السويداء بين الانقسام الداخلي والتدخلات الخارجية.. هل تنجح "إسرائيل" في اختراق الجبل؟

تشهد مدينة السويداء السورية (100 كلم جنوب دمشق) حالة من الانقسام السياسي والمجتمعي، تعكس جزءًا من تعقيدات المشهد السوري عامةً والدرزي خاصةً. وبرز هذا الانقسام بوضوح مع زيارة وفد من دروز سوريا إلى دولة الاحتلال ولقائهم بالدروز هناك.
وتتباين المواقف بين التيارات الوطنية الرافضة للتدخل الإسرائيلي، والتيارات التي تميل للتقارب مع الاحتلال، حيث تستغل "تل أبيب" التدهور الاقتصادي في المنطقة لتحقيق مشروعها الاستراتيجي في جنوب سوريا. في المقابل، ظهرت أصوات تدعو إلى الابتعاد عن دمشق والعمل لمصلحة الطائفة الدرزية، كما صرح بذلك حكمت الهجري، شيخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء.
وعبر اليوم الجمعة وفد درزي يضم نحو 60 رجل دين، بقيادة شيخ عقل الطائفة حكمت الهجري، من الجولان السوري إلى فلسطين المحتلة، حيث التقى بنظرائه الدروز في "إسرائيل"، وسط تسهيلات من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
الطوق الدرزي
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الشمال بإدلب، الدكتور كمال عبدو، أن رفض الشيخ الهجري التوقيع على الإعلان الدستوري وعدم التوافق مع الحكومة كان متوقعًا، مشيرًا إلى أن التاريخ الدرزي شهد دائمًا تيارين: الأول وطني يميل إلى التعاون مع دمشق باعتبار السويداء جزءًا لا يتجزأ من سوريا، والثاني يتجه نحو إسرائيل.
ولفت عبدو، في حديث مع "قدس برس"، إلى أن هذا الانقسام ليس جديدًا، إذ يعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، غير أن التيار الوطني الدرزي ظل هو الغالب عبر التاريخ. وأضاف أن غياب موقف موحد في السويداء يرتبط بجذور عائلية ومناطقية، موضحًا أن التنوع في المواقف أمر طبيعي في ظل الفراغ السياسي.
أما عن الدور الإسرائيلي، فأكد عبدو أن "تل أبيب" تقف خلف تصريحات شيخ عقل الطائفة الدرزية، مستشهدًا بمشروعها القديم في الجنوب السوري، الذي يهدف إلى تفريغ المنطقة من السلاح ومنع الجيش السوري من بناء ثكنات عسكرية، وصولًا إلى إقامة منطقة نفوذ إسرائيلية تمتد بعمق 65 كيلومترًا، وربما تصل إلى طريق دمشق - السويداء.
واستبعد عبدو حدوث اجتياح عسكري مباشر، معتبرًا أن مثل هذه الخطوة تتعارض مع سياسات الولايات المتحدة، خاصة في ظل توجهات إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، التي رفضت التورط في حروب جديدة.
وأشار الأكاديمي السوري إلى أن إسرائيل تعتمد على تحريض الدروز في المنطقة، وتسعى إلى خلق "كانتون درزي" أو ما يُعرف بـ "الطوق الدرزي"، وهو مشروع إسرائيلي قديم. وأوضح أن تقديم المساعدات الإسرائيلية والإعلان عن فرص عمل في السويداء ليس سوى وسيلة لاستغلال الأزمة الاقتصادية، خاصة أن المنطقة تعاني من الفقر وتفتقر إلى الصناعة والتجارة والمعابر الحدودية.
ووصف عبدو زيارة الهجري إلى فلسطين المحتلة على رأس وفد درزي كبير بأنها "وصمة عار في تاريخ الدروز وخيانة للوطن"، مؤكدًا أن مواجهة هذا المخطط تتطلب تعاونًا بين الفصائل الوطنية في السويداء.
صراع داخلي
من جانبه، يقرأ الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، المشهد من زاوية مختلفة، معتبرًا أنه نزاع داخلي بين القوى السياسية والمجتمعية في السويداء، في ظل تنافس على الزعامة والسلطة، واستقواء بعض القوى، مثل الهجري والمجلس العسكري، بإسرائيل.
ويؤكد علوان، في حديث مع "قدس برس"، أن تل أبيب تستغل هذا التنافس لتعميق الانقسام داخل السويداء، مشيرًا إلى أن "المجتمع في السويداء بأغلبيته يرفض التعاون مع إسرائيل، لكن النزاع الداخلي أوجد ثغرة تستثمرها تل أبيب لتعزيز الشرخ المجتمعي".
وأوضح علوان أن إسرائيل تدعم موقف الهجري سياسيًا واقتصاديًا، مما يزيد من حدة الانقسام الداخلي، مضيفًا أن "المساعدات الإسرائيلية وفرص العمل المعلنة ليست سوى أدوات لتعزيز الانقسام وزعزعة الاستقرار".
وحول موقف دمشق والرئيس السوري، يرى علوان أن "الرئيس أحمد الشرع مطمئن لوجود قاعدة شعبية واسعة ترفض التدخل الإسرائيلي"، لكنه حذر من أن "إسرائيل تمتلك أدوات ضغط وتسعى للبحث عن ذريعة لتعزيز وجودها في الجنوب".
وأكد أن مواجهة هذا الانقسام والتحديات التي قد تنجم عنه تتطلب تحرك الفاعلين المجتمعيين في السويداء لقطع الطريق على محاولات إسرائيل فرض واقع جديد.
ويبقى مشهد السويداء معقدًا ومفتوحًا على احتمالات خطيرة. وبينما تسعى إسرائيل لاستغلال الفقر والانقسام لتعزيز نفوذها وتحقيق مشروع "الطوق الدرزي"، يظل الرهان على القوى الوطنية والمجتمعية في السويداء للحفاظ على وحدة الجبل والتصدي للمخططات الإسرائيلية.