من الحصانة إلى العزلة.. تحوّل تاريخي في الموقف الأوروبي تجاه "إسرائيل"

في تحوّل غير مسبوق، وجّهت دول أوروبية بارزة، في مقدمتها بريطانيا وفرنسا وكندا، انتقادات حادة لإسرائيل على خلفية حربها المتواصلة في غزة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بداية نهاية "الحصانة المطلقة الغربية" التي تمتعت بها تل أبيب لعقود.

كانت بريطانيا في صدارة هذا التحرك، إذ أعلنت تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع كيان الاحتلال الإسرائيلي واستدعت السفيرة الإسرائيلية في لندن لتوبيخها رسميًا على جرائم الحرب المرتكبة في غزة. كما فرضت عقوبات على شخصيات استيطانية وشركات ومؤسسات تنشط في المستوطنات، أبرزها دانيئيلا فايس، رئيسة حركة "نَخَلا"، التي مُنعت من دخول الأراضي البريطانية.

وفي موقف نادر، خرج رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن صمته، مهاجمًا سياسات نتنياهو داخل البرلمان، ومنددًا باستهداف الأطفال وتجويع السكان في غزة، مؤكدًا أن هذه الأفعال "لم تعد تُطاق".

فرنسا وكندا سارتا في الاتجاه ذاته، ملوحتين بفرض عقوبات إضافية، وداعيتين لوقف العدوان فورًا، وسط غضب شعبي ورسمي يتصاعد في عواصم أوروبا.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي أحمد الحيلة، أن تغيّر الموقف الأوروبي يعود إلى "فشل إسرائيل في حسم المعركة، وتحول عدوانها إلى جنون عبثي يستهدف الأطفال والمدنيين، مما خلق ضغطًا داخليًا على الحكومات الأوروبية". 

وأضاف الحيلة في منشور عبر صفحته في موقع "فيسبوك"، أن "الوحشية الإسرائيلية تسببت في إحراج بالغ لمنظومة ادّعت لسنوات الدفاع عن القيم وحقوق الإنسان"، مؤكّدًا أن "أوروبا تسعى من خلال هذا الموقف إلى استعادة مصداقيتها المتآكلة".

وختم بالإشارة إلى "تقاطع الموقف الأوروبي مع رغبة أميركية بوقف إطلاق النار، وإن كانت واشنطن حتى الآن مترددة في ممارسة ضغط فعلي على إسرائيل".

تفكك الحصانة الأخلاقية

الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين علّق على هذه التطورات قائلًا: "لأول مرة منذ عقود، تفقد إسرائيل حصانتها الأخلاقية في الغرب"، معتبرًا أن "ما يحدث ليس تعاطفًا عابرًا مع غزة، بل بداية لانهيار العقيدة الغربية التي وفّرت الغطاء السياسي لتل أبيب طويلًا". 

وأضاف عبر حسابه على "منصة "إكس"، أن "هذا التحول لا يستهدف حماية إسرائيل، بل عزل نتنياهو عن جنونه السياسي"، مشيرًا إلى أن "الدعم الأميركي نفسه أصبح مشروطًا".

الإعلامي أحمد منصور وصف غضب أوروبا، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، بأنه مؤشر على "سقوط إسرائيل إلى أدنى مستوى من الحضيض الإنساني والسياسي".

استثمار التحول الأوروبي

من جهته، دعا الباحث الفلسطيني علي أبو رزق إلى استثمار التحوّل اللافت في المواقف الأوروبية، لا سيما الخطوة البريطانية الأخيرة، عبر تحريك دبلوماسية شعبية فلسطينية فاعلة، يقودها وفد شعبي يجوب عواصم العالم، ويقدم رؤية الشعب الفلسطيني، ويكسر حالة الحصار المفروض على الرواية الرسمية.

