"تهجير أهالي الضفة".. حينما تكون الأخطار عابرة للحدود

تشهد الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا متسارعًا، في ظل العمليات العسكرية المكثفة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، حيث يُحاصر سكانها لإجبارهم على النزوح.
 
ويشير هذا التصعيد إلى تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي خطته القديمة المتجددة، التي تقوم على ضم أراضي الضفة الغربية من خلال توسعة المستوطنات من جهة، وتهجير الفلسطينيين عبر تدمير منازلهم من جهة أخرى.
 
وقد أسفرت هذه السياسة حتى الآن عن نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني من بيوتهم داخل الضفة الغربية، مع تدمير كامل للبنية التحتية، بهدف جعل الحياة في تلك المناطق غير ممكنة. وإلى جانب ذلك، تشنّ السلطة الفلسطينية حملة أمنية على نشطاء المقاومة داخل المخيمات، ما يزيد تعقيد المشهد.
 
تهديدات تهجير الفلسطينيين وانعكاساتها على الأردن
تلقي هذه التطورات الميدانية بظلالها على الأردن، الذي لطالما أشار الاحتلال الإسرائيلي إليه باعتباره الوجهة الأولى "للتخلص" من الفلسطينيين في الضفة الغربية، والدفع بهم إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن، بحكم قربه الجغرافي والديمغرافي من فلسطين.
 
 ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة، وقبلها مع طرح "صفقة القرن"، استشعر الأردن هذه الخطورة، واعتبرها بمثابة "إعلان حرب".
 
أين تكمن الخطورة على الأردن؟
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي، الأردني الدكتور بدر الماضي، أن أي زيادة في أعداد اللاجئين الفلسطينيين إلى الأردن ستشكل عبئًا أمنيًا واستراتيجيًا وديمغرافيًا على الداخل الأردني، وقد تؤدي إلى خلق نزاعات داخلية.
 
وفي حديث مع "قدس برس"، يوضح الماضي أن عمليات التهجير من الضفة الغربية لن تقتصر على دفع الفلسطينيين نحو الأردن فقط، بل ستسعى الولايات المتحدة للضغط على الأردن لتجنيس المهجرين الفلسطينيين، تحقيقًا لمخطط "الوطن البديل".
 
ويشير إلى أن التعامل مع خطة التهجير يمثل معضلة أخلاقية للأردن، إذ أنه لن يتمكن من إغلاق حدوده في وجه الفلسطينيين المهجرين من بيوتهم، لكنه في الوقت نفسه سيكون عرضة للاتهام بالمشاركة في تصفية القضية الفلسطينية إذا ما استقبلهم.
 
ويضيف الماضي: "من يحمل الجنسية الأردنية من أبناء الضفة لا يمكن منعه من دخول البلاد، ما يزيد تعقيد الوضع".
 
أما نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، ممدوح العبادي، فيعوّل في حديثه لـ "قدس برس" على صمود الشعب الفلسطيني ورفضه أي محاولات لتهجيره من الضفة الغربية، "حتى وإن كان بعضهم يحمل الجنسية الأردنية".
 
ويحذر العبادي من أن التركيز الإعلامي على حملة الجنسية الأردنية من الفلسطينيين قد يعطي الاحتلال ذريعة لطردهم من أراضيهم، بحجة أنهم مواطنون أردنيون، مشيرًا إلى أن "هذه القضية ترتبط بزمن وحدة الضفتين، حينما كانت الضفة الغربية جزءًا من الأردن".
 
كيف يمكن للأردن مواجهة مخطط التهجير؟
يشدد الدكتور بدر الماضي على أن "تعزيز وحدة القوى السياسية الفلسطينية هو الوسيلة الأهم لمواجهة خطة التهجير الإسرائيلية"، معتبرًا أن الانقسام الفلسطيني لا يخدم الأردن ولا القضية الفلسطينية.
 
وأشار إلى أن العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أكد خلال لقائه برؤساء اللجان النيابية، على ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية واتخاذ موقف موحد.
 
وأضاف الماضي أن الأردن يمكنه استضافة لقاءات تجمع الفصائل الفلسطينية، نظرًا لعلاقاته الجيدة مع الأطراف جميعها، قائلًا: "إذا لم تدرك حماس وفتح خطورة المخطط الإسرائيلي الآن، فمتى يمكن أن تتوحد مواقفهما؟" وفق تساؤله.
 
ويؤكد أن الأردن سيبقى فاعلًا في المحافل الدولية والإقليمية، للتحذير من المخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وزعزعة استقرار الدولة الأردنية.
 
من جانبه، يعوّل ممدوح العبادي على القمة العربية المرتقبة في مصر لاتخاذ قرارات تمنع تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مشددًا على ضرورة أن تتخذ الحكومة الأردنية خطوات جريئة، بما في ذلك مراجعة اتفاقية "وادي عربة" التي وُقّعت عام 1994 مع الاحتلال الإسرائيلي.
 
كما يرى العبادي ضرورة وقف اتفاقية الغاز مع الاحتلال (وقعت عام 2014 بوساطة أمريكية)، وإيجاد بدائل أخرى، حتى لا تُستخدم ورقة الغاز للضغط على الأردن.
 
قانون لمواجهة التهجير
بدوره، كشف رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، مصطفى العماوي، في تصريح لـ "قدس برس"، أن اللجنة تدرس حاليًا القوانين والمواثيق الدولية لإعداد مشروع قانون يحظر هجرة الفلسطينيين إلى الأردن، نظرًا لتداعياتها الأمنية والاقتصادية والسكانية.
 
