خطة المساعدات "الإسرائيلية".. ما وراءها؟ وما تداعياتها على مستقبل غزة؟

في ظلّ تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، ومع تزايد الحديث "الإسرائيلي" عن "آليات لتنظيم توزيع المساعدات"، برزت تحذيرات أكاديمية وتحليلات سياسية تكشف الوجه الحقيقي لهذه الخطط.
وبينما يسوق كيان الاحتلال الإسرائيلي مشاريعه تحت غطاء إنساني، يرى خبراء ومحللون فلسطينيون أن الهدف العميق هو فرض إدارة ميدانية على غزة دون إعلان احتلال رسمي، بما يمهّد لتصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.
تداعيات كارثية
يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة المفتوحة بغزة إياد القطراوي أن "الخطة (الإسرائيلية) لتوزيع المساعدات، رغم تغليفها بأهداف إنسانية، تمثل في جوهرها محاولة استراتيجية لإحكام السيطرة على قطاع غزة دون إعلان رسمي عن احتلاله".
ويؤكد القطراوي في حديث لـ"قدس برس"، أن "نجاح هذه الخطة سيمثل خطوة كبيرة نحو تصفية القضية الفلسطينية، لا سيما في شقها المتعلق بغزة".
وأوضح أن "قوات الاحتلال تروّج للخطة على أنها تنظيم لآلية توزيع المساعدات، يهدف إلى منع وصولها إلى (حماس) أو أي فصائل مسلحة، وضمان أمنها القومي".
ويتابع "إلا أن الحقيقة، تكمن في محاولة فرض إدارة ميدانية على القطاع من خلال السيطرة الكاملة على نقاط الدخول والخروج، وضبط المساعدات عبر شركات أمنية خاصة، تحت إشراف وتنسيق (إسرائيلي) مباشر، ما يكرّس شكلاً من أشكال الحكم الفعلي دون الإعلان عن احتلال رسمي".
وحذّر القطراوي من "التداعيات الكارثية التي قد تترتب على تنفيذ هذه الخطة"، مؤكدًا أنها "تمثل تحولًا خطيرًا في طبيعة السيطرة على قطاع غزة".
وأشار إلى أن الخطة "تهدف إلى فرض حكم أمني إداري فعلي على غزة، دون الحاجة إلى إعلان احتلال شامل، ما يمنح الاحتلال سيطرة ميدانية كاملة بغطاء إنساني مزعوم".
وذكر أن "من بين أخطر ما تتضمنه الخطة إقصاء مصر عن معبر رفح وتحويله إلى بوابة جانبية، وهو ما يقلل من الدور الإقليمي المصري ويُحكم الطوق الجغرافي (الإسرائيلي) على القطاع".
وأكد أن "فرض رقابة مباشرة على العمل الإنساني والمنظمات الدولية سيضع الاحتلال في موقع (السلطة المحتلة)، ويلزمها قانونيًا بتحمل تبعات ومسؤوليات دولية بموجب القانون الدولي".
ولفت إلى أن "اعتماد الاحتلال على شركات أمنية خاصة يمثل (خصخصة للاحتلال)، ويقلص من فرص المساءلة القانونية عن الانتهاكات، ويمنحها مرونة أكبر في فرض سياسات الأمر الواقع".
كما أشار إلى أن "إقصاء السلطة الفلسطينية من أي دور في الإشراف أو التنسيق على دخول المساعدات يعمّق من عزلتها السياسية، ويمهد الطريق لسلطة بديلة خاضعة للتوجيه (الإسرائيلي)".
وأكد على أن "فرض الشروط (الإسرائيلية) لما بعد الحرب سيجعل غزة منزوعة السيادة، ومرتبطة أمنيًا واقتصاديًا بالاحتلال في سياق يتجاوز الحلول السياسية نحو فرض واقع دائم يخدم مصالح الاحتلال".
