بعد شهر من تجدد العدوان على غزة: تفكيك للبنية المدنية وإعادة رسم للسيطرة الميدانية

مع انقضاء الشهر الأول على تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي اتسم بعودة وحشية للهجمات الإسرائيلية التي استهدفت المدنيين العزّل بشكل غير مسبوق، ترصد "قدس برس" في التقرير التالي أبرز ملامح الحملة العسكرية الإسرائيلية التي بدأتها دولة الاحتلال، ولا تزال مستمرة حتى وقتنا الحالي.

خرق إسرائيل لاتفاق التهدئة
في الثامن عشر من آذار/ مارس الماضي، نسفت إسرائيل اتفاق التهدئة الموقع بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والذي جاء برعاية أمريكية-قطرية-مصرية، ودخل حيز التنفيذ في 19 من كانون الثاني/ يناير 2025، لتقرر دولة الاحتلال إنهاء مرحلة التهدئة والعودة بقوة إلى العدوان.

بدأت إسرائيل هجماتها في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء، حيث شنت طائراتها المقاتلة غارات استهدفت أكثر من 100 هدف خلال وقت قصير، ما أدى إلى ارتقاء ما يزيد عن 460 شهيدًا، وإصابة نحو 600 آخرين بجراح متفاوتة.

واغتالت إسرائيل في هذه الضربة الغادرة عددًا من قادة المكتب السياسي لحركة "حماس"، وقيادات بارزة في الجهازين الحكومي والأمني، أبرزهم: عصام الدعاليس رئيس لجنة متابعة العمل الحكومي، وياسر حرب، ومحمد الجماصي عضوا المكتب السياسي، وأحمد الحتة وكيل وزارة العدل في غزة، واللواء بهجت أبو سلطان مدير عام جهاز الأمن الداخلي.

واستشهد لاحقًا كل من الدكتور صلاح البردويل، وإسماعيل برهوم، عضوا المكتب السياسي للحركة، في عمليتي اغتيال منفصلتين؛ حيث اغتيل البردويل برفقة زوجته ليلة السابع والعشرين من رمضان، فيما استُهدف برهوم أثناء خضوعه لعملية جراحية في مجمع الناصر الطبي بخان يونس جنوب القطاع.

وتجاوز عدد شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع منذ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى 18 نيسان/ أبريل 2025، أكثر من 51 ألف شهيد، وأُصيب نحو 116 ألفًا آخرين، ويشمل ذلك شهداء الشهر الأخير من تجدد العدوان، الذين بلغ عددهم 1630 شهيدًا، إضافة إلى إصابة نحو 4302 آخرين.

أوامر الإخلاء الإسرائيلية
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أصدر جيش الاحتلال خلال شهر واحد من تجدد العدوان 20 أمر إخلاء، استهدفت مساحات واسعة من القطاع، بمعدل أمر إخلاء كل 36 ساعة، ما فاقم من معاناة النزوح لعشرات الآلاف من العائلات التي واجهت صعوبات في العثور على أماكن آمنة.

شملت أوامر الإخلاء الإسرائيلية 142 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل 39 بالمئة من إجمالي مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترًا مربعًا.

وقدّرت "أوتشا" عدد المدنيين الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية بأكثر من 400 ألف مدني، أي ما يقارب خُمس سكان القطاع.

ومع تجدد العدوان، أعاد جيش الاحتلال سيطرته على المنطقة الحدودية مع القطاع بطول 62 كيلومترًا، ومع بسط سيطرته على الجزء الشرقي من محور "نتساريم"، أصبح جيش الاحتلال يسيطر على ما يقرب من 70 بالمئة من مساحة القطاع.

السيطرة على محاور القطاع
عمل جيش الاحتلال خلال هذا الشهر على فرض سيطرته على محاور القطاع، فأنشأ ما يُعرف بمحور "موراغ" الذي يفصل محافظة رفح عن باقي المحافظات.

وبسيطرته على محور "موراغ"، عزل جيش الاحتلال محافظة رفح بالكامل، والتي تبلغ مساحتها 75 كيلومترًا مربعًا، ما يعادل 20 بالمئة من مساحة القطاع، تاركًا ربع مليون من سكانها في عداد النازحين الذين اضطروا للنزوح قسرًا إلى منطقة المواصي في خان يونس.

وعلى طول الشريط الشرقي الفاصل بين غزة ودولة الاحتلال، رصدت "قدس برس" في تقرير سابق إنشاء جيش الاحتلال عددًا من النقاط العسكرية الثابتة، إضافة إلى أبراج مراقبة في عدة مواقع، بهدف إحكام السيطرة الأمنية على القطاع.

ووفقًا لهذا الرصد، عمل جيش الاحتلال على السيطرة على المناطق المرتفعة والكاشفة داخل القطاع، وهي: "تبة المنطار" وموقع "ملكة" في الجنوب الشرقي من محافظة غزة، وجبل الريس في حي الشجاعية شمال شرق المدينة.

كما سيطر على منطقة "مقبولة" وسط القطاع، الواقعة بين مخيمي البريج وجحر الديك، ما مكنه من بسط السيطرة على مخيمات وسط القطاع.

وأقام أيضًا نقطة عسكرية متقدمة في منطقة تُعرف بمحور "كيسوفيم"، التي تفصل بين محافظتي خان يونس ودير البلح.

تدمير المرافق الصحية
كعادته، سعى جيش الاحتلال خلال هذا الشهر إلى تدمير ما تبقى من مرافق صحية عاملة في القطاع، حيث دمرت طائراته المستشفى الأهلي العربي - المعمداني، وأخرجته عن الخدمة، علمًا بأنه كان آخر مرفق طبي يعمل في محافظة غزة.

