تصعيد أمريكي مفاجئ ضد الكويت.. ابتزاز اقتصادي أم ضغوط تطبيعية؟

أثارت تصريحات وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك، موجة جدل واسعة في الكويت، بعدما هاجم سياسات البلاد التجارية واتهمها بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الأمريكية، مستحضرًا دور بلاده في حرب تحرير الكويت بعبارات حملت طابعًا تهديديًا.

هذه التصريحات لم تمر دون رد، إذ حذر خبراء، من أنها "تعكس تصعيدًا سياسيًا يستهدف الكويت، في سياق ضغوط أمريكية قد تتجاوز الملف الاقتصادي إلى مسارات أخرى، من بينها مساعي دمج الكويت تدريجيًا في مسارات إقليمية ذات طابع تطبيعي".

ونبه رئيس مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، عبدالعزيز العنجري، إلى "مؤشرات تصعيد علني داخل أوساط إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه الكويت، في ضوء التصريحات المثيرة للجدل التي أدلى بها وزير التجارة الأمريكي في تلك الإدارة، هوارد لوتنيك".

وقال العنجري في حديث لـ"قدس برس"، إن "لوتنيك زعم أن الولايات المتحدة أنفقت 100 مليار دولار لتحرير الكويت، رغم أن هذا الرقم مبالغ فيه وغير دقيق"، مشيرًا إلى أن "التقديرات الرسمية تضع كلفة حرب التحرير عند نحو 61 مليار دولار، تكفلت دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والكويت، بسداد نحو 54 مليارًا منها، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تتحمل سوى جزء بسيط من التكلفة الفعلية".

وأضاف أن الوزير الأمريكي "لم يكتفِ بهذا الادعاء، بل استخدمه كذريعة لشن هجوم مباشر على الكويت، متهمًا إياها بفرض “أعلى الرسوم الجمركية على المنتجات الأمريكية”، قبل أن يصف هذا التوجه بـ”الجنون”، ويستحضر دور بلاده في إطفاء آبار النفط الكويتية بعد الغزو، ليختم تصريحه بلهجة تهديدية قائلاً: “هذا يجب أن يتوقف”".

وأكد العنجري أن "هذه التصريحات لا يمكن التعامل معها على أنها رأي شخصي عابر أو تعليق أكاديمي، بل تعكس تصعيدًا سياسيًا ذا طابع رسمي، يُمهِّد لاحتمال إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية مع الكويت، كما سبق أن حدث مع دول مثل كندا والمكسيك ودول أوروبية خلال فترة ترامب".

وأشار إلى أن "تجاهل مثل هذا الخطاب لا يمثل حكمة سياسية في التعاطي مع تحولات السياسة الأمريكية، مضيفًا أن الوزير الأمريكي يخاطب الداخل الأمريكي ويهيئ الرأي العام لاتخاذ خطوات أشد، وربما لتمرير ضغوط اقتصادية على الكويت تحت غطاء “استحقاقات سابقة”".

كما نوّه العنجري من أن "استمرار الكويت في الرهان على استقرار علاقاتها مع واشنطن دون أدوات تأثير حقيقية سيُضعف موقفها"، لافتًا إلى أن "معظم دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، تمتلك قنوات ضغط ومجموعات تأثير نشطة في واشنطن، بينما تفتقر الكويت إلى حضور مماثل في مشهد صناعة القرار الأمريكي".

وفي سياق متصل، أشار العنجري إلى أن "جزءًا من هذا الضغط قد يرتبط بمحاولات دفع الكويت نحو تقارب غير مباشر مع إسرائيل، ليس بالضرورة عبر تطبيع علني مباشر، بل من خلال إدماج الكويت تدريجيًا في مسارات قانونية واقتصادية تُفرض تحت عناوين مثل الشراكة الإقليمية أو الاتفاقيات متعددة الأطراف".

ولفت إلى أن "هذا المسار يعكس توجّهًا أيديولوجيًا كذلك، خاصة أن الوزير الأمريكي ذاته يُعرف بمسلكه الصهيوني ودعمه العلني للمنظمات اليهودية الموالية لإسرائيل، ويُعد من كبار المتبرعين للمؤسسات التي تروّج لما تعتبره “استحقاقًا ومظلومية” لإسرائيل. وهذا يعزز من فرضية أن أحد أهداف هذه الضغوط قد يكون فتح ثغرات سياسية تُمهّد لتغيير تدريجي في الموقف الكويتي تجاه إسرائيل، ولو تحت ضغط المصالح الاقتصادية".

