الهيمنة البيوسيبرانية.. كيف تتحكم "تل أبيب" بخرائط الوجوه والجينات حول العالم؟ (مقال علمي)

مقدمة: عندما يُختزل الإنسان إلى بيانات
لم تعد السيطرة تقتصر على الجغرافيا أو حتى الأيديولوجيا؛ إنها اليوم تتسلل إلى جزيئات الوجه وسلاسل الجينات، متخذة من التكنولوجيا جسرًا للهيمنة الشاملة على الجسد والوعي. في قلب هذه السيطرة، تبرز
“تل أبيب” بوصفها عاصمة غير معلنة لما يمكن تسميته بـ”البيوسيادة الرقمية”، حيث تُختزن البيانات البيولوجية للملايين، وتُدار من خلف ستار برمجيات الأمن وأقنعة الابتكار.
هذا المقال يحلل بعمق التقاء ثلاثة مسارات خطرة:
1- علم البيانات الحيوية
2- الاستخدام السياسي – الاستخباراتي،
3- دور "الكيان" العالمي في هذين المجالين: تقنيات قراءة الخرائط الحيوية للوجه ومختبرات تحليل الحمض النووي (DNA).
أولًا: الوجه كجبهة جديدة للسيطرة
1. الخرائط الحيوية للوجه: من التعرف إلى التنبؤ
التعرف على الوجه لم يعد مجرد وسيلة لفتح الهاتف. إنه اليوم منظومة متكاملة قادرة على:
• التعرف على الأفراد بدقة تتجاوز بصمة الإصبع.
• التنبؤ بالسلوك بناءً على تعابير الوجه (مثل تقنيات “التحليل السلوكي”).
• تتبع الحركة والموقع الزمني – المكاني بشكل لحظي.
2. الشركات التقنية في ”الكيان” في الواجهة
من أبرز الشركات التي تعمل في هذا المجال تحت مظلة “الابتكار”، ولكن بأذرع أمنية صريحة:
• AnyVision :
عملت في مراقبة الفلسطينيين عند نقاط التفتيش، وتم تأسيسها وتمويلها من جنرالات سابقين في الجيش والشاباك.
• Corsight AI :
تطور تقنيات “التمييز السريع” بين الأشخاص في الحشود خلال ثوانٍ، مع ذكاء اصطناعي تم تدريبه على ملامح متعددة الأعراق.
هذه الشركات لا تعمل فقط داخل “الكيان” ، بل تزود أنظمة الشرطة حول العالم، خاصة في أوروبا والولايات المتحدة، ببرمجيات رصد خفي تدمج الوجوه مع بيانات أخرى مثل البصمات وحسابات وسائل التواصل.
3. من الأمن إلى الاستعمار الرقمي
حين تُزرع كاميرات الذكاء الاصطناعي في الضفة الغربية وتُربط بأنظمة مركزية في “تل أبيب” ، يتحول الفلسطيني إلى كائن مرصود على مدار الساعة. هذا النمط من المراقبة يعيد إنتاج السيطرة الاستعمارية ولكن بشكل خوارزمي، حيث لا تُمارس السلطة بالعصا بل بخوارزمية تصدر “إنذارًا” لدى عبور وجهٍ غير مصرح به.
ثانيًا: الحمض النووي كأداة استخباراتية
1. الـDNA : من الطب إلى التجسس
الحمض النووي هو الشيفرة الفريدة لكل إنسان. تحليل هذه الشيفرة يفتح المجال أمام:
• معرفة الأصل العرقي والجغرافي.
• تحديد الصفات الوراثية والاحتمالات الصحية المستقبلية.
• التنبؤ بسلوكيات معينة بناء على الاستعداد الجيني.
لكن ماذا يحدث حين تكون هذه البيانات في أيدي جهة لها أجندة سياسية – أمنية؟
2. مركز السيطرة: “تل أبيب”
من خلال شركات تحليل DNA مشهورة تعمل بشكل عالمي وغالبًا تحت أسماء جذابة كـ (“MyHeritage”)، يتم تجميع ملايين العينات الجينية حول العالم، ثم تُخزَّن وتُعالج في مراكز بيانات في “تل أبيب”.