وأشار القطراوي إلى أن "(إسرائيل) تراهن على تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وانشغال الدول الكبرى بقضايا أخرى، لفرض واقع جديد على الأرض قبل أي تسوية سياسية".
كما نوه إلى أن "المنظمات الإغاثية الدولية حذّرت من أن هذه الخطة ستقيد بشكل كبير تدفق المساعدات، وتعقّد عملياتها، فيما حذّر مسؤولون (إسرائيليون) من أن تنفيذها قد يمهّد لفرض حكم عسكري مباشر على غزة".
أداة ابتزاز
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، إن "الاحتلال الإسرائيلي يعمل على دمج ملف المساعدات الإنسانية بالعملية العسكرية الجارية في قطاع غزة، بهدف استخدام المساعدات كأداة للضغط والابتزاز".
وأضاف القرا في حديث لـ"قدس برس"، أن "قوات الاحتلال ترى في سيطرة حماس على توزيع المساعدات عنصراً من عناصر قوتها في القطاع، رغم أن الواقع يُكذب ذلك، حيث إن المساعدات تصل إلى السكان بشكل مباشر، كما ظهر جلياً خلال فترات الهدنة التي شهدت تدفقاً واسعاً للمساعدات الغذائية الأساسية، في حين اختفت هذه المساعدات فور إغلاق المعابر، ما يدل على أن حماس لا تتحكم فعلياً بها".
وأوضح أن "الخطة المرتكزة على فرضية سيطرة حماس على المساعدات ستواجه فشلاً حتمياً، لأنها لا تعكس الواقع على الأرض".
ولفت إلى أن "تل أبيب تحاول استخدام هذا الملف للضغط على الحركة في سياق صفقة تبادل أسرى، عبر تصعيد عسكري ميداني".
وأشار إلى أن "هناك تحولاً واضحاً في موقف اليمين المتطرف داخل (إسرائيل)، نحو طرح خيار إعادة احتلال قطاع غزة بشكل مباشر، رغم أن الاحتلال يسيطر عملياً على نحو 30% من مساحة القطاع، تشمل مدينة رفح التي تمثل حوالي 20% من المساحة، إضافة إلى المناطق الحدودية الشمالية والشرقية، والجزء الشرقي من محور صلاح الدين الممتد نحو محور نتساريم".
وبيّن أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتوسيع هذه الرقعة الجغرافية، لكن هذا يتطلب وقتاً أطول ومواجهة مباشرة مع المقاومة الفلسطينية التي يبدو أنها أعادت ترتيب صفوفها، استعداداً لجولات مواجهة جديدة قد تكون هذه المرة وجهًا لوجه، بعيداً عن المناطق السكنية كما كان الحال في المرات السابقة".
وأكّد القرا أن "ما تقوم به قوات الاحتلال حالياً يمثل شكلاً من أشكال الضغط العسكري لجرّ حماس إلى طاولة المفاوضات، والسعي نحو صفقة تبادل جزئية، تخدم مصالح رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي يحاول كسب الوقت وتمديد أمد الحرب حتى نهاية العام أو على الأقل حتى أكتوبر المقبل، بهدف استثماره في الانتخابات المقبلة".
وختم بالقول إن "من المرجح أن تؤجل (إسرائيل) بدء أي عملية موسعة إلى ما بعد زيارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمنطقة، حيث يبدو أن هناك توجهاً أمريكياً لدفع نحو صفقة شبيهة بالمقترح الأمريكي السابق، تتضمن إطلاق سراح عدد من الأسرى وفتح الباب أمام مفاوضات المرحلة الثانية".
وتسعى قوات الاحتلال إلى فرض آلية رقابة مباشرة على دخول وتوزيع المساعدات داخل القطاع، وهو ما ترفضه جهات فلسطينية ومنظمات حقوقية باعتباره انتهاكًا للحياد الإنساني، ومخالفة للقانون الدولي.
وقد استأنف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة فجر 18 آذار/مارس 2025، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.
وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب قوات الاحتلال منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.