وأكد العنجري أن "السياسة الأمريكية الحالية تعتمد نهج “الضغط الأقصى” لتحقيق أهدافها، وأن على الحكومة الكويتية التحرك بسرعة لمراجعة سياساتها التحالفية والاقتصادية قبل أن تجد نفسها أمام ضغوط غير مسبوقة".

ودعا في ختام حديثه إلى "ضرورة الاستعانة بقيادات تفاوضية كويتية مخضرمة وذات كفاءة سياسية، تمتلك خبرة في لغة ومفاتيح المشهد الأمريكي، وتكون قادرة على إدارة نقاشات مباشرة دون وسطاء"، مشددًا على أن "غياب هذه الكوادر يعني خسارة فرص استراتيجية قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة لا يمكن احتواؤها بسهولة".

وتوحي بعض ردود الفعل الإسرائيلية، مثل تغريدة الباحث إيدي كوهين، بأن تصريحات العنجري لم تلقَ ارتياحًا لدى بعض الدوائر المؤيدة لإسرائيل. وقد عبّر كوهين عن ذلك في تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، مهددًا بقوله: "سيتم فتح ملفات الكويت قريبًا إن شاء الله. دولة اللانسانية".

من جانبه، قال الدبلوماسي الكويتي جمال النصافي، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "لم يتفرغ حتى الآن لمنطقتنا الخليجية ومصالحها الاستراتيجية فيها، رغم تلميحاته المتكررة بشأن إيران وإعلانه عزمه على إنهاء الملف الإيراني بأي وسيلة، حتى وإن استدعى الأمر اللجوء إلى العمل العسكري".

وأشار النصافي، في تغريدة عبر حسابه على منصة "إكس"، إلى أن "واشنطن ترى في إسرائيل شرطيًا يمكن تأهيله لضبط الأمن والاستقرار في المنطقة، خصوصًا بعد أدائها في غزة ولبنان وسوريا، مما يجعل التطبيع معها جزءًا من عملية ترتيب الأوراق في غزة".

وأضاف: "بالنسبة لترامب، فإن الخليج يمثل كنزًا يمكن استخراج ثرواته بسهولة ودون عناء أو حدود، إلا أن هذا لا ينفي احتمال ظهور وجهه الآخر، كما حدث مع زيلينسكي في المكتب البيضاوي، متى ما ترددت إحدى دولنا أو تلكأت في هذا الاستنزاف".

وفي سياق متصل، قال المحامي الكويتي محمد أبو رقبة، في تغريدة عبر "إكس"، إن "السياسة الأمريكية في عهد ترامب باتت واضحة تمامًا، إذ وضعت استحقاقات تستهدف الصناديق السيادية للدول ذات الملاءة المالية، في محاولة لتحميلها عبء معالجة الاختلالات الاقتصادية للحكومة الأمريكية".

من جهته، أكد الكاتب الاقتصادي الكويتي فهد الرقيب أن "الكويت لطالما تبنّت سياسة معتدلة قائمة على السلام والتعاون والالتزام بالاتفاقات الدولية، إلا أن هذه السياسة قد لا تكون كافية في ظل التحولات العالمية الحالية وزمن ترامب".

وأضاف، في تغريدة عبر "إكس": "علينا أن نعترف بأننا دولة متأثرة أكثر مما نحن مؤثرون، ما يستوجب توفير عنصر مهم بأسرع وقت ممكن، وهو رجال يمتلكون مواصفات استثنائية في المجالين السياسي والدبلوماسي، قادرون على تحييد أي مواقف سلبية تجاه الكويت، واستقطاب تحالفات وخلق فرص تحمي البلاد من قرارات قد تكون مزعجة ومكلفة".

أما الباحث عادل قبازرد، فقد رأى أن "الضغوط الأمريكية على الكويت لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد أيضًا إلى محاولة دفعها نحو التطبيع مع إسرائيل، وهو ما قوبل برفض قاطع من الحكومة والشعب الكويتي، حيث أكدت الكويت موقفها الثابت في دعم القضية الفلسطينية، ورفضت الانصياع للضغوط السياسية التي تمارسها إدارة ترامب بهذا الشأن".

