فلسطينيو "مخيم اليرموك" بين خيار العودة إلى المخيم والبقاء في الشمال السوري

بعد سنوات طويلة من التهجير والنزوح، بدأت قوافل من العائلات الفلسطينية بالعودة إلى مخيم اليرموك، جنوب العاصمة دمشق، قادمة من الشمال السوري، وتحديدًا من مخيم دير بلوط ومناطق ريف إدلب وحلب.

ورغم محدودية هذه العودة، فإنها آخذة في التزايد يومًا بعد يوم، رغم ما خلّفته الحرب من دمار، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعصف بدمشق.

مبادرات من الشتات

لم تكن هذه العودة نتيجة لقرارات حكومية أو خطط رسمية، بل جاءت ثمرة جهود فردية ومجتمعية أطلقها أبناء المخيم في الشتات، ولا سيما في أوروبا.

حيث بادر مغتربون فلسطينيون إلى إطلاق مشاريع تمويل تهدف إلى تسهيل عودة الراغبين، عبر تغطية نفقات النقل وتأمين المستلزمات الأساسية.

الحنين أقوى من الدمار

رغم أن الدمار لا يزال يخيّم على مخيم اليرموك، مع أحياء مدمّرة بالكامل وبنية تحتية متهاوية، فإن العائدين يرون في العودة بحد ذاتها انتصارًا معنويًا.

يقول أبو لؤي أسعد، الذي عاد مع زوجته وأطفاله الأربعة من مخيم دير بلوط حيث قضى سنوات في خيمة لا تقي من برد الشتاء ولا حر الصيف: "جهّزت غرفة واحدة مع المنافع، وإن شاء الله سأُعيد ترميم الغرفتين المتبقيتين مستقبلاً"، معربًا عن سعادته بالعودة أخيرًا إلى مخيمه.

أما أم نضال، وهي أرملة خمسينية كانت تقيم في دير حسان، فقد عادت لتستقر مؤقتًا في أحد الأبنية التي بقيت واقفة رغم آثار القصف، ريثما تنتهي من ترميم منزلها بدعم من أقاربها المغتربين في أوروبا.

العودة إلى الشمال؟

رغم عودة العديد من العائلات، إلا أن بعض العائلات لا تزال مترددة، بسبب الغلاء الفاحش في العاصمة، إذ لا تُقارن تكلفة الحياة اليومية في دمشق بما هو عليه الحال في الشمال السوري، الذي، رغم صعوبته، يبقى أقل كلفة.

اللاجئ الفلسطيني إياد نصّار، الذي هُجّر إلى الشمال عام 2018، عاد ليجد بيته في اليرموك كومة من الركام.

يقول لـ"قدس برس": "منذ شهرين وأنا أبحث عن منزل للإيجار داخل المخيم دون جدوى، المنازل المتوفرة فقط للبيع، وهو ما لا أستطيعه".

ويضيف: "البيت القابل للسكن في محيط المخيم يتراوح إيجاره ما بين 200 إلى 300 دولار شهريًا، وبصراحة، الشمال صحيح مُتعب، لكننا تعلّمنا كيف ندبّر أمورنا، ولا تزال الجمعيات تُقدّم بعض المساعدة".

التأقلم في الشمال... خيار آخر

في المقابل، هناك عائلات لم تعد تفكّر بالعودة حاليًا، بعدما أسست لحياة جديدة في الشمال، وتأقلمت مع الواقع، واستقرت في أعمال أو مشاريع تجارية بسيطة.

علي حسن، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يقيم في قرية عقربات ويعمل في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، افتتح مشروعه قبل تحرير دمشق بأسابيع.

ويقول: "بدأ مشروعي يكبر، وأصبح لديّ زبائن، وتزوجت من فتاة من القرية".

ويضيف: "زرت دمشق، لكنني لم أستطع العودة للعيش هناك، نحن هنا نعيش ونشعر بالاستقرار، والأولاد تأقلموا، ولا أرغب في البدء من الصفر مجددًا".

علقنا وبدنا نكمل!

أما أيهم أبو عطا، لاجئ فلسطيني من مخيم اليرموك ويقيم في غازي عينتاب التركية، فقد قرّر قبل تحرير دمشق بناء منزل في قرية عقربات شمال سوريا بسبب صعوبة الحياة في تركيا.

يقول لـ"قدس برس": "لم أكن أتوقّع أن يتحرر مخيمي بعد شهر واحد فقط، منزلي شارف على الانتهاء، وقد أنفقت أنا وزوجتي كل مدخراتنا في تركيا عليه، لذلك سنكمل بناءه".

