رفح بعد عام من الاحتلال.. حصار وعزلة وتدمير ممنهج

في 6 أيار/مايو 2024، شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بعملية عسكرية وصفتها بـ"المحدودة" في محافظة رفح، الواقعة أقصى جنوب قطاع غزة. وبعد عام كامل، باتت المدينة معزولة كليًا عن باقي مناطق القطاع، في وقت يواصل فيه الجيش الإسرائيلي تدمير ما تبقى منها للعام الثاني على التوالي.
"أكبر مركز إيواء في العالم"
قبل احتلالها، وُصفت رفح بأنها "أكبر مركز إيواء مفتوح في العالم"، إذ دفعت قوات الاحتلال نحو 1.9 مليون من سكان القطاع إلى التكدس في شريط ضيق غرب المدينة، على أطراف محور "فيلادلفيا" الحدودي مع مصر.
ورغم التحذيرات الدولية والمطالبات بوقف العملية العسكرية لما قد تحمله من مخاطر إنسانية جسيمة، أحكمت فرقتان عسكريتان إسرائيليتان الطوق على المدينة، دون استكمال خطة إجلاء مئات الآلاف من المدنيين الذين وجدوا أنفسهم محاصرين تحت وابل من الرصاص والقذائف لأيام وأسابيع.
جاء القرار الإسرائيلي بالاجتياح في وقت كانت فيه الوساطة المصرية والقطرية على وشك إعلان التوصل إلى اتفاق، بعد أن وافقت حركة "حماس" على ورقة عرضتها واشنطن ووافقت عليها حكومة الاحتلال. لكن، وكما درجت العادة، تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن المضي في الاتفاق، لتُستأنف العمليات العسكرية على المدينة.
مسار العملية العسكرية
مرّ العدوان الإسرائيلي على رفح بسلسلة من المراحل، بدأت في 27 نيسان/أبريل 2024 بتمهيد ناري كثيف من المدفعية على طول الشريط الشرقي للمحافظة، لبث الرعب بين السكان الذين أُجبروا على مغادرة منازلهم.
لاحقًا، امتد القصف ليطال مناطق وسط وشرق المدينة، وأصدر جيش الاحتلال بيانًا عسكريًا طالب فيه أكثر من 100 ألف من سكان أحياء الشوكة، والسلام، والجنينة، وتبة زراع، والبيوك، بإخلائها فورًا.
وفي 6 أيار/مايو 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي رسميًا السيطرة العسكرية على المدينة، وطوقها بالكامل، وانتشرت آلياته في محور "فيلادلفيا" في خرق صريح لاتفاق "كامب ديفيد" الموقع مع مصر في 17 أيلول/سبتمبر 1978.
ومنذ ذلك الحين، أغلق معبر رفح، المعبر الوحيد الذي يربط القطاع بمصر والمخصص لحركة الأفراد، بشكل تام، دون أن يُعاد فتحه حتى الآن.
استشهاد يحيى السنوار
استغلت "كتائب القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس"، وجود الاحتلال داخل رفح لتنفيذ عمليات نوعية، أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الجنود الإسرائيليين.
وكان أبرز تلك العمليات تفجير ناقلة جند إسرائيلية مفخخة في 15 تموز/يونيو 2024، بينما كانت تستعد لتفخيخ عدد من المنازل. ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية الحادث بـ"الكارثي"، حيث أسفر عن مقتل 10 جنود، وعجز فرق الإنقاذ عن التعرف على جثثهم بسبب احتراقها الكامل.
وقد أشرف قائد حركة "حماس"، يحيى السنوار، شخصيًا على قيادة العمليات القتالية في رفح، إلى أن استُشهد في "عقدة قتالية" متقدمة في شارع يقع في "الحي السعودي" غرب المدينة. وكان يقود اشتباكًا مباشرًا مع عناصر من لواء "بسلماخ" قبل أن يتم استهدافه بقذيفة دبابة إسرائيلية.
"محور موراغ"
مع تجدد العدوان الإسرائيلي على القطاع في 18 آذار/مارس 2025، شرع جيش الاحتلال في إنشاء ما يُعرف بـ"محور موراغ"، لفصل محافظة رفح عن باقي محافظات القطاع.
يمتد هذا المحور من بوابة معبر صوفا شرقًا، حتى شاطئ البحر غربًا، بطول 12 كيلومترًا، وعرض يتراوح بين 500 - 1500 متر، ليعزل محافظة رفح (البالغة مساحتها 74 كيلومترًا مربعًا) عن باقي المناطق.
وتقود الفرقة 36 المدرعة العمليات في هذا المحور، وتعمل على تدمير الأحياء السكنية تمهيدًا لإنشاء طريق أسفلتي يكرّس الفصل الجغرافي.
ومنذ انطلاق المشروع، أُجبر أكثر من 140 ألفًا من سكان المدينة على مغادرتها قسرًا، في ظل استمرار العمليات العسكرية.
وكان الاحتلال قد استأنف عدوانه على القطاع فجر 18 آذار/مارس 2025، بعد هدنة دامت شهرين بدأت في 19 كانون الثاني/يناير، غير أن الاحتلال خرق الاتفاق مرارًا خلال فترة التهدئة.
ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي غير محدود، عدوانها الشامل على قطاع غزة برًا وبحرًا وجوًا، ما أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 170 ألف فلسطيني، في حصيلة غير نهائية، حيث لا تزال آلاف الجثث تحت الأنقاض.