تقرير: الاحتلال يمارس تطهيرا جغرافيًا ممنهجا ويصعّد مصادرة الأراضي وتهجير البدو في الضفة الغربية

رام الله (فلسطين) - قدس برس
|
يونيو 23, 2025 1:31 م
منذ مطلع عام 2025، تشهد الضفة الغربية المحتلة تصعيدًا غير مسبوق في سياسات الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية وتهجير سكانها الأصليين، خاصةً في التجمعات البدوية الممتدة في مناطق الأغوار (شرق الضفة الغربية) وسفوح الخليل ومحيط القدس (جنوبا) وشرق رام الله (وسط).
وقد اتخذت هذه السياسات طابعًا أكثر حدة وتنظيمًا من أي وقت مضى، ضمن مشروع استيطاني شامل يُنفذ بخطى متسارعة ويستند إلى أدوات قانونية وقرارات إدارية وعسكرية، تُفرغ الأرض من أصحابها لصالح التوسع الاستيطاني المحمي من أعلى المستويات الرسمية في دولة الاحتلال.
مصادرة الأراضي
ووفقا لمنظمة "البيدر" لحماية حقوق البدو، بلغت مساحة الأراضي المصادرة منذ كانون ثاني/ يناير وحتى نهاية أيار 2025 أكثر من 49671 دونما، وهي النسبة الأعلى خلال السنوات الخمس الماضية، وتوزعت على مناطق عدة بشكل متباين؛ من بينها نحو 8,734 دونما في الأغوار الشمالية، و2,394 دونما في منطقة شرق رام الله، وأكثر من 6,117 دونما في سفوح الخليل الجنوبية، إضافة إلى 4,820 دونما صودرت في محيط القدس، وقرابة 3,000 دونم في مناطق متفرقة من بيت لحم وسلفيت، كما جرى الاستيلاء على ما يقارب 27,000 دونم من أراضي طوباس ونابلس ومحيط أريحا دون أوامر منشورة أو إعلان قانوني واضح، ضمن ما يسمى بسياسة "الغموض القانوني" التي تنتهجها سلطات الاحتلال لتقويض القدرة على الاعتراض القانوني أو الإداري من قبل أصحاب الأرض.
وشملت المصادرات أراضي زراعية ورعوية وسكنية، وتعود ملكيتها في معظمها إلى عائلات بدوية وفلاحين فلسطينيين، بعضها موثق بأوراق ملكية رسمية تعود إلى الحقبة العثمانية أو السجلات الأردنية، ما يشكل انتهاكًا صريحًا لمبدأ الحيازة المستقرة المعترف به قانونيًا.
قوانين عسكرية
وتنوعت أدوات المصادرة بين أوامر عسكرية تصدر بذريعة الأمن، وقرارات إعلان أراضٍ كـ"أراضي دولة"، وتصنيفات كـ"محميات طبيعية" أو "مناطق تدريب عسكري"، وهي مسميات مختلفة لهدف واحد: إزاحة الوجود الفلسطيني من الأرض وتحويلها لاحقًا إلى مستوطنات أو مشاريع تخدم التوسع الاستيطاني.
كما اعتمد الاحتلال على قانون "الممتلكات الغائبة" في تسجيل أراضٍ غاب أصحابها قسرًا، وسخّر أدوات "تسوية الأراضي" التي تسير بخطى متسارعة لتثبيت واقع استيطاني جديد، في مناطق (ج)، والتي تنفذها ما تُعرف بـ"الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال، لتشريع السيطرة الإسرائيلية، إذ تم بموجبها تحويل عشرات آلاف الدونمات إلى ملكية رسمية لصالح الدولة أو مجالس المستوطنات.
استهداف التجمعات البدوية
وفي الميدان، استهدفت هذه المصادرات بشكل ممنهج التجمعات البدوية، التي باتت في قلب الصراع الجغرافي، حيث شهدت مناطق مثل خشم الدرج، ووادي السيق، وعين الحلوة، والمزوقح حملات هدم مكثفة طالت نحو 592 منشأة ما بين مساكن وخيام ومآوي ماشية وآبار مياه وألواح طاقة شمسية، منذ مطلع العام وحتى نهاية أيار/مايو .
وقالت منظمة البيدر: إن هذه العمليات أسفرت عن تهجير ما لا يقل عن 1,200 فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، بعضهم نزح للمرة الثالثة أو الرابعة خلال فترة قصيرة لا تتعدى خمس سنوات.؟
ففي بيت لحم وحدها، تم تسجيل تهجير أكثر من 104 أشخاص في أسبوع واحد فقط، وتضررت 73 منشأة، بينما هُدمت في خلة الثعبان – مسافر يطا – 39 منشأة خلال شهر واحد، وشُرّد 49 فلسطينيًا بشكل مباشر.