الموقف الشعبي والحزبي
منذ اليوم الأول للحرب على غزة، التي استمرت أكثر من 400 يوم، انطلقت مظاهرات ومسيرات شعبية شبه يومية في مختلف المحافظات الأردنية، دعمًا لغزة ورفضًا لمحاولات تهجير الفلسطينيين.
 
ويقول عبد الفتاح الكيلاني، رئيس "الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن"، وهو تجمع نقابي حزبي نظم معظم فعاليات دعم غزة، إن "المظاهرات تهدف إلى تشكيل موقف متناغم مع الموقف الرسمي الرافض للتهجير، ودعم الحكومة الأردنية التي تواجه ضغوطًا سياسية بسبب موقفها".
 
ويشدد الكيلاني، في حديثه لـ "قدس برس"، على ضرورة استعداد الأردن لمواجهة أي مخاطر محتملة من الاحتلال، من خلال تعزيز الاستعدادات العسكرية والاقتصادية والشعبية، بما في ذلك إعادة تفعيل خدمة العلم (التجنيد الإجباري).
 
كما دعا "الملتقى الوطني لدعم المقاومة" إلى مسيرة "مليونية" يوم الجمعة المقبل (28 شباط/فبراير) في جميع محافظات المملكة، للتأكيد على رفض التهجير، مشيرًا إلى أن هذه المسيرات تساهم في التأثير في الرأي العام العالمي، وتعزز الموقف الرسمي.
 
تصاعد الأحداث وامتداد المخاطر
تستمر الأحداث في الضفة الغربية في التصاعد، وسط تصريحات متزايدة من حكومة الاحتلال حول نوايا ضم الضفة الغربية، وامتداد العمليات العسكرية إلى جنوب الضفة بعد أن كانت متركزة في الشمال، وهو ما يزيد احتمالات تصاعد الأحداث داخل الأردن، ويفاقم التحديات المترتبة على ذلك.
 
 
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
"التعاون الإسلامي" تحذر من خطورة تصريحات قادة الاحتلال
يوليو 3, 2025
أعربت منظمة التعاون الإسلامي، الخميس، عن رفضها الشديد لتصريحات مسؤولين في حكومة الاحتلال "الإسرائيلي"، والتي دعت إلى ضم الضفة الغربية وفرض "السيادة الإسرائيلية" عليها. وأكدت المنظمة في بيان، أن "هذه التصريحات تشكّل انتهاكا صارخًا للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وتقوّض الجهود الرامية لتحقيق حل الدولتين". وحذّرت المنظمة من خطورة التصريحات والتحريض المتواصل من قبل قادة
لبنان.. منتدى المؤسسات الفلسطينية يناقش تداعيات تقليص خدمات "أونروا" ويقر تحركات احتجاجية
يوليو 3, 2025
عقد "منتدى المؤسسات والجمعيات العاملة في الوسط الفلسطيني في لبنان" اجتماعًا دوريًا في بيروت، اليوم الخميس، ناقش خلاله أبرز القضايا المتعلقة بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب تقييم الأداء العام للمنتدى خلال الفترة الماضية. وقال المنتدى في بيان تلقّته "قدس برس" إنه جرى التوقف أمام الأنشطة التضامنية التي نظمها، لا سيما فعالية إحياء الذكرى 77 للنكبة
"الحوثيون": الاحتلال يستخدم الحرب في غزة لاختبار أسلحة جديدة ضد المدنيين
يوليو 3, 2025
أكد المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله" اليمنية (الحوثيون)، الخميس، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل ارتكاب المجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، وكان آخرها صباح اليوم، في ظل تصعيد دموي ممنهج يستهدف الشعب الفلسطيني منذ شهور. وأوضح المكتب الإعلامي في بيان، أن "آلية توزيع المساعدات في غزة تحوّلت إلى واحدة من أقذر وسائل القتل المتعمد، تمارسها
أمن المقاومة يحذر مجددا من التراخي الأمني وسط حديث عن هدنة
يوليو 3, 2025
وجّه أمن المقاومة في قطاع غزة، مساء الخميس، تحذيرا أمنيا دعا فيه المقاومين وعناصر الأجهزة الميدانية إلى ضرورة الالتزام التام بالإجراءات الأمنية، في ظل تزايد الحديث الإعلامي حول إمكانية التوصل إلى هدنة بين المقاومة والاحتلال "الإسرائيلي". وأوضح أمن المقاومة في بيان صحفي نشرته منصة "الحارس"، أن "التجارب السابقة أظهرت أن الاحتلال الإسرائيلي غالبا ما يستغل
"سرايا القدس": قصفنا مقر قيادة للاحتلال شمال خان يونس
يوليو 3, 2025
قالت "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "تالجهاد الإسلامي" إنها "قصفت مقر قيادة وسيطرة للعدو شمال مدينة خان يونس بصاروخ". وأضافت في بيان مقتضب اليوم الخميس "وحققنا إصابة مباشرة". ودأبت فصائل المقاومة في غزة على توثيق عملياتها ضد قوات جيش الاحتلال وآلياته في مختلف محاور القتال، وظهرت خلال المقاطع المصورة تفاصيل كثيرة عن العمليات التي نفذت
"فلسطينيو سوريا" بين الاندماج والتحذير من الذوبان
يوليو 3, 2025
في مرحلة انتقالية مفصلية تعيشها سوريا بعد سقوط النظام السابق، أعيد فتح ملف اللاجئين الفلسطينيين كمكون اجتماعي وقانوني وسياسي لا يمكن تجاهله. وبينما تطرح بعض النخب الفلسطينية رؤى لتحديث الوضع القانوني لفلسطينيي سوريا، تبرز مواقف ناقدة تحذر من خطر الذوبان السياسي وضياع الهوية. في هذا السياق، قدم كلّ من الحقوقي أيمن فهمي أبو هاشم والكاتب