الاحتلال في مواجهة النفوذ التركي بسوريا: مخاوف متزايدة وتحركات استباقية

تتصاعد التحركات الإسرائيلية الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في سوريا، إذ يسعى رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى فرض واقع جديد من خلال تصعيد عسكري وسياسي ممنهج، متذرعًا بحماية الدروز في الجنوب السوري. وتأتي هذه الخطوات بالتزامن مع تنامي النفوذ التركي في سوريا، الأمر الذي يثير قلقًا بالغًا لدى "إسرائيل".
وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي التركي، حمزة تكين، أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب السوري "يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية ومحاولة لاستغلال مرحلة إعادة بناء الدولة السورية لتحقيق مكاسب غير شرعية".
وأوضح تكين أن الاحتلال يسعى، عبر هذه التحركات، "إلى فرض واقع جديد يتناسب مع مصالحه التوسعية، مستغلًا الفوضى التي سببتها الحرب".
وأضاف، في حديث مع "قدس برس"، أن "إسرائيل تخشى التغييرات الجذرية التي شهدتها سوريا"، مشيرًا إلى أن "النظام السابق كان يوفر استقرارًا أمنيًا على الحدود... والتغيير في سوريا سيؤدي إلى سياسات مناقضة تمامًا لسياسات النظام السابق، الذي كان، بشكل أو بآخر، يساهم في حماية الاحتلال" وفق رؤيته.
التحالف التركي-السوري وقلق إسرائيل
وحول العلاقات التركية-السورية، شدد تكين على أن "التعاون بين البلدين ليس مجرد تقارب عابر، بل هو تحالف استراتيجي بعيد المدى، يهدف إلى مواجهة التحديات المشتركة".
وأكد أن هذا التعاون "يشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل، التي ترى في أي تحالف تركي-سوري تهديدًا مباشرًا لمصالحها".
وأشار إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي لا يخشى الدور التركي في سوريا فحسب، بل في أي ساحة أخرى، نظرًا لأن تركيا تتبنى سياسات استراتيجية مناهضة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، خاصة بعد ما حدث في قطاع غزة" على حد تعبيره.
وأضاف أن "المشروع التركي، القائم على بناء علاقات استراتيجية تعتمد على المصالح المشتركة والتعاون، يتناقض تمامًا مع المشروع الإسرائيلي، الذي يرتكز على الاحتلال والتوسع والهيمنة، مما يجعل من الطبيعي أن تعارض إسرائيل أي دور تركي متنامٍ في المنطقة".
مبررات الاحتلال وغاياته
وفيما يتعلق بالمبررات التي يقدمها جيش الاحتلال لعملياته العسكرية في سوريا، أوضح تكين أن "إسرائيل دائمًا ما تلجأ إلى ذرائع مختلفة لتبرير اعتداءاتها وتوسعها"، مشيرًا إلى أنها استخدمت النهج ذاته في لبنان وفلسطين ومصر والأردن على مر التاريخ.
ورأى أن "الاحتلال يسعى، عبر هذه المبررات، إلى السيطرة على مزيد من الأراضي، لكنه يدرك جيدًا أن المرحلة الجديدة في سوريا تختلف تمامًا عن المرحلة السابقة، حيث تسعى القوى الفاعلة لمواجهة المشروع الإسرائيلي من خلال تعزيز الوحدة الداخلية وإقامة تحالفات استراتيجية، وعلى رأسها التحالف مع تركيا".
وأكد تكين أن "أي اتفاقية دفاعية مشتركة بين سوريا وتركيا ستؤدي إلى تغيير جذري في موازين القوى في المنطقة، مما سيضعف المشروع الإسرائيلي، ليس فقط في سوريا، بل حتى داخل فلسطين المحتلة".
وختم بالقول إن "إسرائيل تحاول استغلال الوقت المتبقي قبل حدوث هذه التحولات الكبرى، لكنها في نهاية المطاف ستخسر، لأن الكلمة الأخيرة ستكون لصالح الحق وليس للباطل" بحسب ما يراه.
التصعيد الإسرائيلي وأبعاده الأمنية
من جانبه، يرى الخبير في الشأن التركي، طه عودة، أن التصعيد الإسرائيلي الأخير في الجنوب السوري يهدف إلى تعزيز النفوذ الأمني والاستخباراتي للاحتلال، من خلال إقامة مواقع عسكرية جديدة وتوسيع نطاق انتشاره.
وأوضح أن هذه التحركات أثارت قلقًا كبيرًا في تركيا، وهو ما انعكس في تصريحات وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي وصف الخطوات الإسرائيلية الأخيرة بأنها محاولة لخلق حالة من عدم الاستقرار في سوريا، تحت ذريعة حماية الأمن القومي.
وأضاف عودة أن إسرائيل تسعى، من خلال هذا التصعيد، إلى فرض هيمنتها الإقليمية عبر الاستقواء بدعم الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأخيرة بشأن سوريا، إلى جانب التصعيد العسكري، ليست سوى جزء من خطة تهدف إلى مواجهة النفوذ التركي المتزايد في سوريا.
واعتبر أن التغيرات الحاصلة في سوريا لا تصب في مصلحة الاحتلال، خاصة مع وجود إدارة سورية جديدة قريبة من تركيا. ولفت إلى أن "المعلومات والتسريبات حول تعاون أمني ودفاعي جديد بين تركيا وسوريا زادت من قلق الاحتلال، مما دفع نتنياهو إلى تصعيد خطابه ومحاولة الضغط على الولايات المتحدة لدعم موقف إسرائيل في مواجهة تركيا".
التنافس التركي-الإسرائيلي ومستقبل الصراع
ورأى عودة في حديث مع "قدس برس" أن "المشهد الإقليمي المعقد يعكس بوضوح طبيعة الصراع التركي-الإسرائيلي في سوريا، والذي قد يؤدي إلى تغيرات على الأرض".
إلا أنه استبعد، في الوقت ذاته، حدوث أزمة دبلوماسية حادة بين أنقرة و"تل أبيب"، خاصة بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وأشار إلى أن تركيا لا ترغب في الدخول في مواجهة دبلوماسية مع إدارة ترامب، في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة.
ويرى مراقبون أن نتنياهو، مدفوعًا بمخاوفه من التحولات الإقليمية، يحاول استباق أي تحالفات قد تُضعف الهيمنة الإسرائيلية، عبر تعزيز وجوده العسكري والاستخباراتي وافتعال أزمات جديدة في المنطقة.