قصف سفينة "الضمير": رسالة إسرائيل إلى العالم أن لا خطوط حمراء في حصار غزة وتجويعها

يواصل الاحتلال الإسرائيلي غطرسته في الحرب المستعرة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، متجاوزًا كل القوانين والأعراف الدولية.
وكان آخر هذه الانتهاكات الهجوم المباغت فجر الجمعة على سفينة "الضمير"، التابعة لتحالف "أسطول الحرية الدولي"، في المياه الدولية قرب مالطا. وكانت السفينة تحمل نشطاء من مختلف أنحاء العالم في محاولة لكسر الحصار الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ نحو شهرين.
ويرى محللون سياسيون وعسكريون أن هذا الهجوم جاء في ظل الضوء الأخضر الذي منحته الولايات المتحدة الأميركية للاحتلال، خاصة بعد تولي دونالد ترامب زمام الإدارة مطلع العام الحالي.
ويصف الخبير العسكري الأردني قاصد محمود هذا الهجوم بـ "السياسة الممنهجة في التعامل مع أي محاولات لكسر الحصار على قطاع غزة، بحيث يُعدّ عملًا يستدعي تدخلًا إسرائيليًا".
ويؤكد محمود في حديث لـ "قدس برس" أن "أي مبادرة لكسر الحصار عن القطاع لن تُحدث فارقًا ما لم تصدر عن دول قوية قادرة على حماية مبادرتها والدفاع عنها، بحيث تُشكّل تهديدًا حقيقيًا لمصالح الاحتلال وسياساته، وتحد من عدوانه"، مشيرًا إلى "عدم وجود مثل هذه المبادرات في الوقت الراهن".
ويستذكر محمود المبادرات السابقة لكسر الحصار عن غزة، معتبرًا أنها لم تحقق سوى أثر إعلامي محدود على المستوى العالمي، موضحًا أن "الاحتلال لم يعد يُلقي بالًا لأي شكل من أشكال الإدانة الدولية، ما يعني تراجع القيمة الإعلامية التي كانت تُشكّل ضغطًا نسبيًا في السابق".
ويطرح الخبير العسكري تساؤلًا حول "الدور الفعلي الذي يؤديه المجتمع الدولي في مواجهة مثل هذه الهجمات، بخلاف بيانات الإدانة والرفض"، مشددًا على أن "هذه الحادثة قد لا تُحدث تغيرًا في واقع القطاع، بل ربما تُثني مبادرات مستقبلية خشية تعرّض المشاركين فيها للقتل أو الاغتيال".
من جهته، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بدر الماضي أن "الهجوم الإسرائيلي على سفينة الضمير لن يسهم بشكل مباشر في رفع الحصار عن غزة، لكنه قد يفتح أعين المجتمع الدولي مجددًا على ما يجري هناك – رغم معرفته السابقة –"، مشيرًا إلى أن "المشكلة الكبرى تكمن في عجز العالم أمام عنجهية إسرائيل، وانعدام أدوات الضغط الفاعلة، نظرًا للدعم الأميركي اللامحدود الذي يمنح الشرعية لممارسات الاحتلال".
ويضيف الماضي في حديثه لـ "قدس برس" أن "الولايات المتحدة الأميركية لم تعد مؤهلة لقيادة العالم برؤية تصالحية أو سلمية، بل أصبحت تنظر إلى مصالح إسرائيل باعتبارها أولوية مطلقة، تسبق حتى مصالحها الذاتية".
بدوره، وصف المحلل السياسي حازم عياد التصعيد الإسرائيلي المتمثل في قصف سفينة "الضمير" بأنه "خطير وجريء، ويعكس حجم الغطاء الأمني الذي توفره الولايات المتحدة، بل وحتى بعض الدول الأوروبية، للاحتلال، والذي يشمل القارة الأوروبية، والمياه الدولية، والناشطين من جنسيات أجنبية"، مضيفًا أن "هذا السلوك لا يبدو مستغربًا في ظل الحملة الأوروبية الممنهجة ضد الناشطين في الجامعات والمؤسسات المدنية".
ويتابع عياد في حديثه لـ "قدس برس": "هذه الحملة تُعدّ تتويجًا للإجراءات الأوروبية الأخيرة، التي دفعت الاحتلال إلى التمادي نحو استهداف النشطاء ومحاولة إيذائهم جسديًا، كما يحدث في قطاع غزة".
ويؤكد أن "رغم إجرامية هذا الفعل، إلا أنه يعزز التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، ويغذي حالة الغضب داخل القارة الأوروبية، وبين مؤسسات المجتمع المدني حول العالم، كما يُشكل مادة قانونية وسياسية لإدانة الاحتلال أمام المحاكم الأوروبية والدولية". كما أشار إلى أن "مثل هذه الأحداث تُعدّ قوة دفع إضافية للنشاط المتزايد الرامي لتحدي الاحتلال وإحراجه في المستقبل القريب".
ويرى عياد أن هذا الهجوم يمثل "جبهة جديدة فتحها الاحتلال على نفسه، وسيتحمل تبعاتها مع تصاعد إصرار وصمود النشطاء الذين قد يلجؤون إلى تصعيد قانوني وميداني من خلال إرسال مزيد من السفن إلى قطاع غزة"، مؤكدًا أن "ضعف الأداء الدولي هو ما منح الاحتلال الجرأة لاستخدام أدواته العسكرية ضد النشطاء".
ويختتم عياد حديثه بالإشارة إلى أن "هذه الحادثة ستكون لها انعكاسات داخل المؤسسات الدولية، وستُثير الكثير من القضايا ضد الاحتلال"، موضحًا أن "الولايات المتحدة الأميركية لن توقف دعمها للاحتلال، لكنها ستجد نفسها في موقف محرج أمام انتهاكات صارخة تتجاوز القوانين والمعايير الدولية والإنسانية".
ويخلص إلى أن الاحتلال "يحاول تجميل سياسة التجويع التي يمارسها ضد غزة من خلال الحديث عن مباحثات مع الولايات المتحدة لإدخال المساعدات"، مشددًا على أن "الاحتلال يماطل، ولا يتعاون مع المؤسسات الدولية، ويُبقي النقاش محصورًا بينه وبين واشنطن، بعيدًا عن أي رقابة أو تدخل دولي".
ويؤكد في ختام حديثه "ضرورة فضح هذه السياسة، لإجبار الاحتلال على إدخال كميات ضخمة من المساعدات تتناسب مع حجم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع".