثمن". وقالت الصحيفة في افتتاحيتها، إن "الدماء تُسفك من الجانبين دون طائل"، مضيفة أن "الغالبية الساحقة من الضحايا في غزة هم من المدنيين الأبرياء، في وقت بات من المستحيل تبرير استمرار القتل الجماعي
الاحتلال يدمّر مدرسة "بدو الكعابنة" ويشرد سكان تجمع عرب "المليحات"
يوليو 4, 2025
ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، اعتداءً جديدا بحق التعليم الفلسطيني، بعد اقتحامها وتخريبها مدرسة "بدو الكعابنة" الأساسية المختلطة شرق أريحا في الضفة الغربية المحتلة، وإجبار سكان تجمع عرب المليحات المجاور على الرحيل القسري، في خطوة وصفتها وزارة التربية والتعليم (تابعة للسلطة) بأنها جريمة تمس جوهر الحق في التعليم والحياة الكريمة. وأكدت الوزارة في بيان
الأمم المتحدة: هجمات "إسرائيلية" تستهدف نازحين ومدارس في غزة
يوليو 4, 2025
حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الجمعة، من استمرار الهجمات "الإسرائيلية" التي تستهدف بشكل مباشر الخيام والمدارس التي تأوي النازحين في قطاع غزة، إلى جانب المدنيين الذين يحاولون الوصول إلى المساعدات الغذائية، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا. وأوضح المكتب، في تقريره الجديد، أن أكثر من 714 ألف شخص (ثلث سكان