"فتح" تتهم "حماس" بالتخابر مع جهات أجنبية.. غيرة سياسية أم مخاوف من تهميش دور السلطة؟!

اتهمت حركة "التحرير الوطني الفلسطيني - فتح"، في بيان أصدرته الثلاثاء، غريمتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بـ"التخابر مع أطراف أجنبية دون تفويض وطني".
وجاءت تلك الاتهامات على خلفية المحادثات الثنائية التي جرت في الدوحة بين "حماس" وأمريكا، لإتمام المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى الأميركيين لدى الحركة. ووصف بيان "فتح" تلك المحادثات بـ"اللاوطنية"، معتبرًا أنها تتضمن تنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الحسين" الأردنية، حسن الدعجة، أن "بيان حركة فتح يأتي في سياق التوتر المستمر مع حركة حماس، ويعكس مخاوف السلطة الوطنية الفلسطينية من أن تؤدي هذه اللقاءات إلى تهميش دورها القيادي وتقويض مكانتها كممثل شرعي للقضية الفلسطينية".
واعتبر الدعجة، في حديث لـ"قدس برس"، أن "البيان يأتي كمحاولة لقطع الطريق أمام أي دور لحركة حماس في المفاوضات المستقبلية، فضلًا عن كونه وسيلة للضغط عليها داخليًا"، مضيفًا أن "الاتهامات تعكس مدى القلق الذي يساور السلطة من تغيير قواعد اللعبة السياسية في ظل التطورات الإقليمية والدولية، خاصة مع وجود تحركات لإعادة رسم خريطة التمثيل الفلسطيني في المرحلة المقبلة"، وفق ما يرى.
أما عن اتهام حركة حماس بالتخابر، فأشار الدعجة إلى أن "هذه التصريحات تأتي ضمن خطاب سياسي تقليدي في الصراع بين الطرفين، حيث تستخدم كل جهة اتهامات مشددة بحق الأخرى لتعزيز شرعيتها الشعبية والسياسية".
اتهامات غير منطقية
من جانبه، يرى الكاتب الصحفي الأردني ماهر أبو طير أن الاتهامات التي وجهتها الرئاسة الفلسطينية لحركة حماس "باطلة وجائرة وغير منطقية"، لعدة اعتبارات، منها أن حركة "فتح" أجرت، قبيل اتفاقية أوسلو، اتصالات سرية مع الإدارة الأميركية والإسرائيلية وجهات دولية، أفضت إلى توقيع الاتفاقية وإحداث تغييرات جوهرية سلبية على صعيد القضية الفلسطينية.
ولفت أبو طير، في حديث مع "قدس برس"، إلى أن "التواصل الذي قامت به حركة فتح لم يتمحور حول فكرة أو موضوع محدد كما يجري في محادثات الدوحة وملف الأسرى الإسرائيليين والأميركيين"، مؤكدًا أن "هذه الاتهامات تعزز الانقسام الداخلي في ظل الوضع المأساوي الذي يعاني منه أهل القطاع، الذين هم بأمس الحاجة إلى التضامن وليس إلى زيادة الانشقاق داخل الصف الفلسطيني".
غيرةٌ سياسيةٌ
يقول المحلل السياسي الأردني، بسام بدارين، إن "بيان حركة فتح يأتي في ظل حالة العجز التي انغمست بها مؤسسات السلطة الفلسطينية وقيادة حركة فتح"، واصفًا الخطاب بـ"السطحي والسخيف في التعامل مع حرب عدوانية شرسة يشنها العدو الإسرائيلي على قطاع غزة"، عدا عن كونه "لا يحمل أي معنى ولا ينسجم مع القانون، ولا يليق بتاريخ وعراقة حركة فتح".
ويقرأ بدارين، في حديث مع "قدس برس"، تصريحات حركة فتح على أنها "غيرة سياسية من حصول جولة مفاوضات بين الإدارة الأميركية وحركة حماس، رغم أنها لم تفضِ إلى شيء على أرض الواقع، عدا عن كونها محاولة استنجاد باليمين الإسرائيلي المتطرف للضغط على الأميركيين لإيقاف الحوار مع حركة حماس، حيث تريد السلطة أن تقول للإسرائيليين: نحن معكم في خط واحد ضد هذا الحوار".
السلطة قلقة من تهميش دورها
يقول بدارين إن "اللقاءات الثنائية التي جمعت حركة حماس والولايات المتحدة شكلت مصدر قلق للسلطة الفلسطينية، لعدم وجود اتصال مباشر بينها وبين إدارة ترامب، سوى اتصال يتيم لم يكتمل، أجراه مسعد بولس، أحد مستشاري ترامب، في بداية الحملة الانتخابية، رافقه وقف للدعم المالي الموجه للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة والعديد من المشاريع الممولة أميركيًا، مما زاد من مخاوف تهميش دور السلطة والتوجه إلى حركة حماس".
وأوضح أن "الإدارة الأميركية غير معنية الآن بالتفاوض مع السلطة الفلسطينية، لكونها شبه عاجزة ومشلولة، وتقوم بدور الوكيل الأمني فقط".
وأكد بدارين أن "اتهام السلطة لحركة حماس بإجهاض ما سمّته المشروع الوطني الفلسطيني ليس واقعيًا، لعدم وجود مبادرات سياسية فلسطينية أصلًا في الساحة السياسية".
من جانبه، أوضح أبو طير أن "السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لا يريدان فتح مدارات محددة بين حركة حماس وواشنطن قد تؤدي إلى تفاهمات طويلة المدى أو إعادة تعريف حركة حماس وتغيير تصنيفها كمنظمة إرهابية، وليس هذا ببعيد عن الولايات المتحدة التي سبق أن غيرت تصنيف حركة فتح وطالبان والإدارة السورية عن التصنيف الإرهابي".
وأشار إلى أن "تخوفات السلطة تشمل التوصل إلى تسوية سياسية لوقف الحرب في غزة، وحدوث تغييرات داخل الهياكل الحاكمة في غزة والضفة".
كواليس اللقاءات السرية
وكشفت مصادر صحفية مطلعة لـ"قدس برس"، السبت (8 آذار/مارس الجاري)، أن "أربعة لقاءات مباشرة عُقدت بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الدوحة الأسبوع الماضي، حيث طلب الجانب الأميركي صفقة منفصلة (جزئية) بالإفراج عن جندي حي يحمل الجنسية الأميركية وأربعة جثامين".
وأشارت المصادر إلى أن "حركة حماس وافقت على الصفقة، وطلبت مقابلها إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين، ووافق الجانب الأميركي على الإفراج عن 250 أسيرًا، بينهم 100 من المحكوم عليهم بالمؤبد، والباقي من ذوي الأحكام العالية".
وأكّدت أن "قوات الاحتلال اعترضت على 50 اسمًا من المحكومين بالمؤبد، في حين وافقت (حماس) على الاعتراض على 10 أسماء بحد أقصى".
وفي اللقاء الرابع، تراجع المسؤول الأميركي، مدعيًا أن "الرئيس دونالد ترامب يريد الإفراج عن الأسرى حاملي الجنسية الأميركية دون مقابل"، وهنا، وفق المصادر، انفضّ اللقاء دون إتمام الصفقة.