كما قصف مبنى الجراحة التخصصي في مجمع ناصر الطبي بمحافظة خان يونس، ما تسبب بأضرار بالغة في الأقسام المجاورة له.

وتعرض المستشفى الميداني الكويتي قبل أيام في محافظة خان يونس لقصف استهدف بوابته الجنوبية، ما أدى إلى ارتقاء عدد من الكوادر الطبية.

إغلاق المعابر
استبقت إسرائيل هجماتها بفرض حصار مشدد على القطاع منذ الثاني من آذار/ مارس الماضي وحتى يومنا هذا.

وخلال ستة أسابيع من الإغلاق، لم تدخل إلى القطاع أي إمدادات إنسانية أو إغاثية، ما أدى إلى تراجع حاد في مخزون الغذاء والدواء، ودخول القطاع فعليًا في مرحلة المجاعة، مع تفشي أمراض سوء التغذية وفقر الدم، خصوصًا بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.

وأشارت تقارير أممية وإنسانية عديدة إلى أن استمرار الاحتلال في إغلاق المعابر يهدد حياة أكثر من 350 ألف شخص من أصحاب الأمراض المزمنة، بعد نفاد غالبية أصناف الدواء من مخازن وزارة الصحة و"الأونروا".

ويُحاصر الاحتلال غزة للعام الـ18 على التوالي، وقد بات نحو 1.5 مليون من سكانها البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني بلا مأوى، بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ودخل القطاع مرحلة المجاعة نتيجة إغلاق المعابر في وجه المساعدات الإنسانية.

وترتكب قوات الاحتلال، بدعم أمريكي مطلق، منذ 7 من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إبادة جماعية بحق سكان القطاع الفلسطيني المحاصر، أوقعت أكثر من 167 ألف شهيد وجريح، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن أكثر من 14 ألف مفقود.

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
بن غفير يدعو سموتريتش للانضمام إليه في إحباط صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار المحتمل في غزة
يوليو 3, 2025
جدد وزير "الأمن القومي الإسرائيلي" إيتمار بن غفير، دعوته لاحتلال قطاع غزة بالكامل ووقف المساعدات الإغاثية وتشجيع الهجرة، في وقت يتحدث فيه مسؤولون عن "مؤشرات إيجابية" على إمكانية التوصل إلى صفقة لتبادل أسرى ووقف إطلاق النار في غزة. وقال بن غفير وهو زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف في حديث لـ/إذاعة الجيش الإسرائيلي/ اليوم الخميس:
تقرير أممي: شركات عالمية متورطة بدعم المستوطنات في الضفة الغربية والإبادة بغزة
يوليو 3, 2025
كشف تقرير للأمم المتحدة عن أسماء أكثر من 60 شركة عالمية كبرى متورطة في دعم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والحرب على غزة. التقرير الذي أعدته المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، استند إلى أكثر من 200 مذكرة من دول ومنظمات حقوقية وأكاديميين وشركات، دعا الشركات إلى وقف الأعمال التجارية مع
"حماس": اغتيال الاحتلال لثلاثة من محرري صفقة "وفاء الأحرار" جريمة جبانة تستهدف كوكبة من أبطال الحرية
يوليو 3, 2025
أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن جريمة الاغتيال الصهيونية التي استهدفت صباح اليوم الأربعاء ثلاثة من محرري صفقة "وفاء الأحرار" في قطاع غزة، تمثل استمرارًا لنهج الاحتلال في ارتكاب المجازر والجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافهم. ونعت الحركة، في بيانها اليوم الخميس، تلقته "قدس برس"، الشهداء مهدي شاور، وأيمن أبو داوود، وبسام أبو سنينة،
صحيفة بريطانية: قصف مقهى في غزة بذخيرة أمريكية ثقيلة يشكل جريمة حرب
يوليو 3, 2025
كشفت صحيفة /الغارديان/ البريطانية أن جيش الاحتلال استخدم ذخيرة ثقيلة وعشوائية في القصف الذي استهدف مقهى “الباقة” المطل على شاطئ مدينة غزة، مساء الإثنين، وأسفر عن استشهاد عشرات المدنيين، في واقعة قد تُصنف كجريمة حرب بموجب القانون الدولي. وبحسب تحليل أجرته الصحيفة لصور من موقع الهجوم، أكد خبراء ذخائر أن الشظايا التي عُثر عليها في
جيش الاحتلال ينذر بإخلاء أحياء كاملة شرق غزة
يوليو 2, 2025
وجّه جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، مساء الأربعاء، إنذارا بإخلاء خمسة مربعات سكنية في أحياء التفاح، الدرج، والبلدة القديمة شرق مدينة غزة، ملوّحا بتوسيع عدوانه ليطال مركز المدينة وجميع أحيائها. وجاء في بيان الاحتلال عبر الصفحة الرسمية للمتحدث باسمه: "إلى كل المتواجدين في منطقة مدينة غزة، في حيي التفاح والدرج والبلدة القديمة، في المربعات 602، 699، 715،
وزيرة بريطانية: الوضع الإنساني في غزة مروّع
يوليو 2, 2025
أعربت وزيرة الدولة البريطانية لشؤون التنمية، جيني تشابمان، الأربعاء، عن قلقها البالغ إزاء التدهور الحاد في الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، في ظل استمرار انقطاع الوقود عن القطاع منذ أكثر من أربعة أشهر. وفي تغريدة نشرتها عبر حسابها الرسمي، وصفت تشابمان الأزمة الإنسانية في غزة بأنها "مروعة"، محذرة من أن غياب الوقود يهدد بإغلاق المستشفيات،