"قدس برس" ترصد الأوضاع الكارثة للنازحين من شمالي قطاع غزة

على عَجل لملم المواطن الفلسطيني سمير شمالي (35 عاما) حقيبتا ظهر وبعض المقتنيات الشخصية، وسارع لإخلاء خيمته رفقة زوجته وأبنائه الثلاثة عمر ومصطفى وأمل، بعد ليلة دامية شهدتها مناطق شمال القطاع.
هائما على وجهه، غادر سمير مخيم جباليا واتجه غربا نحو شارع الجلاء دون وجهة معروفة، ليستقر به الحال في حي تل الهوى جنوب مدينة غزة، مفترشا الأرض دون أن يمتلك خيمة أو قماش يستر به عائلته.
يقول سمير لـ"قدس برس" "لم أكن أنوي مغادرة المخيم، حاولت الصمود حتى أخر نفس، ولكن شدة القصف واقتراب الدبابات منا، بثت الذعر والخوف في قلوب أطفالي، لقد خشيت من حصار الجيش لنا، أو أن نتعرض لحزام ناري يفتك بنا دون أن يتمكن أحد من إنقاذنا، فقررت مكرها مغادرة المخيم رفقة المئات من أبناء الحي دون أن أعرف إلى أين أذهب".
وتابع "سرنا مسافة تزيد عن 20 كيلو مترا على أقدامنا، وحاولت تفادي الشوارع الرئيسية المكشوفة خشية من تعرضنا لرصاص الدبابات، وما أن وصلنا لمنطقة تل الهوى شعرت بنوع من الهدوء بعد أن ابتعد عنا صوت الرصاص، ولكني الأن لا أمتلك شيئا من طعام أو خيمة قد تساعدني على الراحة بضعة أيام إلا أن أعود مجددا إلى شمال القطاع".
وتعج شوارع غرب محافظة غزة بعشرات آلاف الأسر التي نزحت قسرا من مناطق القتال في شمال القطاع، دون أن تتوفر فيها أي مقومات للمبيت سواء خيام أو بركسات، حيث نفذ ما تبقى من خيام في مستودعات المنظمات الدولية جراء الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ الثاني من أذار/ مارس الماضي.
واستقرت بعض العائلات النازحة من شمال القطاع في مقابر الفالوجة والتوانسي والشيخ رضوان الواقعتان وسط وغرب محافظة غزة، حيث افترشت هذه العائلات ما استطاعت جمعه من بطانيات وسجاد بجانب مقابر الشهداء، واستظلت بجدران المقابر نظرا لارتفاع درجات الحرارة.
في حين وجدت عائلات أخرى نفسها في منطقة الشفاء وشارع الرشيد، في أقصى غرب محافظة غزة، بالرغم من تعرضها لتدمير واسع خلال عمليات جيش الاحتلال في تلك المناطق في الفترة الممتدة ما بين نوفمبر 2023- إبريل 2024.
وتشتكي العائلات النازحة من قلة توفر مصادر المياه، حيث يضطر الكثيرون لقطع مسافات طويلة تزيد عن خمسة كيلو مترات لملء بعض غالونات المياه.
ويعود السبب في ذلك لكثافة القصف الإسرائيلي الذي يعيق تحرك عربات المياه، بالإضافة لنفاذ مخزونات السولار المغذية لمحطات ضخ المياه، ناهيك عن قطع الاحتلال خطوط مياه "ميكروت" المغذية لشمال القطاع والتي تعتبر المصدر الرئيسي للمياه، بعد تدمير الاحتلال أكثر من 70 بالمئة من آبار المياه في مناطق غزة وشمال القطاع.
وكان "المكتب الإعلامي الحكومي" بغزة قد أفاد في تصريحات صحفية تلقت "قدس برس" نسخة عنها، ارتقاء أكثر من 200 شهيد في محافظة شمال القطاع خلال 48 ساعة، وتدمير أكثر من 1000 وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي وإعادة تدمير المدمر.
كما أدت العمليات العسكرية لنزوح قسري لأكثر من 300 ألف من محافظات شمال القطاع نحو مدينة غزة المنكوبة أصلا، والتي تفتقر لأي بنية تحتية لإيواء هذا العدد الهائل من المهجرين قسريا.
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025، عدوانه وحصاره المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، إلا أن الاحتلال خرق بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة.
وبدعم أميركي وأوروبي، ترتكب دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن أكثر من 173 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى أكثر من 14 ألف مفقود.