البرازيل تُعلن دخول اتفاقية التجارة الحرة بين "الميركوسور" والسلطة الفلسطينية حيّز التنفيذ

أعلنت الحكومة البرازيلية، الإثنين، دخول اتفاقية التجارة الحرة بين سوق دول أمريكا الجنوبية المشتركة "الميركوسور" والسلطة الفلسطينية حيّز التنفيذ، وذلك بعد إصدار الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، مرسوماً رئاسياً يقضي بإقرار الاتفاق ونشره في الجريدة الرسمية للاتحاد.
وبموجب الاتفاق، يُسمح بتبادل مجموعة واسعة من المنتجات بين الجانبين، من بينها الحيوانات ومنتجاتها، والنباتات والمنتجات النباتية، والمواد الخام، والسلع المُصنّعة، إضافة إلى المنتجات البحرية والصناعات المرتبطة بصيد الأسماك.
ووقّعت البرازيل على وثيقة التصديق على الاتفاق في 3 تموز/يوليو 2024، وقدّمتها إلى الباراغواي، التي كانت تترأس "الميركوسور" حينها بشكل دوري، فيما أودعت السلطة الفلسطينية وثيقة التصديق في 30 نيسان/أبريل من العام ذاته. وبعد استكمال البرازيل إجراءات التصديق في آب/أغسطس الماضي، كانت الخطوة المتبقية هي الإعلان الرسمي عن بدء سريان الاتفاق.
ويتضمن الاتفاق، الذي وقّعه الرئيس لولا دا سيلفا والأمينة التنفيذية لوزارة العلاقات الخارجية البرازيلية، ماريا لورا دا روشا، عدة فصول تغطي جوانب متعددة، منها: التجارة في السلع، قواعد المنشأ، الإجراءات الوقائية الثنائية، اللوائح الفنية، المعايير وإجراءات التقييم، التدابير الصحية والصحة النباتية، التعاون التقني والتكنولوجي، الترتيبات المؤسسية، وآليات فض النزاعات.
ويُعد الاتفاق خطوة أولى نحو فتح الأسواق بين الجانبين لتجارة السلع، مع وجود بند يسمح بالتفاوض مستقبلاً بشأن توسيع التفاهمات لتشمل قطاعي الخدمات والاستثمارات.
من المتوقع أن تدخل الاتفاقية حيّز التنفيذ في بقية دول "الميركوسور" وهي الأرجنتين، والأوروغواي، والباراغواي، وبوليفيا، فور الانتهاء من تبادل الوثائق والمصادقة عليها من قِبل كل دولة على حدة.
ويُنظر إلى دخول اتفاقية التجارة الحرة بين "الميركوسور" والسلطة الفلسطينية حيّز التنفيذ كجزء من سياسة خارجية أكثر انفتاحاً وتوازناً تنتهجها البرازيل في عهد الرئيس دا سيلفا، لا سيما في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط. ويكتسب هذا الاتفاق دلالة إضافية عند مقارنته باتفاقية مماثلة وقعتها "الميركوسور" مع "إسرائيل" عام 2007، ما يجعل الاتفاق الفلسطيني الثاني من نوعه بين التكتل وطرف من خارج أمريكا الجنوبية. ويُفهم من ذلك توجّه برازيلي لتعزيز التوازن في علاقاتها الدولية، وتوسيع شراكاتها الاقتصادية خارج الأطر التقليدية.
وتأتي الخطوة البرازيلية في انسجام مع مواقف سياسية داعمة للقضية الفلسطينية، ووسط تصاعد التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وتزايد الإدانات لعدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزة، وهو ما قد يحمل دلالات سياسية ويؤكد المواقف الحاسمة التي تبناها الرئيس لولا دا سيلفا، والتي كان أبرزها وصفه لما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية"، وتشبيهه الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بـ"المحرقة" التي ارتكبها أدولف هتلر. وكانت هذه التصريحات قد أثارت غضب الحكومة الإسرائيلية، التي أعلنت في شباط/فبراير 2024 لولا "شخصاً غير مرغوب فيه"، واستدعت السفير البرازيلي في "تل أبيب" إلى ما يُسمّى بمتحف "المحرقة" في القدس المحتلة، في خطوة أثارت استياءً رسمياً في برازيليا.
ورداً على ذلك، سحبت البرازيل سفيرها فريدريكو ماير من "تل أبيب"، ونقلته إلى بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، ولم تُعيّن حتى الآن بديلاً عنه. كما دعمت البرازيل، إلى جانب جنوب أفريقيا وعدد من الدول، الدعوى القضائية المرفوعة ضد "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية، بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.
كما كان الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، من أوائل الزعماء الذين ندّدوا بمخططات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهادفة للسيطرة على غزة أو تهجير سكانها، وعبّر عن رفضه لما وصفه بـ"التبجح غير المبرر"، مؤكداً أن الفلسطينيين وحدهم من يملكون القرار بشأن مصير غزة.
يُذكر أن "الميركوسور" (Mercosur) تكتل اقتصادي إقليمي تأسّس في 26 آذار/مارس 1991 بموجب معاهدة "أسونسيون"، لتعزيز التكامل بين دول أمريكا الجنوبية. يضم خمس دول أعضاء: البرازيل، الأرجنتين، الأوروغواي، الباراغواي، وبوليفيا، إلى جانب دول شريكة ومراقبة. يُعد من أكبر التكتلات في العالم النامي، ويهدف إلى تسهيل حركة السلع والخدمات ورأس المال بين أعضائه.