وأوضح في تغريدة عبر منصة "إكس" أن هذا الوفد يجب أن يضم شخصيات تحظى بإجماع وطني وقبول دولي، مثل مروان البرغوثي وغازي غسان أبو ستة، وغيرهم من الأسماء القادرة على تمثيل نبض الشارع الفلسطيني.

وأضاف أبو رزق: "التضحيات الهائلة التي قدمها شعبنا في هذه الحرب، لا يجوز أن تُترك دون ترجمة سياسية ملموسة، فالشعوب بحاجة إلى شعور بأن دماءها لم تُهدر عبثًا. ولنا في تجربة جنوب أفريقيا الملهمة مثالٌ يحتذى".

وختم بالتأكيد على أن "ما قد تعجز عنه دبلوماسية الحكومات والتنظيمات، يمكن أن تحققه أحيانًا الدبلوماسية الشعبية، حين تُبنى على الشرعية الأخلاقية والوعي الإنساني المتنامي عالميًا".

عزلة دولية 

وذكرت صحيفة /يديعوت أحرونوت/ الإسرائيلية المعارضة أن "إسرائيل تعيش أسوأ مراحلها من حيث مكانتها الدولية، وسط موجة غير مسبوقة من العزلة والضغط العالمي بسبب حربها المتواصلة على غزة".

ونقلت الصحيفة، اليوم الأربعاء، عن مسؤول رفيع بوزارة الخارجية الإسرائيلية تحذيره من "تسونامي سياسي يتفاقم"، مضيفًا: "العالم لم يعد معنا، ولا نملك خطة لليوم التالي".

الصحيفة أشارت في تقرير مطول، ترجمته "قدس برس"، إلى تحركات تصعيدية من حلفاء كفرنسا وبريطانيا وكندا، شملت تهديدات بفرض عقوبات، وإلغاء محادثات تجارية، واستدعاء سفراء. 

وأضافت أن "بريطانيا ألغت مفاوضات اتفاقية تجارة حرة مع اسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين، كما تعرضت السفيرة الإسرائيلية في لندن للتوبيخ".

وحذّرت الصحيفة الإسرائيلية من "تداعيات اقتصادية، خاصة مع بريطانيا التي تُعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا"، مشيرة إلى "خسائر محتملة بمليارات الدولارات حال تراجع اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي".

في تطور لافت، تباحثت هولندا و17 دولة أوروبية في إلغاء اتفاق الشراكة الأوروبية مع الاحتلال، بينما عبّرت وزيرة خارجية إيطاليا عن غضبها من معاناة الفلسطينيين، مطالبة بوقف الانتهاكات الإسرائيلية. 

وشددت "يديعوت أحرونوت" على أن "المواقف الرافضة امتدت إلى حكومات يمينية داعمة تقليديًا لتل أبيب".

وفيما يخص واشنطن، أعربت الصحيفة عن "قلق من صمت إدارة ترمب حيال التهديدات الأوروبية"، متسائلة "عما إذا كانت أميركا ستواصل استخدام الفيتو لحماية إسرائيل في مجلس الأمن".

وفي ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية، توقعت الصحيفة "إعلانًا فرنسيًا رسميًا الشهر المقبل، بدعم سعودي وأوروبي". 

وردًا على ذلك، تدرس "إسرائيل" إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، والتحرك نحو فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على مناطق في الضفة الغربية. كما استدعت سفراءها من دول اعترفت بالدولة الفلسطينية وأغلقت سفارتها في العاصمة الإيرلندية دبلن.

واختتمت الصحيفة بالتحذير من "اتساع المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل"، معتبرة أن العالم "بدأ يدير ظهره لتل أبيب"، وأن أحدًا "لن يرغب بربط اسمه بإسرائيل" ما لم تغير سياساتها جذريًا.

في المقابل، هدد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر خلال مؤتمر اليهود العالمي بالقدس، بإجراءات متشددة، مؤكدًا: "لن نقبل الإملاءات. فرنسا منعت مشاركتنا في معارض باريس. نحن أمة حرة تدافع عن وجودها".