ورصدت منظمة البيدر خسائر متسارعة في الثروة الحيوانية نتيجة حظر الرعي وتجريف المراعي، ما اضطر عشرات العائلات البدوية إلى تقليص أعداد مواشيها أو بيعها نهائيًا.
كما تم توثيق خسائر مباشرة في سلاسل الإمداد الزراعي، والمحاصيل التي لم تُحصد نتيجة منع الوصول إلى الأراضي، وتدمير آبار وخزانات المياه، وتجريف أراضٍ مزروعة بالقمح والخضراوات الموسمية.
وقالت "البيدر": إنه لا يمكن النظر إلى هذه الممارسات سوى ضمن سياسة إسرائيلية مبيّتة تهدف إلى تفكيك الوجود البدوي الفلسطيني وتفريغ المناطق الحيوية من سكانها، تمهيدًا لضم فعلي غير معلن، حيث قامت حكومة الاحتلال مؤخرًا بنقل صلاحيات التخطيط والبناء في الضفة الغربية من الإدارة العسكرية إلى وزارات مدنية، وهو تطور قانوني خطير يهدف إلى تحويل السيطرة المؤقتة، بحسب القانون الدولي، إلى سيطرة دائمة.
وتزامن هذا التحول مع ضخ استثمارات غير مسبوقة بلغت أكثر من 3.1 مليار شيكل(885 مليون دولار) في مشاريع بنية تحتية استيطانية تشمل طرقًا وتوصيلات كهرباء ومياه ومناطق صناعية جديدة.
انتهاك القانون الدولي
وأكدت منظمة البيدر، أن هذه السياسات تمثل خرقًا فادحًا للقانون الدولي الإنساني، وعلى رأسها المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التهجير القسري ونقل السكان داخل الأراضي المحتلة، والمادة 46 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 التي تنص صراحة على حماية الملكية الخاصة كما أن محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في تموز/يوليو 2024، أعادت التأكيد على أن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، هي أراضٍ محتلة، وأن جميع التدابير التي تهدف إلى تغيير طابعها السكاني أو الجغرافي تعتبر باطلة ولاغية وغير ذات أثر قانوني.
وذكرت أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل فراغ العدالة الدولية ويستخدم منظومة قانونية تمتد من قوانين عثمانية قديمة إلى تشريعات برلمان الاحتلال "كنيست" الحديثة، مرورًا بالأوامر العسكرية منذ عام 1967، لتفصيل أدوات نزع الملكية بطريقة تراكمية و"قانونية" ظاهرًا ويُستخدم الغطاء القانوني الداخلي لإعادة تعريف الأراضي المصادرة كأراضٍ "متروكة" أو "عامة"، لتُسجل في دفاتر "أراضي الدولة"، ومن ثم تُمنح للمجالس الاستيطانية بحجج تتعلق بـ"الأمن"، أو "التنمية"، أو "الصالح العام"، رغم أن هدفها الفعلي هو إزاحة الوجود الفلسطيني وتهويد الجغرافيا.
وأكدت أن كل ما يجري يعكس سياسة تطهير جغرافي ممنهجة تستهدف القضاء على النمط الرعوي الفلسطيني العميق الجذور، وتحويل الضفة الغربية إلى كنتونات معزولة تخضع لنظام فصل عنصري ممنهج، يجمع بين السيطرة العسكرية والإدارية والاستيطان المدني، مشيرة إلى أن هذه السياسات تستهدف ليس فقط الحيز الجغرافي، بل البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للسكان البدو، وتدفع بهم إلى دوامة من الفقر، والنزوح القسري، والتفكك المجتمعي.
وطالبت منظمة "البيدر" المجتمع الدولي بالتحرك الفوري والضغط لوقف سياسة المصادرة والتهجير، وتوفير الحماية القانونية والإنسانية للسكان المتضررين، ودعم صمودهم في أرضهم كما دعت القيادة الفلسطينية إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية، من خلال تفعيل أدوات القانون الدولي، وإحالة ملفات الاستيطان والضم إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتكثيف التواجد الرسمي والمؤسساتي في المناطق المهددة، وإنشاء صناديق دعم مباشر للمجتمعات البدوية.
تصنيفات : أخبار فلسطين الاحتلال