تهديدات الحوثيين لـ"إسرائيل".. هل هي بداية لمرحلة جديدة من المواجهة الإقليمية؟

في ظل تصاعد التوترات في المنطقة، برزت تهديدات الحوثيين للاحتلال الإسرائيلي كمتغير جديد في المشهد الإقليمي، ما دفع العديد من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين إلى تقييم تداعيات هذا التطور؛ فمنح الحوثيون "إسرائيل" مهلة أربعة أيام، واستئناف عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر، يشير إلى مرحلة جديدة من المواجهة التي قد تمتد آثارها إلى المجالين العسكري والاقتصادي على مستوى المنطقة والعالم.

تطور نوعي

ويؤكد الخبير العسكري قاصد محمود، أن "تهديد الحوثيين لإسرائيل ومنحهم مهلة أربعة أيام يمثل تطورًا نوعيًا في المشهد الإقليمي". 

وقال في حديثه لـ"قدس برس"، إن "إسرائيل تمادت في عدوانها وسياساتها، فيما تواصل الولايات المتحدة دعمها لها دون ضغوط فعلية تدفعها إلى مراجعة سياساتها".

وأضاف: "إسرائيل تهدد بتوسيع عملياتها العسكرية، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في غزة؛ وفي هذا السياق، فإن ترك حركة حماس تواجه الاحتلال وحدها يشكل تحديًا كبيرًا، مما يجعل حضور محور المقاومة ضروريًا". 

وتابع بقوله: "الحوثيون، على وجه الخصوص، يمتلكون قدرة كبيرة على إرباك المشهد من خلال تأثيرهم المباشر على البحر الأحمر، والتجارة الدولية، والقطاع البحري".

وأشار إلى أن "الحوثيين لا يقتصر تأثيرهم على الإقليم فحسب، بل يمتد إلى الساحة الدولية، وهو ما ينعكس على حسابات الإدارة الأمريكية. هذا التطور يشكّل تحديًا حقيقيًا لإسرائيل، ورسالة واضحة بأن محور المقاومة لا يزال فاعلًا في المعادلة، رغم بعض التراجعات التي قد يكون شهدها حزب الله، إلا أن الحوثيين قادرون على سد أي فراغ عبر عملياتهم".

وأوضح الفريق وهو نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق في الجيش الأردني أن "الحوثيين لم يقتصروا على استهداف الملاحة البحرية، بل نجحوا أيضًا في توجيه صواريخهم نحو الجغرافيا الفلسطينية، مما يجعل تهديدهم لإسرائيل أكثر جدية؛ هذا التصعيد قد يدفع أطرافًا أخرى، مثل العراق، للدخول على خط المواجهة، في ظل وجود إيران كلاعب رئيسي يسعى إلى استعادة حضوره الاستراتيجي بعد خسائره في سوريا".

وأضاف: "آفاق التفاهمات بين إيران والولايات المتحدة باتت ضيقة، حيث يتبنى المرشد الأعلى موقفًا أكثر تشددًا مقارنة بالرئيس الإيراني. إيران لديها مصالحها واستراتيجياتها، وقد يكون التصعيد الحوثي جزءًا من تنسيق أوسع معها".

وأكد أن "إسرائيل يجب أن تدرك أن استمرار عدوانها دون دفع الثمن لم يعد ممكنًا، وها هي بوادر هذا الثمن بدأت بالظهور مع التحرك الحوثي".

وذكر أن "الحوثيين يمتلكون قدرات عسكرية تؤهلهم لمواصلة الضغط، كما أن لديهم مصلحة مباشرة في هذا التصعيد، خصوصًا في ظل تعقيدات المشهد اليمني الداخلي والتدخلات الخارجية ضدهم".

وبين أن "ما يهم المقاومة في غزة أن هذا التطور يمثل قيمة عسكرية كبيرة يمكن لحماس استثمارها لتعزيز موقفها التفاوضي، خاصة مع انفتاح قنوات التواصل مع الولايات المتحدة". 

وختم بالقول: "ربط هذا المشهد بالملف الإنساني في غزة يضيف بعدًا آخر للضغط على إسرائيل، إذ لا يمكن القبول باستمرار الحصار ومنع وصول الغذاء والدواء دون رد فعل دولي حقيقي".

رؤية إستراتيجية عميقة

وقال المحلل السياسي حازم عياد: "إن إعلان حركة أنصار الله عن استئناف عملياتها العسكرية في البحر الأحمر يعد خطوة جادة للغاية؛ فقد أثبتت الحركة أكثر من مرة أن أقوالها تتطابق مع أفعالها، وأنها تواصل استثمار كامل إمكاناتها لتحقيق أهدافها المعلنة، التي تسبقها دوماً بتحذيرات".

