الحواجز العسكرية الإسرائيلية.. الاحتلال يحاصر بهجة العيد في الضفة الغربية

في آخر أيام عيد الفطر، تمكّن الحاج ماهر البكري من زيارة ابنتَيه المقيمتَين في مدينة جنين شمال الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعد أن حالت الحواجز العسكرية التابعة لجيش الاحتلال، المحيطة بمدينة نابلس حيث يقطن، وجنين حيث تقيم ابنتاه، دون تمكنه من ذلك في الأيام السابقة.

وكان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية (تابع للسلطة الفلسطينية)، محمد حسين، قد أعلن أن يوم الأحد (30 آذار/مارس)، هو أول أيام عيد الفطر.

يقول البكري: "سلكنا طريقنا في يوم العيد من نابلس باتجاه الشمال للخروج منها، حيث يقع حاجز (دير شرف) العسكري سيئ الصيت والسمعة، وهناك وجدنا طابوراً طويلاً جداً من المركبات يزيد طوله عن كيلومتر، وكان جنود الاحتلال يتفننون في إذلال المواطنين يوم العيد. فما إن تصل إليهم حتى يُجبرونك على إطفاء محرك السيارة والنزول منها، ثم يشرعون في التدقيق في هويات الركاب وتفتيشهم، وهو ما يجعل مرور كل مركبة يستغرق أكثر من عشر دقائق".

وبعد أكثر من ثلاث ساعات من الانتظار، قرر البكري العودة إلى منزله، كما صرّح لمراسل "قدس برس"، وكان برفقته اثنان من أبنائه، على أمل إعادة المحاولة في اليوم التالي. لكن الحال لم يكن أفضل كثيراً، حيث اضطر إلى سلوك طريق التفافي طويل، ليفاجأ في نهايته بأن الحاجز الرئيسي المؤدي إلى مدينة جنين مغلق هو الآخر، ما أجبره على العودة مجدداً والبحث عن طريق بديل يمرّ عبر عدد من القرى والبلدات.

وفي الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه أيام العيد مناسبة للفرح والزيارات العائلية وصلة الأرحام، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية واقعاً مريراً بسبب الحواجز العسكرية التي تقطع أوصال المدن والقرى، وتحرمهم من أبسط حقوقهم في التنقل ولقاء أحبّائهم. فبدلاً من أجراس الفرح وضحكات الأطفال، تُسمع أصوات الجنود عند الحواجز، وصراخ المارّة المتأخرين، وتكثر مشاهد التفتيش المهين، وربما الاعتقالات التعسفية.

وتنتشر الحواجز العسكرية الإسرائيلية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، حيث يضطر آلاف الفلسطينيين إلى اجتيازها يوميًا للانتقال بين المدن أو حتى للوصول إلى قراهم المجاورة. ومع حلول عيد الفطر، تتفاقم المعاناة، إذ يُمنع الكثيرون من الوصول إلى ذويهم بسبب الإغلاقات الأمنية أو القيود المفروضة على حركتهم.

ويصف الفلسطيني راسم موقدي، وهو أب لخمسة أطفال، بحسرة كيف حُرم هو وعائلته من زيارة والدته المسنّة التي تقيم على أطراف مخيم "نور شمس" في مدينة "طولكرم". يقول بصوت خافت: "كنا نخطط للذهاب لتهنئة والدتي في أول أيام العيد، لكننا علمنا أن الظروف الأمنية في طولكرم سيئة للغاية، وهناك العديد من الحواجز ونقاط التفتيش العسكرية التي تشهد ازدحامًا خانقًا وتفتيشًا مهينًا".

ويضيف موقدي أن البناية التي تقيم فيها والدته في شارع نابلس تكاد تكون الوحيدة التي لم يُخلَ سكانها، خلافًا لعشرات البنايات المحيطة بالمخيم، ما جعل الوضع الأمني أكثر خطورة، ودفعه لإلغاء الزيارة والاكتفاء بالمعايدة عبر الهاتف.

وتتكرر مثل هذه القصص على ألسنة الفلسطينيين في مدن وقرى الضفة الغربية. فالحواجز الثابتة والمتحركة تقطع أوصال المنطقة، وتحول التنقل بين المدن المجاورة إلى رحلة شاقة تستغرق ساعات طويلة، وتتخللها إجراءات تعسفية تهدف إلى إذلال المواطنين والتضييق عليهم.

وتشمل تلك الإجراءات عمليات تفتيش دقيقة للسيارات والحقائب، والتدقيق المطوّل في الهويات الشخصية، وطرح أسئلة استفزازية، وفي كثير من الأحيان، احتجاز الشباب لساعات دون مبرر. ويبقى الخوف الدائم من الاعتقال التعسفي حاضراً في أذهان الفلسطينيين عند محاولتهم التنقل عبر هذه الحواجز.

من جهته، يشير الباحث مروان القبلاني إلى أن هذا العيد جاء على الفلسطينيين في الضفة الغربية بمرارة مضاعفة. إذ تخيّم أجواء الحزن والقلق على قلوب الكثيرين، ممن حُرموا من التنقل بين المدن والقرى بفعل الحواجز الإسرائيلية المنتشرة بكثافة، وبالتالي من زيارة الأهل والأقارب وتبادل التهاني بهذه المناسبة الدينية المباركة.

