مع عودة العدوان على قطاع غزة…ما هي أبرز التداعيات السياسية دوليا؟

أكد الباحث في الشأن الدولي، الكاتب الليبي إدريس أحميد، أن الصراع الفلسطيني يتأثر بشكل كبير بالمواقف الإقليمية والدولية، حيث تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية في تحديد مسارات التصعيد أو التهدئة.
وأوضح أحميد في حديث خاص لـ"قدس برس"، اليوم الجمعة، أن الحرب الجارية كشفت عن أبعاد التأثيرات الخارجية وفق عدة محاور رئيسية.
الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال
وأشار أحميد إلى أن "الولايات المتحدة تبقى الداعم الأكبر لـ"إسرائيل"، رغم اختلاف درجة الانخراط بين الإدارات المتعاقبة".
وأوضح أن "إدارة بايدن قدمت دعما سياسيا وعسكريا غير محدود للكيان، رغم محاولاتها الظاهرية للمطالبة بالتهدئة خلال عملية "طوفان الأقصى".
وأضاف أن إدارة ترامب "تبنت سياسات أكثر صراحة في دعمها للكيان، بدءا من الاعتراف بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى إعطاء الضوء الأخضر لسياسات التوسع الاستيطاني".
كما لفت إلى أن "تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية الثانية، التي تضمنت تهديدات مباشرة للمقاومة الفلسطينية ومقترحات بتهجير سكان غزة، عكست تجاهلا للمواقف العربية والقرارات الدولية، مما أدى إلى تصعيد خطير في الموقف".
مصر وقطر.. أدوار الوساطة وضغوط السياسة
وأوضح الباحث أن "مصر وقطر تلعبان دور الوساطة بين الفصائل الفلسطينية والكيان".
وذكر أن "القاهرة تبذل جهودا دبلوماسية مكثفة لوقف التصعيد، مع رفضها القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين، باعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي المصري"
أما الدوحة، فأكد أنها "تستخدم نفوذها من خلال دعم حركة "حماس" وتمويل مشاريع إنسانية في غزة، مما يمنحها دورا أساسيا في جهود التهدئة، لكنه يضعها أيضا تحت ضغوط سياسية متزايدة".
إيران وحلفاؤها.. حسابات معقدة في ظل التصعيد
وأشار الباحث إلى أن "إيران تقدم دعما عسكريا ولوجستيا للمقاومة الفلسطينية، لكنها تواجه تحديات كبيرة في ظل الحرب".
وأوضح أن "حزب الله تعرض لضربات قوية وخسر عددا من قادته، مما زاد من المعارضة الداخلية لسياسته في لبنان، كما لفت إلى أن تراجع النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط بشار الأسد وخروج القوات الإيرانية جزئيا أدى إلى إضعاف محور المقاومة وفقدانه أوراق ضغط مهمة".
وفيما يتعلق بحركة "أنصار الله"، أكد الباحث أن "استهدافها المستمر للسفن الأمريكية والإسرائيلية لم يحقق تأثيرا استراتيجيا حاسما، لكنه زاد من احتمالات تصعيد المواجهة في المنطقة".
دول الخليج وتركيا.. مواقف حذرة ومصالح متشابكة
كما أكد أن "بعض دول الخليج، التي اتجهت نحو التطبيع مع إسرائيل، اضطرت إلى اتخاذ مواقف أكثر حذرا خلال الحرب، حيث تطالب بوقف العمليات العسكرية دون ممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب", مشيراً إلى أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد يضع هذه الدول تحت ضغوط أمريكية متزايدة، ما سيحد من قدرتها على المناورة في الملف الفلسطيني".
أما تركيا، فأوضح أنها "تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين علاقتها مع الكيان ودعمها للفلسطينيين، حيث تلعب دورا دبلوماسيا في الضغط من أجل وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، دون اتخاذ موقف عدائي مباشر ضد تل أبيب".
الاتحاد الأوروبي.. مواقف متباينة وتأثير محدود
كما أشار إلى أن "موقف الاتحاد الأوروبي ينقسم بين دعم "إسرائيل" وانتقاد جرائم الحرب، لكنه لا يمتلك أدوات ضغط قوية لتغيير مسار الصراع".
كما لفت إلى أن "الخلافات الأوروبية مع إدارة ترامب في ملفات مثل أوكرانيا، حلف الناتو، والعلاقات التجارية ستحد من تأثيره في الملف الفلسطيني".
روسيا والصين.. تأييد سياسي دون نفوذ حقيقي
فيما أكد الباحث أن "موسكو وبكين تتبنيان موقفًا داعمًا لحل سياسي متوازن، مع انتقادات واضحة للسياسات الإسرائيلية، لكن تأثيرهما المباشر على الصراع يظل محدودًا مقارنة بالنفوذ الأمريكي".
الأمم المتحدة.. تراجع الدور في ظل الفيتو الأمريكي
كما أوضح الباحث أن "الأمم المتحدة تواجه تحديات كبرى تمس من دورها، حيث بات صوتها غير مسموع، في ظل استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو لصالح "إسرائيل".
وأشار إلى "تصريحات الأمين العام أنطونيو غوتيريش، التي أكد فيها أن (إسرائيل) لا تعترف بقرارات المنظمة، بينما يتعرض موظفوها للقتل في الأراضي الفلسطينية".
تأثير الحرب على فرص التهدئة والتسوية السياسية
كما أكد أن "الحرب تعزز الروايات المتطرفة وتجعل العودة إلى طاولة المفاوضات أكثر صعوبة، مضيفاً أن حكومة نتنياهو المتطرفة تعتمد على استمرار الحرب لضمان بقائها في السلطة، مما يجعل وقف إطلاق النار غير مستدام".
وأشار إلى أن "الخلافات الداخلية في (إسرائيل)، خاصة بين قادة الجيش ورئيس جهاز الشاباك، تعكس أزمة عميقة في القيادة الإسرائيلية، مما يزيد من تعقيد المشهد".
الضغوط الدولية والرهانات الصعبة للتهدئة
ولفت إلى أن "تزايد الخسائر الإنسانية يرفع من حدة الضغوط الدولية لإجبار الأطراف على وقف إطلاق النار، لكنه شدد على أن هذه الضغوط تصطدم بالدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، مما يجعل أي مبادرة سلام تواجه عراقيل كبيرة".
إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية
وأكد أن "الحرب قد تدفع بعض الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها مع (إسرائيل)، مما قد يؤثر على التوازنات الإقليمية، لكنه أشار إلى أن الانقسامات العربية تمنح إسرائيل فرصة للاستفراد بكل دولة على حدة، مما يعزز من هيمنتها على المنطقة".
واختتم حديثه بالتأكيد على "أن "إسرائيل" تمضي في تنفيذ مخططاتها مستغلة حالة الوهن العربي وانشغال كل دولة بمشكلاتها الداخلية، ورغم الصمود الفلسطيني، فإن غياب الدعم العربي الفعلي يجعل المقاومة في مواجهة مفتوحة مع قوة عسكرية مدعومة دوليًا".
ورأى أن "الشعب الفلسطيني، رغم التحديات، يواصل نضاله في معركة وجودية يدرك أنها طويلة ومكلفة، لكنها ليست مستحيلة".