هل حققت قمة بغداد ما عجزت عنه القمم العربية السابقة تجاه غزة؟

بينما تغرق غزة تحت نيران القصف، وتئن تحت وطأة الحصار والمجاعة، اجتمع القادة العرب، أو من ينوب عنهم، في قمة جديدة بالعاصمة العراقية بغداد لم تختلف في مضمونها كثيرًا عن سابقاتها، حيث غاب الفعل وحضر الكلام.
وفي هذا السياق، عبّر محللون سياسيون عن خيبة أملهم من مخرجات قمة بغداد، مشيرين إلى أنها لم تلبِّ الحد الأدنى من التوقعات، لا من حيث الموقف السياسي، ولا على صعيد الدعم الإنساني لغزة المحاصرة.
ورأى المحللون أن القمة لم ترتقِ إلى مستوى التحديات الجسيمة، بل عكست مجددًا انفصال النظام الرسمي العربي عن نبض القضية الفلسطينية، وعجزه المزمن عن اتخاذ خطوات عملية رغم فداحة ما يجري على الأرض.
بيانات جوفاء
وقال المحلل السياسي إياد القرا إن "القمة العربية الأخيرة لا يُعوّل عليها كثيرًا"، معتبرًا إياها "امتدادًا للقمم العربية التقليدية في تعاملها مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية عمومًا"، مؤكدًا أن "فلسطين تبقى القضية الأكثر أهمية، ومع ذلك لا تحظى بما تستحق من مواقف فاعلة".
وأضاف القرا في حديث لـ"قدس برس": "نحن أمام القمة العربية الثانية منذ اندلاع الحرب على غزة، ولم تقدّم شيئًا يُذكر. مجرد بيانات وتصريحات متكررة، بعضها لا يتجاوز المزايدات الكلامية بين الدول، رغم أن ما تتعرض له فلسطين تجاوز هذا كله، ووصل إلى مرحلة تهدد مستقبل القضية برمتها، وسط مجازر إبادة تنفذها إسرائيل بشكل علني".
وأشار إلى أن "القمم العربية تفتقر دومًا إلى قرارات فعلية قابلة للتطبيق، سواء في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو في دعم صمود الفلسطينيين"، مضيفًا: "نحن اليوم أمام مجاعة محققة في قطاع غزة بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل، ولم تنجح أي دولة عربية في كسره أو حتى التخفيف من آثاره".
ولفت إلى أن "19 قمة عربية عُقدت منذ عام 2007 حتى اليوم، لم تُتخذ خلالها أي إجراءات حقيقية ضد الحصار الإسرائيلي على غزة، ما يعزز الشعور بعدم جدوى هذه القمم"، مضيفًا، أن "الشعب الفلسطيني نفسه قد لا يعرف أن القمة عُقدت، ولا يتابعها ولا ينتظر منها شيئًا، لأنها تعكس حالة الأنظمة العربية التي تُهرول لإرضاء واشنطن، كما رأينا خلال زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حصد كل ما أراد، دون أن يحصل العرب على شيء".
وختم القرا بالقول: "المشكلة أن الأنظمة العربية لا تملك مشروعًا حقيقيًا لحماية ثروات شعوبها أو حتى نصرة القضية الفلسطينية".
إرادة شعبية ضاغطة
من جانبه، قال المراقب والمحلل السياسي علي البغدادي، إن "من أبرز المفارقات التي يلحظها المتابع هي مقارنة الحضور في قمة الرياض بحضور ترامب، حيث تسابق الزعماء على المشاركة، وبين الحضور الباهت في قمة بغداد، التي غاب عنها معظم القادة العرب رغم ما تمر به غزة من حرب إبادة، وتواجه الأمة العربية من تحديات كبرى".
وأضاف البغدادي في حديث لـ"قدس برس"، أنه "لم يحضر القمة إلا عدد قليل من الزعماء، في موقف يعكس بوضوح تراجع مكانة الجامعة العربية في وجدان الأنظمة، وتحوّل القمم إلى واجب بروتوكولي، تنتهي بإصدار بيانات مكررة بلا مضمون أو أثر".
وتابع: "لا أعتقد أن الشعوب العربية كانت حتى على علم بانعقاد القمة. إنها مجرد واحدة من القمم الروتينية، التي لا تغيّر شيئًا ولا تقدّم أي حلول، جاءت باهتة، محمّلة بكلام إنشائي لا يسمن ولا يغني من جوع".
وزاد البغدادي: "كان من المفترض أن يكون هناك حضور عربي واسع يليق بحجم الحرب والتحديات، وكذلك تنفيذ فعلي لأي من القرارات، لكن حتى ذلك غاب".
وفي حديثه عن البدائل الممكنة، أشار البغدادي إلى أن "الحراك الشعبي الجاد في دول مثل مصر والأردن، يمكن أن يكون له أثر كبير على مسار الأحداث".
وقال، إن "الأنظمة العربية لا تشعر بأي ضغط شعبي حقيقي، ولهذا تتصرف ضمن دائرة خياراتها الضيقة. لكن لو وُجدت إرادة شعبية ضاغطة، لكان بإمكان الحكومات أن توقف الحرب، فهي تملك الأدوات، لكنها تحتاج إلى إرادة تُصنع من الشارع، خاصة في الدول المحورية".
واختُتمت السبت أعمال القمة العربية العادية الـ34، التي استضافتها العاصمة العراقية "بغداد"، وسط تصاعد الأزمات في المنطقة، وفي مقدّمتها استمرار الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، إلى جانب ملفات أخرى كالأزمتين السورية والسودانية.
وقد صدر عن القمة بيان ختامي تقليدي، كرر الدعوة إلى وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإلى إدخال مساعدات إنسانية عاجلة إلى القطاع. كما جدّدت القمة تأكيدها على "الرفض القاطع" لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، دون التحدث عن تحركات عملية على الأرض للتعبير عن تلك المطالب.