ويضيف في حديثه لـ "قدس برس": "لم تكن إجراءات الاحتلال العسكرية عائقًا جديدًا أمام حركة الفلسطينيين، لكنها تتصاعد وتيرتها وتزداد تعقيدًا في المناسبات الدينية والوطنية، فتتحول فرحة العيد إلى كابوس حقيقي للكثيرين. فبدلًا من قضاء أوقات ممتعة مع العائلات والأحباب، يجد الفلسطينيون أنفسهم عالقين لساعات طويلة على الحواجز العسكرية، في انتظار السماح لهم بالمرور بعد عمليات تفتيش دقيقة ومهينة في كثير من الأحيان".

ورغم كل هذه القيود، يحاول الفلسطينيون الحفاظ على بهجة العيد بأي وسيلة ممكنة. فالبعض يلجأ إلى الاتصال الهاتفي، وآخرون يقتنصون فرصة مرور نادرة لإتمام زيارة قصيرة. لكن تبقى الحواجز العسكرية شاهداً يوميًا على سياسة الاحتلال الساعية لكسر إرادة الشعب الفلسطيني وتحويل حياته إلى جحيم، في إطار استراتيجية تهدف إلى اقتلاعه من أرضه وتهجيره قسرًا.

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
متحدثة أممية: مقتل 613 فلسطينيا قرب مراكز الإغاثة في قطاع غزة
يوليو 5, 2025
قالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، إن "613 شخصا قتلوا بالقرب من مراكز المساعدات الإنسانية في قطاع غزة خلال شهر تقريبا". وأضافت شامداساني، في بيان، إن بين الشهداء 509 فلسطينيين في محيط مؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية، التي تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل. وأردفت: "من الواضح أن الجيش الإسرائيلي قصف وفتح النار
قوات الاحتلال تداهم مناطق متفرقة بالضفة الغربية وتعتقل عددا من الفلسطينيين
يوليو 5, 2025
اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، عددا من الفلسطينيين من مناطق متفرقة من الضفة الغربية.   وأفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال اقتحمت مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، وداهمت عدة منازل وعمارات سكنية في مخيمي "بلاطة" و"العين"، و"عسكر البلد" و"المساكن الشعبية"، وحي "رفيديا".   وذكرت أن القوات اعتقلت الطفل أحمد رايق القدع (17 عامًا)
بلدية دير البلح: شلل شبه تام في خدمات البلديات بالقطاع بسبب نفاد الوقود
يوليو 4, 2025
حذّرت بلدية دير البلح في قطاع غزة، الجمعة، من انهيار شامل في الخدمات الأساسية التي تقدمها البلديات في القطاع، نتيجة انقطاع السولار والوقود منذ أكثر من أربعة أشهر، الأمر الذي أدى إلى شلل شبه تام في تشغيل آبار المياه ومرافق النظافة والصرف الصحي. وقالت البلدية، في بيان صحفي، إن قوات الاحتلال "الإسرائيلي" دمّرت نحو 50%
"حماس" تعلن تسليم الوسطاء ردا إيجابيا حول مقترح وقف العدوان على غزة
يوليو 4, 2025
أعلنت حركة  المقاومة الإسلامية (حماس)، الجمعة، إكمال مشاوراتها الداخلية ومع الفصائل والقوى الفلسطينية حول مقترح الوسطاء الأخير لوقف العدوان على شعبنا في غزة. وقالت الحركة في بيان، إنها سلمت الرد للإخوة الوسطاء والذي اتسم بالإيجابية، والحركة جاهزة بكل جدية للدخول فوراً في جولة مفاوضات حول آلية تنفيذ هذا الإطار. وتواصل قوات الاحتلال وبدعم أمريكي مطلق،
البرلمان العربي يدعو المجتمع الدولي لفتح تحقيق مستقل في جرائم الاحتلال
يوليو 4, 2025
قال البرلمان العربي، الجمعة، إن العالم يواجه مرحلة خطيرة تعيد تعريف مفهوم الإرهاب، خاصة حين يمارس بشكل رسمي ومنظم، كما يفعل الاحتلال "الإسرائيلي" في الأرض الفلسطينية، ولا سيما في قطاع غزة. جاء ذلك خلال مداخلة للنائب ناصر أبو بكر، عضو البرلمان العربي، في اجتماع نظمه مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب افتراضيا، بعنوان: "الاتجاهات والتحديات والتهديدات
"هآرتس": الحرب على غزة عبثية ووحشية ويجب وقفها مهما كان الثمن
يوليو 4, 2025
وصفت صحيفة /هآرتس/ "الإسرائيلية"، الحرب "الإسرائيلية" المتواصلة على قطاع غزة بأنها "عبثية، بلا أهداف، ووحشية للغاية"، داعية إلى وقفها الفوري "مهما كان الثمن". وقالت الصحيفة في افتتاحيتها، إن "الدماء تُسفك من الجانبين دون طائل"، مضيفة أن "الغالبية الساحقة من الضحايا في غزة هم من المدنيين الأبرياء، في وقت بات من المستحيل تبرير استمرار القتل الجماعي