وأضاف عياد في حديثه لـ "قدس برس" أن الحركة "تهدف من خلال هذا الإعلان إلى منح شرعية لتحركاتها العسكرية في البحر الأحمر خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن التحذير الذي أطلقته يتماشى مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهذا يعكس أن لحركة "أنصار الله" رؤية استراتيجية عميقة في التعامل مع الوضع الراهن".

وتابع عياد قائلاً: "أعتقد أن دعم حركة أنصار الله للشعب الفلسطيني يأخذ منحى جديداً، وهو يلقى ترحيباً واسعاً بين حركة حماس والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة؛ من المؤكد أن هذه التحركات سيكون لها تأثير كبير في الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لفتح قنوات لإدخال المساعدات وتخفيف الحصار المفروض على القطاع".

وأشار إلى أن "هذه الدعوة تعتبر جدية للغاية، وأن احتمالية استئناف العمليات العسكرية عالية جداً، خصوصاً بعد أن تمكنت الحركة قبل أيام من إسقاط طائرة مسيرة من طراز MQ-9 أمريكية كانت تنفذ عمليات في منطقة الحديدة".

وأكد عياد أن "الحوثيين جادون في تنفيذ تهديداتهم، وأنهم سيواصلون الضغط على أمريكا وإسرائيل ما لم يُرفع الحصار عن قطاع غزة ويتوقف التجويع الذي يتعرض له".

وتطرق عياد إلى تأثير هذه الخطوات على الشركات الدولية العاملة في مجال الشحن، قائلاً: "إن هذه التحركات ستربك الشركات الكبرى التي تشارك في عمليات النقل عبر البحر الأحمر، وهو ما سيؤدي إلى ضغط حقيقي على الولايات المتحدة وإسرائيل لتغيير سياستهما تجاه الشعب الفلسطيني، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع".

واختتم عياد بالقول: "الأمر لا يقتصر على الضغط على أمريكا فقط، بل يشمل جميع الأطراف المعنية بعمليات النقل عبر البحر الأحمر، مثل شركات النقل وشركات التأمين المرتبطة بها" مضيفاً أن التصريحات الأخيرة لعبد الملك الحوثي تحمل رسائل واضحة ودائمة للشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه تمثل ضغطاً متواصلاً على الجانب الأمريكي.

الورقة الرابحة

من جهته، أكد الباحث اليمني أنيس منصور أن تهديد الحوثيين لـ"إسرائيل" يعكس تحولهم إلى الورقة الرابحة لمحور المقاومة في المنطقة.
وقال في حديثه لـ"قدس برس" إن "جماعة أنصار الله، أو سلطة صنعاء، أصبحت اليوم الفاعل الأبرز في المواجهة، حيث تمتلك القدرات والخيارات اللازمة للرد والتصعيد

وأوضح أن "هذا التهديد ليس مجرد رسالة يمنية، بل هو قبل كل شيء رسالة إيرانية تعكس رغبة طهران في إثبات حضورها وقوتها، بعد محاولات الغرب ومحور التطبيع تصويرها بأنها في حالة ضعف، خاصة بعد التطورات في سوريا ولبنان؛ إيران تريد أن تؤكد أن محور المقاومة لا يزال قويًا، وأن اليمن بات جزءًا رئيسيًا من هذه المعادلة".

وأضاف منصور أن "الخيار الأخير المطروح حتى الآن يركز على البحر الأحمر، حيث منح الحوثيون إسرائيل مهلة أربعة أيام، لكن لم يتم الكشف صراحةً عن نية استهداف تل أبيب بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة؛ ومع ذلك، فإن جميع الخيارات مفتوحة، إذ يمتلك الحوثيون عوامل قوة كبيرة تجعل من أي سيناريو أمرًا واردًا".

وأشار إلى أن "الحوثيين، الذين كان يُنظر إليهم سابقًا كمجموعة مسلحة محلية، تحولوا اليوم إلى تهديد استراتيجي صعب المواجهة، رغم انتشار القواعد العسكرية والأساطيل الضخمة في المنطقة، لقد فرضوا معادلة جديدة باستخدام مزيج من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، والطائرات المسيّرة، والغواصات المسيرة، وأدوات الحرب الإلكترونية، مما أدى إلى تعطيل حركة التجارة ورفع التكلفة التشغيلية للبحرية الأمريكية وحلفائها".

وأضاف أن "الولايات المتحدة اضطرت لاتخاذ تدابير دفاعية مكلفة، لكنها لم تتمكن من إيجاد حل حاسم لمواجهة الحوثيين، ما يفرض ضغطًا متزايدًا على البحرية الأمريكية. الفارق بين تكاليف الدفاع عن السفن وتكاليف الهجوم الحوثي يعكس معادلة غير متكافئة، حيث تتكبد واشنطن وحلفاؤها أعباءً ضخمة في سبيل التصدي لهذه التهديدات".

وختم منصور بالإشارة إلى أن "هناك حالة من الانقسام والارتباك في كيفية تعامل إسرائيل والولايات المتحدة مع الحوثيين، بسبب البعد الجغرافي وعدم توفر معلومات كافية عن اليمن، فضلًا عن غياب الحلفاء الحقيقيين في الداخل اليمني. في ظل هذه الظروف، تمكن الحوثيون من فرض هيمنتهم، ليصبحوا لاعبًا رئيسيًا في المعادلة الإقليمية".

 

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الصحة العالمية: النظام الصحي في غزة وصل إلى "حافة الانهيار"
يونيو 17, 2025
حذّرت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، من أن النظام الصحي في قطاع غزة يواجه خطر الانهيار الكامل، داعية إلى السماح العاجل بإدخال الوقود لتشغيل المستشفيات المتبقية في القطاع المحاصر. وقال ممثل المنظمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريك بيبركورن، إن الوقود لم يدخل غزة منذ أكثر من 100 يوم. وأضاف: "جرت محاولات لإدخال مخزونات من مناطق الإخلاء،
مراقب: واشنطن دخلت المواجهة مع إيران.. ومرحلة ما بعد "الطوفان" تستدعي الحسم
يونيو 17, 2025
منذ عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، بات الشرق الأوسط على صفيح ساخن، ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وتوسّع الاشتباك في الجبهات الإقليمية، بدأت تتبلور معادلة جديدة تشير إلى دخول الولايات المتحدة في قلب المعركة، لا كراعٍ لـ"إسرائيل" فقط، بل كطرف مباشر في ميدان المواجهة. وبينما تتصاعد المؤشرات على استهداف منظّم لمحور المقاومة، يرى
غزة.. المقاومة الفلسطينية تعلن عن أبرز عملياتها الأخيرة ضد الاحتلال
يونيو 17, 2025
أعلنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة اليوم الثلاثاء عن عمليتين جديدتين جنوبي قطاع غزة نفذتهما أمس الاثنين ضد قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أقر بمقتل جندي وإصابة آخرين. وقالت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" إنها دمرت أمس الاثنين في عملية مشتركة مع "سرايا القدس" الجناح العسكري لـ"حركة الجهاد الإسلامي"، ناقلتي جند بعبوتي شواظ في
إيران تطلق الموجة العاشرة من عملية "الوعد الصادق 3"
يونيو 17, 2025
ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية (مقربة من الحكومة)، اليوم الثلاثاء، أن "الحرس الثوري" (أحد فروع القوات المسلحة الإيرانية) أطلق موجة جديدة من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وأعلن الجيش الإيراني أن "شبكة الدفاع الجوي رصدت ودمرت خلال الـ24 ساعة الماضية 28 هدفا معاديا، وأسقط طائرة تجسس من نوع هيرمس". وكان التلفزيون الرسمي الإيراني، أعلن
هل تستغل "إسرائيل" عدوانها على إيران لفرض وقائع جديدة في "الأقصى"؟
يونيو 17, 2025
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي خطواتها التصعيدية تجاه المسجد الأقصى، مستغلة انشغال المنطقة بالمواجهة التي افتعلتها مع إيران، لفرض مزيد من السيطرة على أحد أقدس المقدسات الإسلامية. الإغلاق المستمر لأبواب المسجد لليوم الخامس على التوالي لم يعد إجراءً أمنيًا عابرًا، بل أصبح عنوانًا لسياسة ممنهجة تهدف إلى تكريس "السيادة الإسرائيلية" على الحرم الشريف، وتغيير الواقع القائم
الأورومتوسطي: "مؤسسة غزة الإنسانية" شريك مباشر في جرائم القتل والتجويع الإسرائيلية ويجب محاسبتها
يونيو 17, 2025
اتهم المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" بالتواطؤ المباشر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم قتل وتجويع ممنهج ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، داعيًا إلى فتح تحقيق دولي ومحاسبة القائمين على المؤسسة وكل من تورّط في تسهيل هذه الجرائم. وقال المرصد (حقوقي مقره جنيف)، في بيان صحافي، اليوم الثلاثاء، إن