تصريحات مبعوث ترامب عن "حماس".. رسائل ودلالات سياسية؟

أدلى مبعوث الرئيس الأمريكي لشؤون الأسرى، آدم بويلر، بتصريحات متتالية حول المحادثات السرية التي جمعته مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة، بهدف إتمام المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة والتوصل إلى صفقة تبادل للأسرى. ووصف بويلر وفد "حماس" المفاوض بأنهم "أشخاص ودودون وليسوا شياطين"، في تصريح أثار ردود فعل متباينة.
وأثارت هذه اللقاءات غضب الأوساط الإسرائيلية، التي رأت فيها "ضررًا على عودة الأسرى"، واتهمت الولايات المتحدة بالتحيز لصالح أسراها على حساب أسرى الاحتلال الإسرائيلي. وأدى ذلك إلى فتح الباب أمام تحليلات سياسية حول تأثير هذه المحادثات على العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، خاصة في ظل عدم اطلاع الاحتلال على تفاصيلها.
كيف نقرأ هذه التصريحات؟
أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي، بدر الماضي، في حديث لـ"قدس برس"، أن التصريحات الأمريكية يجب أن تُقرأ في سياق سعي واشنطن لانتزاع اتفاق من "حماس" بشأن الأسرى الأمريكيين المحتجزين لديها. وبيّن أن هذه اللقاءات تعكس ضرورة الانفتاح على عدة أطراف لضمان عدم احتكار الرواية من جهة واحدة.
وأوضح الماضي أن "حماس" قد تستفيد من هذه المحادثات لتحقيق اختراق سياسي، خاصة عبر تجاوز تعقيدات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو فيما يتعلق باتفاقية وقف إطلاق النار. واعتبر أن إنهاء ملف الأسرى الأمريكيين قد يشكّل ورقة ضغط مستقبلية في أي صفقة محتملة مع الاحتلال الإسرائيلي.
ما دلالة هذه المحادثات على حماس؟
رأى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، في حديث مع "قدس برس"، أن "حماس" لا تحتاج إلى إطراء مبعوث ترامب، رغم أهميته الرمزية، إذا لم يُترجم إلى خطوات عملية، مثل رفع اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، واعتماد رؤية جديدة أكثر واقعية في التعامل مع الحقائق على الأرض.
وأشار المدهون إلى أن الأولوية لدى واشنطن تتمثل في استعادة الأسرى الإسرائيليين من حملة الجنسية الأمريكية، بالإضافة إلى استرجاع جثامين مواطنين أمريكيين.
هل تشكل هذه الاجتماعات تحولًا في الواقع السياسي؟
أكد المدهون أن فتح قنوات اتصال بين "حماس" والإدارة الأمريكية يمثل تطورًا نوعيًا وسابقة سياسية تحمل دلالات مهمة على مستوى الصراع والمشهد الإقليمي. وذكّر بأن المشهد الأمريكي انتقل من فرض فيتو صارم على أي تواصل مباشر مع "حماس"، إلى إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين.
وأوضح أن هذه المحادثات تعكس فشل خيار القضاء على "حماس"، وتكرّس اعترافًا أمريكيًا ضمنيًا بعدم إمكانية إقصائها أو تجاوزها في أي حل مستقبلي. وأضاف أن هذا التحول يعكس رغبة واشنطن في تجنب استمرار الحرب أو تجددها، ما يدل على تغير في أولوياتها ورؤيتها للصراع.
وفي المقابل، رأى الدكتور بدر الماضي أن هذه الاجتماعات لا تشكّل تحولًا جوهريًا في الواقع السياسي، لكنها تُعد مؤشرًا إيجابيًا لأي حوارات مستقبلية تتعلق بوضع "حماس" أو غيرها من حركات المقاومة.
هل تقلق هذه المحادثات الاحتلال الإسرائيلي؟
استبعد الماضي أن تكون المحادثات الثنائية بين واشنطن و"حماس" قد جرت دون علم الاحتلال الإسرائيلي. وفسّر التصريحات الإسرائيلية التصعيدية بأنها موجهة بالأساس إلى الإعلام الأمريكي واللوبيات المؤثرة، بهدف ترسيخ صورة ذهنية لدى الرأي العام الأمريكي بأن التعامل مع "حماس" غير ممكن. واعتبر أن ما يجري اليوم هو مجرد مرحلة انتقالية محدودة، لن تشكّل قاعدة لعلاقة مستقبلية دائمة بين "حماس" والولايات المتحدة.
وذكر المدهون أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى بكل الوسائل إلى عرقلة هذه الحوارات، سواء من خلال الضغوط السياسية أو عبر تشويه صورة "حماس" ودفع الإدارة الأمريكية للتراجع عن هذه اللقاءات. وأضاف أن إدارة ترامب، بخلاف إدارة بايدن، بدت أكثر استقلالية، ولم تبدِ اهتمامًا كبيرًا بالموقف الإسرائيلي في هذا السياق.
كيف تنظر السلطة الفلسطينية إلى هذه المحادثات؟
اعتبر المدهون أن السلطة الفلسطينية لا تبدي قلقًا واضحًا إزاء المحادثات بين "حماس" وواشنطن، وترى فيها لقاءً ذا طابع فني أكثر منه سياسي.
من جانبه، أكد الماضي أن هذا التواصل يجب فهمه في إطار محدودية قضية الأسرى، مستبعدًا أن يؤدي إلى إعادة إنتاج دور "حماس" على حساب السلطة الفلسطينية، خاصة في ظل تعارض ذلك مع مصالح العديد من الأطراف الإقليمية. لكنه أشار إلى أن هذه المحادثات قد تشكل عامل ضغط على السلطة، مما قد يدفعها إلى تعديل سياساتها تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.