تقرير: تكرار اقتحامات الاحتلال لبلدات الضفة الغربية محاولة لفرض السيطرة عليها

منذ أشهر طويلة، باتت قوات الاحتلال الإسرائيلي تتبع سياسة جديدة، تتمثل بتنفيذ عمليات عسكرية موسعة في البلدات والقرى المصنفة حسب اتفاقية "أوسلو" تحت بند (ب) وتتبع إدارياً للسلطة الفلسطينية، تشمل اقتحامها بمشاركة المئات من الجنود وانتشارهم في الشوارع والأزقة ومداهمة المنازل والعبث بمحتوياتها وإجراء تحقيق مع الأهالي، وشن حملات اعتقال موسعة في صفوف السكان.
وقال الناشط السياسي محمود الصيفي لـ"قدس برس"، بأن عمليات الاحتلال في بعض البلدات تستمر عدة ساعات، لكنها قد تتواصل ليوم أو يومين في مناطق أحرى، دون اتضاح السبب وراء تلك العمليات العدوانية، "ما يترك الناس في حيرة من أمرهم، ويجعلهم يتقبلون وجود الاحتلال بينهم، في صورة مشابهة للمرحلة التي سبقت اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987".
ويضاف الصيفي: "قد تكون العمليات مجرد تدريبات لوحدات جديدة في جيش الاحتلال على اقتحام المناطق المأهولة والتعامل مع السكان، تحضيرا لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، ولكن يمكن فهمها على أنها محاولات ردع استباقي للفلسطينيين في حال تعرضوا للمستوطنين أو عمد الشبان إلى رشق الحجارة على مركباتهم خلال مرورهم بالقرب من قراهم أو الطرق الالتفافية والخارجية".
الصيفي والذي يقطن بلدة "بيت فوريك" شرق نابلس، يضرب مثالا على بلدته التي تتعرض بشكل دائم لاقتحام الاحتلال والتنكيل بالأهالي وإطلاق الرصاص عليهم ومداهمة بيوتهم والتحقيق معهم، مشيرا إلى أنه لا يوجد أي مبرر لمثل تلك الاقتحامات، إلا التنكيل بالمواطنين من قبل الاحتلال وإلحاق أكبر أذى بهم، وهو ما يتمثل بأطلاق الرصاص تجاه الشبان وقتل وجرح عددا منهم، إضافة لحملات الاعتقال الجماعية، ونقل المعتقلين إلى ساحة عامة في الليل القارص والتحقيق معهم، وهو ما يتخلله ضرب وتنكيل".
ويلفت إلى أن الاحتلال يمكث عدة ساعات ومن ثم ينسحب، ليعاود الاقتحام بعدها بأيام قليلة ويكرر التجربة ذاتها.
والأمر ذاته تكرر قبل أيام قليلة في قرية "برقة" إلى الشمال من مدينة نابلس التي تتعرض بصورة شبه دائمة لعمليات عسكرية مباغتة.
وعن أخر اقتحام يقول الناشط فطين صلاح، إن قوات الاحتلال اقتحمت القرية، فجر الأربعاء الماضي، وأغلقت جميع مداخلها باستثناء مدخل واحد، ما أدى إلى عزلها تماماً عن محيطها، ثم شرعت بمداهمة المنازل واحدا تلو الأخر، وتحويل بعضها إلى مقرات وثكنات عسكرية، لإجراء تحقيقات ميدانية مع الأهالي.
القرية تأثرت بشكل كبير نتيجة ما يجري، حيث تتعطل الدراسة ولا يتمكن الغالبية العظمى من الأهالي من التوجه لأعمالهم. مشيرا إلى أن العدوان استمر لنحو 24 ساعة، وقد نتجت عنه مداهمة ما لا يقل عن خمسين منزلاً، وإخضاع العشرات من الشبان والرجال لتحقيق ميداني، كما تعرض آخرون لإصابات جسدية نتيجة الضرب المبرح خلال التحقيق، ما استدعى نقلهم للمستشفى.
ويؤكد صلاح أن ما يفعله الاحتلال يندرج ضمن سياسات ممنهجة تهدف إلى تكريس حالة من الردع والإرهاب النفسي ضد الفلسطينيين. وهو ما ظهر من خلال التهديد والوعيد الذي كان يوجهه الضباط للآباء والمعلمين من أن إقدام أبنائهم أو تلاميذهم على رشق آليات الاحتلال أو سيارات المستوطنين خلال مرورها بالقرب من القرية بالحجارة، سيكون عقابه عسيراً، على حد تعبيرهم.
المحلل السياسي محمد أبو رضوان يشير إلى أن الاحتلال يسعى من خلال هذه الاقتحامات إلى ترسيخ واقع جديد، يتمثل في جعل الفلسطيني يعيش تحت تهديد دائم، إذ يقوم الجيش الإسرائيلي بتحويل منازل الفلسطينيين إلى ثكنات عسكرية، ويقيد حرياتهم، ويشل حركة القرى والمدن بالكامل.
ويعرب أبو رضوان عن اعتقاده أن كثرة الاقتحامات اليومية تهدف إلى خلق صورة ذهنية لدى الفلسطينيين بأن الاحتلال حاضر في كل لحظة وفي أي مكان، سواء في المنازل أو الشوارع أو حتى المساجد والمدارس، قائلاً: "وصلنا إلى مرحلة من كثرة الاقتحامات بات الفلسطيني لا يكترث بها وكأنها جزء من حياته اليومية، وهذه السياسة لها تأثير عميق على نفسية الفلسطينيين، إذ أصبحت أولى خطواتهم عند الاستيقاظ من النوم هي التحقق من الأخبار المتعلقة بالاقتحامات والاعتقالات، ويقول: "باتت هذه الاقتحامات جزءاً من روتيننا اليومي الذي فرضه الاحتلال علينا".
ويشير إلى أن قوات الاحتلال توزع غالبا منشورات تهدد المواطنين بشكل مباشر، كما تعرض آخرون إلى تهديد شفهي مباشر. ويؤكد أن الاحتلال يتعمد سياسية الترهيب والتدمير والتخريب وبث الرعب في قلوب الصغار قبل الكبار، وذلك من أجل إرضاء مستوطني المستوطنات المقامة على أراضي المواطنين وتأمين هجماتهم على القرى والبلدات الفلسطينية.
ويضيف: "لا شك في أن الاحتلال يسعى لإرهاب الناس وتخويفهم، وإرسال رسالة لهم أننا قادرون على اقتحام أي منطقة وملاحقة أي مقاوم في كل مكان، ويريد الاحتلال فرض (ردع استباقي)، وتحذير الفلسطينيين من مجرد التفكير بمقارعة الجنود أو المستوطنين، والتعرض لهم خلال مرورهم بالقرب من المناطق الفلسطينية".
ويجدد التأكيد على أن هذه الاقتحامات ليست رد فعل بسيطاً على أحداث فردية، مثل رشق الحجارة على المستوطنين أو قوات الاحتلال، بل هي سياسة مقصودة تهدف إلى إيصال رسالة للمجتمع الفلسطيني، سواء في القرى الريفية أو المناطق المدنية، مفادها بأن حياة المستوطن الإسرائيلي أكثر أهمية من الفلسطيني بكل المقاييس. ويوضح أن الاحتلال يهدف إلى جعل هذه الانتهاكات تبدو وكأنها روتين يومي، حيث يتعمد الجيش أحياناً تنفيذ اقتحامات دون هدف واضح، مكتفياً بإظهار وجوده المستمر لفرض الهيمنة على الحياة اليومية للفلسطينيين.