من جانبه، اعتبر الباحث الاقتصادي محمد البغلي أن "تصريحات الوزير الأمريكي تحمل مغالطات سياسية وتاريخية واقتصادية، لكنها لا يمكن تجاهلها نظرًا لصدورها عن مسؤول رسمي في إدارة ترامب".

وأضاف، في تغريدة عبر "إكس": "أخشى أن الكويت تتعرض لحملة ابتزاز متصاعدة، والواجب—على الأقل—إغلاق أي ثغرات قد تُفتح علينا أبواب الشر. فنحن اليوم أمام تصريح رسمي، وليس مجرد تقرير منشور في مجلة عالمية".

ويشار إلى أنه لم يصدر أي تعليق رسمي من الحكومة الكويتية على تصريحات وزير التجارة الأمريكي.

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مخاوف إسرائيلية من إصدار محكمة "لاهاي" مذكرات اعتقال سرية بحق مسؤولين إسرائيليين
أبريل 29, 2025
أصدرت محكمة الجنايات الدولية في لاهاي (ICC) قرارا يقضي بمنع نشر أي إعلانات مستقبلية تتعلق بطلبات اعتقال جديدة ضمن ملفات المحكمة. وكُشف عن القرار الليلة الماضية (ليلة الثلاثاء) عبر صحيفة /غارديان/ البريطانية، وأثار قلقا متزايدا في دولة الاحتلال، من احتمال سعي المدعي كريم خان لإصدار أوامر سرية ضد مسؤولين إسرائيليين جدد دون علمهم، إلا عند
أردوغان: شأن غزة كـ"القدس الشرقية" والضفة ملك للشعب الفلسطيني وستبقى كذلك للأبد
أبريل 29, 2025
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن قطاع غزة، شأنه شأن "القدس الشرقية" والضفة الغربية، "ملك للشعب الفلسطيني" وسيظل كذلك إلى الأبد. جاء ذلك في خطاب له أمس الإثنين، عقب اجتماع للحكومة التركية انعقد برئاسته في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة. وقال أردوغان في هذا الخصوص: "غزة مثل القدس الشرقية والضفة الغربية ملك للشعب الفلسطيني وسيظل
"العفو الدولية": إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في قطاع غزة
أبريل 29, 2025
أكدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، أنييس كالامار، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في قطاع غزة.   وأضافت كالامار في تقرير لها، أن المنظمة وثقت الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.   وأوضحت أن نظام الفصل العنصري والاحتلال غير القانوني الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية
سقوط طائرة "إف-18" من حاملة طائرات أميركية "ناورت" ضربة للحوثيين بالبحر الأحمر
أبريل 28, 2025
أعلنت البحرية الأميركية، الاثنين، إصابة أحد بحاريها بجروح طفيفة، بسبب سقوط طائرة مقاتلة من طراز "إف-18" وقاطرتها من على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر. وقال مسؤول أميركي في تصريح نقلته عنه قناة /الجزيرة/ القطرية، إن "المقاتلة سقطت من على متن حاملة الطائرات أثناء مناورتها لتفادي نيران (الحوثيين)"، في حين أكدت البحرية الأميركية أن "جميع
أردوغان: غزة ملك للشعب الفلسطيني وستظل كذلك إلى الأبد
أبريل 28, 2025
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، إن "قطاع غزة شأنه شأن القدس والضفة الغربية، ملك للشعب الفلسطيني وسيظل كذلك إلى الأبد". وأضاف أردوغان في خطاب ألقاه عقب اجتماع للحكومة التركية، أن "غزة مثل القدس والضفة الغربية ملك للشعب الفلسطيني وسيظل إخواننا الغزيون يعيشون في الأرض التي ولدوا عليها إلى الأبد بإذن الله". وأوضح أنه
1.2 مليون طالب في غزة والضفة استفادوا من منصة التعليم الإلكتروني الأردنية
أبريل 28, 2025
استفاد مليون و200 ألف طالب في غزة والضفة الغربية، من خدمات منصة التعليم الإلكتروني الأردنية المجانية، التي تم تخصيصها للطلبة في فلسطين، منذ بداية العام الدراسي الحالي. وقال مدير عام "الشركة الأردنية لحلول التعليم الإلكتروني التفاعلي والمحتوى"، علاء جرار، إنه "تم تطوير منصة وتطبيق (وايز سكول)، في إطار جهود الأردن المستمرة لدعم صمود الشعب الفلسطيني،