التطبيع مع دمشق.. بين الواقع والرهانات الإسرائيلية

في ظل تصاعد الحديث عن التطبيع في المنطقة، أدلى المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بتصريح مثير، وصف فيه التطبيع بين إسرائيل وسوريا ولبنان بأنه "احتمال حقيقي"، مشيراً إلى أن رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران تمثل "فرصة لتسوية كل شيء" بين البلدين.
أثار هذا التصريح موجة من التحليلات حول ما إذا كانت دمشق ستسير في هذا المسار، خاصة في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري وازدياد التوترات في الجنوب السوري.
إسرائيل تسابق الزمن لترسيخ نفوذها
يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، ماهر جاويش، أن دولة الاحتلال تسعى إلى استغلال انشغال الإدارة السورية الجديدة بترتيب أوضاعها الداخلية لتفرض أمرًا واقعًا على الأرض. مشيراً إلى أنه منذ اللحظات الأولى لسقوط النظام السابق، سارعت إسرائيل إلى استهداف البُنى العسكرية والأمنية السورية التي قد تدعم لاحقاً أي مقاومة ضدها.
ويؤكد جاويش في تصريحات لـ "قدس برس" أن هذه التحركات تعكس قلقًا لدى "تل أبيب" من التوجهات المستقبلية للإدارة السورية الجديدة، مشيراً إلى أن "التصريحات الإسرائيلية الأخيرة، وخاصة تلك التي تناولت وضع جنوب سوريا والطائفة الدرزية، تكشف عن نوايا أبعد من مجرد تطبيع، إذ تسعى تل أبيب إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في الجنوب السوري" بحسب رأيه.
وأضاف جاويش أن إسرائيل تضع نصب عينيها إقامة منطقة عازلة تمتد في العمق السوري، وخلق واقع جديد يُجرد دمشق من أوراق القوة، مما يتيح لها التفاوض من موقع ضعف. وأشار إلى أن تل أبيب تستخدم أدوات متعددة، أبرزها تحريك ملف الأقليات، مثل الدروز في السويداء والأكراد في الشمال الشرقي، لدفع باتجاه الفيدرالية أو حتى التقسيم، مستندة إلى تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو حول حماية الأقليات، والتي وصفها جاويش بأنها "تمهيد للتدخل المباشر".
وشدد جاويش على أن "هذه الاستراتيجية ليست مجرد تكتيك، بل جزء من رؤية إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومفككة".
التطبيع مرفوض شعبياً وحكومياً
من جهته، رأى المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة، توفيق طعمة، أن فكرة التطبيع مع دمشق ما زالت بعيدة المنال، معتبراً أن الرفض الشعبي السوري لهذه الفكرة أقوى من أي ضغوط دولية.
وأكد أن الاحتلال الإسرائيلي للجولان واستمراره في التوغل جنوباً يجعل أي محاولة للتطبيع مستحيلة. أوضح طعمة في حديث مع "قدس برس" أن إسرائيل تدرك أن قبول دمشق بالتطبيع لن يكون خيارًا طوعيًا، "لذا تحاول دفع سوريا إلى حافة الانهيار من خلال دعم تمردات داخلية وتحريك أوراق الأقليات"، وفق ما يرى.
وأشار إلى أن دعم تل أبيب للمظاهرات الأخيرة في السويداء، وكذلك دعمها لقوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي، "يهدف إلى خلق جيوب خارجة عن سيطرة الدولة، بما يؤدي إلى إنهاك دمشق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً".
وشدد طعمة على أن "الشعب السوري لن يقبل بأي حال من الأحوال تطبيعًا مع الكيان الصهيوني طالما أن الجولان ما زال محتلاً"، واعتبر أن أي اتفاق يُفرض بالقوة سيؤدي إلى مزيد من التوتر والانفجار الداخلي. وأشار إلى أن "محاولات إسرائيل لخلق مسارات تطبيعية عبر الأقليات قد تنقلب عليها، خاصة أن وعي الشعب السوري بات أكثر نضجًا تجاه هذه المخططات"، حسب تعبيره.
وباستمرار الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاته في الجنوب السوري، شهدت بلدة كويا الواقعة في شمال سوريا اليوم تصاعدًا في التوترات بعد مواجهات بين القوات السورية وأهالي البلدة الذين رفضوا اقتحام القوات الإسرائيلية لقريتهم، مما أسفر عن استشهاد 7 مدنيين وإصابة العشرات بجروح. كما أنذر جيش الاحتلال أهالي البلدة بضرورة إخلائها، وسط دعوات عبر مكبرات الصوت في المساجد لتشجيع الأهالي على الثبات.