حرائق متزامنة بين القدس و"بندر عباس".. اشتعال جديد في صراع سيبراني قديم

أعرب خبير الأمن السيبراني، رائد سمور، عن اعتقاده بأن الحرائق التي اندلعت منذ أمس الأربعاء غرب مدينة القدس المحتلة قد تكون ردًا إيرانيًا على الحريق الذي وقع إثر انفجار ضخم في ميناء "بندر عباس" يوم 26 نيسان/أبريل المنصرم.
ورغم عدم توجيه أي من الطرفين، طهران و"تل أبيب"، اتهامات مباشرة، إلا أن التقارب الزمني بين حريق "بندر عباس" وحرائق القدس، إلى جانب التوترات الإقليمية المتصاعدة بين الجانبين، يجعل من فرضية "المصادفة" أمرًا يصعب قبوله من الناحية التحليلية.
وأشار سمور إلى أن إيران أعلنت، بعد حريق "بندر عباس" بيومين (28 نيسان/أبريل)، عن إحباطها لهجوم "سيبراني" واسع استهدف بنيتها التحتية، واصفة إياه بأنه من أكثر الهجمات اتساعًا وتعقيدًا.
وأوضح أن الهجوم المحتمل الذي تعرض له ميناء "بندر عباس" قد يكون من تنفيذ "إسرائيلي"، تم بأسلوب "هجين" يجمع بين تقنيات سيبرانية وعملاء ميدانيين. أما الرد الإيراني المحتمل، بحسب سمور، فربما جاء عبر هجوم سيبراني تقني، أدى إلى تعطيل رادارات رصد المسيّرات، التي يُحتمل أنها تسللت من لبنان أو البحر، وأشعلت النيران في المناطق المستهدفة غرب القدس المحتلة – وهي حرائق ما زالت مستمرة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وفي سياق حديثه عن تاريخ "الحرب السيبرانية" بين طهران و"تل أبيب"، أشار سمور إلى أن أولى الهجمات المعروفة تعود إلى عام 2010، حينما استُهدف البرنامج النووي الإيراني في منشأة "نطنز" بواسطة فيروس إلكتروني يُعرف باسم Stuxnet. وقد تسبب الفيروس في تسريع عمل أجهزة الطرد المركزي دون اكتشاف الخلل، مما أدى إلى تدمير نحو ألف جهاز.
وتابع موضحًا أنه بعد قرابة عامين، في آب/أغسطس 2012، تعرضت شركة "أرامكو" السعودية لهجوم سيبراني نفذته مجموعة تُدعى "سيف العدل القاطع"، مستخدمة فيروس Shamoon، ما أدى إلى تدمير بيانات على 35 ألف جهاز حاسوب. ووفقًا لتقارير عدة، يُعتقد أن هذا الهجوم كان ردًا على استهداف البرنامج النووي الإيراني.
وأردف سمور أن الفترة ما بين 2011 و2013 شهدت كذلك سلسلة من الهجمات التي استهدفت مصارف أمريكية باستخدام هجمات من نوع DDoS، مما أدى إلى تعطيل خدماتها. وقد وجّهت وزارة العدل الأمريكية في عام 2016 اتهامات لسبعة إيرانيين بالضلوع في تلك الهجمات.
وكان مسؤول "إسرائيلي كشف مطلع العام الجاري، عن إحباط نحو 800 هجوم سيبراني إيراني منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، استهدفت مؤسسات حكومية، والجيش، ومنشآت تابعة للمستوطنين.
ولفت سمور إلى واحدة من أكثر الحوادث السيبرانية إثارة للجدل، وهي واقعة قصف زورق إيراني لآخر تابع للحرس الثوري خلال مناورة في مياه الخليج عام 2020. وبيّن أن تلك الحادثة أسفرت عن مقتل 19 عنصرًا، مرجحًا أن تكون نتيجة اختراق سيبراني لنظام التوجيه أو الاتصالات في المنظومة الصاروخية، وفقًا لتلميحات صدرت عن مصادر استخباراتية غربية آنذاك.
وعدّ سمور تلك الحادثة مثالًا على ما يُعرف بـ"الهجوم السيبراني المادي التخريبي (Cyber-Physical Sabotage)"، حيث يتم اختراق أنظمة التوجيه أو الاتصالات للتحكم بمسار الصواريخ وإعادة توجيهها.
وأضاف سمور قائلا إن "هذا التاريخ الطويل والمعقّد للحرب السيبرانية بين طهران وتل أبيب بمختلف أشكالها، يشير إلى أن الحرائق التي اندلعت بشكل شبه متزامن في إيران والقدس المحتلة، قد تكون امتدادًا طبيعيًا لمعركة صامتة تدور ضمن قواعد اشتباك شديدة الخصوصية".
وشدد على أن "هذا النوع من الحروب يعفي أطرافه من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية، كما يتيح هامشًا للرد دون إلتزام مباشر، مما يخلق حالة ردع غير محرجة"، على حد تعبيره.
وختم سمور بالقول إن "حتى من الناحية البيئية، فإن شهر نيسان/أبريل ليس هو موسم حرائق الغابات، التي تأتي عادة بعد شهر حزيران/يونيو وبعد موسم حصاد القمح واشتداد الجفاف والحر... الغابات الآن مازالت رطبة واشتعال النيران فيها بحوادث عرضية غير ممكن إلى حد كبير جدا".
وكانت حرائق غابات ضخمة قد اندلعت أمس الأربعاء في محيط القدس المحتلة، ما استدعى نشر 150 فرقة إطفاء في محاولة للسيطرة على النيران.
وأظهرت مقاطع فيديو حالة من الذعر بين المستوطنين الذين فرّوا من سياراتهم على الطريق السريع الواصل بين القدس و"تل أبيب"، تاركين مركباتهم بسبب كثافة الدخان.
كما أفادت شرطة الاحتلال باندلاع حرائق في جنوب فلسطين المحتلة عام 48، فيما أشارت تقارير إعلامية إلى أن فرق الإطفاء تعمل أيضًا في شمال البلاد بعد اندلاع حرائق مماثلة هناك.