وأشار إلى أن المبلغ الذي أنفقه حتى الآن يكفي لشراء منزلين في القرية بعد انخفاض أسعار الأراضي والعقارات فيها، بالتزامن مع عودة آلاف المهجرين إلى مدنهم وقراهم.

وأضاف: "علقنا وبدنا نكمل"

بين الحنين إلى اليرموك والرغبة في الاستقرار، يجد اللاجئ الفلسطيني نفسه في مفترق طرق، فالعودة إلى المخيم تمثل رمزية عالية ومعنًى وطنيًا وإنسانيًا، لكنها تصطدم بواقع معيشي صعب ومُعقّد، ومع تفاوت الظروف، يبقى القرار فرديًا، ويتعلّق بإمكانيات كل أسرة وقدرتها على التحمّل.

ولا توجد إحصائية دقيقة لأعداد العائدين للمخيم، بينما يقدر عددهم وفق اغلب الترجيحات بنحو 3500 عائلة.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
الأطفال يدفعون ثمن الحصار "الإسرائيلي".. مزيد من الشهداء جوعاً في غزة
مايو 24, 2025
أعلنت وزارة الصحة في غزة عن استشهاد طفل آخر بسبب المجاعة وتداعيات الحصار "الإسرائيلي" المستمر على القطاع، في حين حذّر برنامج الغذاء العالمي من أن عشرات الآلاف من الأطفال يواجهون مستويات حادة من سوء التغذية. وقالت الوزارة في بيان تلقته "قدس برس"، مساء اليوم السبت، إن "الطفل مصطفى ياسين استشهد نتيجة سوء التغذية والجفاف في
إصابة فلسطينيين بهجوم للمستوطنين على مغاير الدير برام الله
مايو 24, 2025
هاجم مستوطنون تجمع مغاير الدير شرق مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، واعتدوا على ساكنيه، ما أدى لوقوع إصابات. وأفاد الناشط فارس كعابنة في تصريح صحفي اليوم السبت، أن "مستوطنين هاجموا التجمع بحماية قوات الاحتلال وأطلقوا الرصاص الحي، واعتدوا على ساكنيه أثناء إخلائهم للمكان، ما أدى لإصابة عشرين فلسطينيا". وأضاف أن "المستوطنين لاحقوا السكان
لبنان.. أنشطة ثقافية في المخيمات الفلسطينية تؤكد على التمسّك بحق العودة
مايو 24, 2025
في كل عام، تُعيد النكبة الفلسطينية إنتاج حضورها في ذاكرة اللاجئين، لا كذكرى فقط، بل كواقع مستمرّ من الشتات والاقتلاع والحرمان. ومع حلول الذكرى الـ77 لتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم عام 1948، تبرز المبادرات الشبابية والثقافية كأداة مقاومة معرفية، تسعى إلى صون الذاكرة الجماعية، وترسيخ مفاهيم الهوية والانتماء، خاصة في أوساط
"إسرائيل" تكرر سرديتها: قتلنا أطفال الطبيبة في خان يونس بسبب وجود "مسلحين"
مايو 24, 2025
في واحدة من أكثر الجرائم إيلامًا منذ بدء عدوان الاحتلال على غزة، فجعت الطبيبة الفلسطينية آلاء النجار، أخصائية الأطفال في "مجمع ناصر الطبي"، بوصول جثامين وأشلاء تسعة من أطفالها إلى المستشفى الذي تعمل فيه، بعد أن قضوا حرقًا نتيجة غارة جوية من قبل جيش الاحتلال استهدفت منزل العائلة في منطقة قيزان النجار جنوب مدينة خان
لازاريني: خطة المساعدات الإنسانية الجديدة في غزة وُضعت لهدف عسكري أكثر منه إنسانيًّا
مايو 24, 2025
أكد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، أن مخطط الإمداد الإسرائيلي المقترح في غزة لن ينجح. وقال لازاريني، في منشور على حساب "أونروا" على منصة "فيسبوك" اليوم السبت: "ليس من الممكن لمنظمة إنسانية تحترم حقًّا المبادئ الإنسانية الأساسية، أن تلتزم بمثل هذا المخطط". وأعرب عن اعتقاده أن "مثل هذا
"الإعلام الحكومي": 84 يوماً من حصار غزة الشامل.. الاحتلال ينفذ إبادة جماعية ويهندس سياسة تجويع المدنيين
مايو 24, 2025
أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الاحتلال "الإسرائيلي" يواصل، لليوم الـ84 على التوالي، فرض حصار خانق ومُحكم على قطاع غزة، من خلال الإغلاق التام لكافة المعابر، وتنفيذ سياسة تجويع جماعي ممنهجة ترتقي إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، إلى جانب تنفيذ إبادة جماعية وقتل يومي مستمر. وأشار المكتب، في بيان صحفي اليوم السبت، تلقته