قُبلة القرن.. نيران صديقة أصابت السردية الصهيونية في مقتل (مقال رأي)

ارتكز الخطاب الإعلامي للاحتلال على دعاية مكثفة وحملة علاقات عامة دولية روّجت لسرديته الحربية التي اعتمدت على نزع الصفة العسكرية والإنسانية عن المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، على أن تتوج الحرب بتحقيق النصر المطلق في اليوم التالي، وإطلاق الأسرى وسحق المقاومة، وفقا للقراءة الصهيونية.
نزل نتنياهو عن شجرة الوهم وأنهى منتصف كانون ثاني/يناير من العام الجاري حرب الإبادة راضخا لشروط المقاومة التي أراد سحقها، وبدأت عمليات تبادل الأسرى التي فكّكت ولا تزال دعاية انتصاره المزعوم، وكرّست ولا تزال صورة هزائمه التراكمية.
النموذج الفريد للعسكرية الفلسطينية
صممت المقاومة الفلسطينية طرحها الإعلامي بدقة بالغة، لا يقل إبهارا عن أدائها العسكري، بل هو امتداد له من زاوية الحرب النفسية وضرب الأسس التي قامت عليها السردية الصهيونية في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
خلال الحرب كانت عمليات المقاومة تستهدف القوات الصهيونية التي تمارس الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، أما مشاهد تسليم الأسرى فهي عمليات مقاومة من نوع آخر تستهدف رواية الاحتلال وتنسف التضليل الذي تمارسه مؤسسة الحكم الصهيوني على شعبها وعلى العالم.
يظهر المقاومون بترتيب شخصي وجماعي بالغ التنظيم، بعيد كل البعد عن الارتجالية، تصطف سياراتهم بانضباط عسكري يليق بالمقاومة، تأتي سيارات وحدة الظل حاملة الأسرى وتقف في مكانها المحدد، يسلمون الأسرى شهادات إفراج، ويُعدّون منصة تحمل رسائل قيمية وسياسية استراتيجية، ويتم التوقيع على الاستلام والتسليم من طرفهم ومن طرف الوسيط الأممي، وسط مظهر احتفالي وحاضنة شعبية مهيبة.
بينما على المقلب الآخر يسيطر البكاء والعويل وتتعالى أصوات الاتهام بين قادة الاحتلال أنفسهم، فضلا عن الاتهامات الشعبية لنتنياهو وجيشه بالكذب والتضليل والدخول في حرب عبثية دون أدنى شعور بمسؤولية الحفاظ على حياة الأسرى الصهاينة لدى المقاومة.
المقارنة بين المشهد في غزة وتل أبيب، هي إجابة واضحة على سؤال اليوم التالي في غزة، ومن هو صاحب اليد العليا خلال وبعد الحرب.
القُبلة التي قصمت ظهر نتنياهو
أمس السبت قبّل أسير صهيوني مفرج عنه رأس مقاتلَين من كتائب القسام، أثناء عملية تسليم الأسرى للصليب الأحمر في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
لم يجد ابن دولة الاحتلال التي تقتل الشعب الفلسطيني، أفضل من هذه الطريقة ليعبر بها عن صدمته من الحقيقة، حقيقة وحشية حكومته وإنسانية المقاومة.
حكومته لم ترد إبادة الشعب الفلسطيني فقط، بل عملت على قتله أيضا، صارت الحقيقة أمامه واضحة وضوح الشمس، كانت حياته رخيصة وبلا قيمه في العقيدة القتالية لجيش دولته، بينما كان رجال المقاومة يحمونه وينقلونه من نفق إلى نفق ومن ردم لآخر ويتعرضون لخطر الموت حفاظا على حياته.
وجد الأسير الصهيوني نفسه بين ثنائية جديدة على فكره؛ دولة الاحتلال التي ينتمي لها تريد قتله، والمقاومة الفلسطينية التي تبذل تواجه المستحيل لتحافظ على حياته، فلم يجد طريقة يعبّر فيها عن امتنانه لهم إلا بطبع قبلتين على جبين اثنين من المقاومين.
عندما فقد الجيش الصهيوني إنسانيته وقتل عشرات آلاف النساء والأطفال وكبار السن في غزة ونكّل بالأسرى الفلسطينيين في سجونه، ترفّعت المقاومة عن المعاملة بالمثل وحافظت على اتزانها، وانتصرت في معركة الأخلاق، وقدّمت بشكل عملي صورة التعامل الإنساني مع الأسرى.