بعض هذه الشركات إما أنشأها مستثمرون في “الكيان” يون تربطهم صلات وثيقة بالمؤسسة العسكرية، أو تعمل بالشراكة مع الجامعات في ”الكيان”، التي تربطها بدورها مشاريع تمويل مع وزارة الدفاع.
3. الاستخدامات المحتملة
• رسم خرائط جينية لشعوب بأكملها: تتيح القدرة على استكشاف نقاط ضعف أو مقاومة جينية، ما يمكن استخدامه في الحروب البيولوجية أو استهداف الأعراق الهشة وراثيًا.
• استهداف النخب: من خلال جمع عينات من سياسيين، ناشطين، أو علماء، يمكن تطوير ملفات شخصية بيولوجية كاملة عنهم.
• ممارسات انتقائية: في السياسات السكانية، مثل تحديد من له “حق العودة” بناء على النقاء الجيني اليهودي، كما يروج له بعض التيارات الصهيونية.
ثالثًا: الخطر الحقيقي – البيوسيادة ”للكيان”
1. ما بعد فوكو: الجسد كمنصة خاضعة
ميشيل فوكو تحدث عن “السيطرة على الجسد عبر التأديب والمراقبة”، لكننا الآن أمام مرحلة أكثر دقة وخطورة: حيث يُختزل الإنسان إلى بيانات حيوية تُخزَّن وتُستخدم ضده دون علمه أو موافقته.
2. الدولة ما بعد الحداثية: من الاحتلال العسكري إلى السيطرة الرقمية
لم يعد “الكيان” بحاجة إلى الجندي والرصاص لإخضاع الفلسطيني أو العربي أو أي إنسان من أية جنسية في العالم، بل أصبحت تستخدم أدوات تحليل الوجوه والجينات في عمليات:
• منع الدخول.
• تصنيف الموثوقين والمشتبهين.
• تدمير الخصوصية بالكامل.
3. من الخصوصية إلى الأمن القومي
حين تصبح بيانات وجهك أو جيناتك مملوكة لشركة في “تل أبيب”، فإنك لم تعد فقط مواطنًا، بل مصدرًا للبيانات – وقد تتحول في أي لحظة إلى هدف رقمي أو بيولوجي.
رابعًا: ما العمل؟ استراتيجيات المواجهة
1. بناء سيادة رقمية – بيولوجية عربية
• إنشاء مراكز تحليل DNA مستقلة تحت رقابة وطنية.
• تطوير أنظمة تعرف على الوجه غير مرتبطة بشركات أجنبية.
• إصدار قوانين صارمة تمنع نقل البيانات البيومترية إلى الخارج.
2. وعي شعبي ومؤسسي
• حملات توعية بخطورة إرسال ال ـDNA لشركات أجنبية.
• مراجعة تطبيقات الهاتف التي تجمع بصمات الوجه وخريطة الحركة.
• توجيه النخب الأكاديمية لفهم أبعاد “الاحتلال البيولوجي الناعم”.
3. تحالف دولي مضاد للهيمنة البيولوجية
• بناء شبكة دولية للمقاومة الرقمية.
• مساءلة الشركات دوليًا عن ارتباطاتها الأمنية.
• تصنيف بعض البرمجيات كـ ”أسلحة مزدوجة الاستخدام”.
ختاما،
ليست مؤامرة، بل بنية هيمنة معقدة
القول إن هذه الممارسات مؤامرة يُقلل من خطورتها. إنها بنية متكاملة لإعادة تعريف الإنسان في العصر الرقمي، وتحويله إلى كائن يمكن التلاعب به من خلال وجهه أو جيناته.
نحن أمام نمط جديد من الاستعمار: استعمار لا يُرى، لكنه يحكم، ويُصنف، ويُقصي. ومن لا يمتلك سيادة على بياناته الحيوية، لا يمتلك سيادة على مصيره.