 

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
مراقبون فلسطينيون: موقف الفصائل الموحد يعزز قوة التفاوض ويقطع الطريق على مشاريع الالتفاف
يوليو 7, 2025
في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يرافقه من ضغوط إقليمية ودولية لفرض صيغة لإنهاء الحرب، برزت مؤخرًا سلسلة من التصريحات والبيانات الصادرة عن قوى وفصائل فلسطينية، تؤكد على وحدة الموقف الوطني خلف خيار المقاومة. الأمر الذي يعكس وفق ما يرى مراقبون فلسطينيون حالة من التماسك الوطني غير المسبوق في مواجهة الضغوط الخارجية
"حماس" تجدد إدانتها لـ "الآلية القاتلة للمساعدات" في غزة
يوليو 7, 2025
جددت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إدانتها لما وصفته بـ"الآلية القاتلة للمساعدات" التي تُدار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي، معتبرةً أنها تحولت إلى "مصائد موت" تودي بحياة مزيد من المدنيين في قطاع غزة. وقالت الحركة، في بيان صحفي اليوم الإثنين، إن استمرار استخدام هذه الآلية يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد الضحايا، مشددة
دبلوماسيون بريطانيون سابقون يحثون ستارمر وماكرون على الاعتراف بالدولة الفلسطينية
يوليو 7, 2025
وجّه نحو 26 دبلوماسيًا بريطانيًا سابقًا رسالةً مفتوحة، نشرتها صحيفة /التايمز/ البريطانية اليوم الاثنين، إلى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، دعوهم فيها إلى الاعتراف بـ "دولة فلسطينية". وقد ضمّت الرسالة توقيع عدد من السفراء البريطانيين السابقين لدى دول في الشرق الأوسط، من بينهم السير دومينيك تشيلكوت، السفير السابق لدى تركيا، وبيتر
مبتورو الأطراف بغزة يترقبون التهدئة أملاً في فرصة للعلاج في الخارج
يوليو 7, 2025
على سرير متحرك في أحد ممرات مستشفى "شهداء الأقصى" وسط قطاع غزة، يرقد الفتى يوسف أبو خوصة (14 عاما) بعينين تتشبثان بالأمل، وساقٍ واحدة تبقت له بعد أن خطف القصف الإسرائيلي ساقه الأخرى قبل شهور. يمرّر يوسف كفَّه النحيل على موضع البتر، ويتحدث بصوت خافت عن قصته قائلاً: "كنت نائماً في سريري، وفجأة سقط صاروخ
لحظاتٌ أحدُّ من السيف... على نار الانتظار يترقب الغزيون إعلان هدنة الـ 60 يوما
يوليو 7, 2025
تسود قطاع غزة حالةٌ من الخوف والقلق والترقب، بحثًا عن خبرٍ يحمل بشرى نهاية كابوسٍ دام لما يقارب العامين، لم يعرف خلالهما الغزيون طعمًا للراحة، وتجرّعوا صنوف العذاب والقهر والحرمان. يحدّقون بعيون شاخصة نحو العواجل، لعلّ إحداها تحمل نبأً واحدًا يُنذر بانتهاء هذه المقتلة. يتأمل الغزيون أن تكون نهاية هذا اليوم (الاثنين) بوابة لبداية جديدة،
من التعطيش إلى التهجير: كيف تستخدم "إسرائيل" المياه أداة طرد للفلسطينيين؟
يوليو 7, 2025
في موازاة ممارساتها العسكرية والاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، تنتهج حكومة الاحتلال سياسة ممنهجة تقوم على الاستيلاء على مصادر المياه وسرقتها، وفرض سياسة التعطيش على الأرض والسكان، بهدف إحكام الهيمنة على الينابيع والآبار، وخلق واقع معيشي طارد يدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، لا سيما من مناطق الأغوار والريف. في هذا السياق، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي