وقف إطلاق النار بين إيران و"إسرائيل": تحولات مرتقبة في الإقليم وسط هدوء حذر

رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، عن وقف إطلاق النار بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، إلا أن حالة من الترقب تسود الأوساط السياسية والأمنية في المنطقة، وسط تحذيرات من أن الجولة الأخيرة من التصعيد لم تغلق أبواب الصراع، بل دفعت به إلى مستوى جديد من التحديات والتوترات الإقليمية والدولية.

وقد حذّر محللون من أن المرحلة المقبلة لن تكون أقل توتراً، بل ستكون أشد تعقيداً، نتيجة تداخل الملفات العسكرية مع الحسابات السياسية والاقتصادية، وتغيّر مواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين.

الملف النووي الإيراني لن يغادر طاولة التفاوض
وأشار الخبير في الشأن الأميركي أسامة أبو ارشيد إلى أن وقف إطلاق النار الأخير بين إيران وإسرائيل لا يُعد نهاية للمواجهة، بل يمثل نقطة تحوّل نحو معركة تفاوضية أشد وطأة، يدور محورها حول مستقبل المشروع النووي الإيراني وترتيبات الأمن الإقليمي.

وقال أبو ارشيد في حديث لـ"قدس برس" إن القضية النووية الإيرانية ستظل الحاكمة للمشهد السياسي في المرحلة القادمة، لافتاً إلى أن واشنطن تنظر بقلق بالغ إلى إمكانية استئناف طهران تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، خصوصاً مع استمرار احتفاظها بكميات من اليورانيوم المخصب تقدَّر بمئات الكيلوغرامات.

وأوضح أن الإدارة الأميركية، بالتنسيق مع حلفائها، تسعى إلى تقديم مقترحات فنية وسياسية جديدة، منها فكرة إنشاء منشأة تخصيب إقليمية تحت رقابة دولية، بهدف تجاوز عقدة "التخصيب المحلي" التي تصرّ إيران على التمسك بها.

وشدّد أبو ارشيد على أن المواجهة انتقلت من الميدان إلى الطاولة الدبلوماسية، مؤكداً أن واشنطن ستسعى إلى فرض ترتيبات أمنية طويلة الأمد في المنطقة، تُقيّد تحرّكات إيران وتمنعها من بناء قدرات ردع هجومية مستقبلية.

كما نبّه إلى أن الضغط الأميركي لن يقتصر على طهران، بل سيمتد ليشمل حلفاءها الإقليميين، من بيروت إلى بغداد، في محاولة لضبط حركة المحور الإيراني وتقليص هامش مناورته. ورأى أن هذه المرحلة ستشهد تصعيداً غير معلن في الحرب الاستخباراتية والتكنولوجية، من خلال عمليات قرصنة واستهدافات نوعية لكوادر وعقول فنية مرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي الإيراني.

وفيما يتعلق بدور إسرائيل، قال أبو ارشيد إن تل أبيب ستواصل الضغط على واشنطن كي لا تكتفي بضمانات تفاوضية، بل تدفع نحو إعادة صياغة الاتفاق النووي بشكل أكثر صرامة وشمولاً، يتضمن قيودًا طويلة الأمد على كافة أنشطة إيران ذات البعد العسكري أو "الردعي".

وأضاف: "إسرائيل تشعر الآن أن الفرصة سانحة لإحداث تحوّل طويل الأمد في موازين القوى بالمنطقة. لكنها تدرك أيضاً أن أي تسوية غير مُحكمة ستبقي على احتمال الانفجار، ولهذا تسعى إلى اتفاق لا يكتفي بوقف التخصيب، بل يُعيد هندسة المشهد برمته".

نحن أمام إعادة تشكيل خريطة الإقليم
من جهته، قال المحلل السياسي علي أبو رزق إن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل فتح الباب أمام مرحلة سياسية وأمنية جديدة، لن تقل خطورة عن المواجهة العسكرية، بل قد تكون أكثر تأثيراً على بنية المنطقة واستقرارها المستقبلي.

وأشار أبو رزق إلى أن الملفات المطروحة اليوم تتجاوز النووي والصواريخ، لتشمل أدوار الجماعات المسلحة، ومستقبل التوازن في العراق وسوريا ولبنان، إلى جانب الاتجاهات السياسية الناشئة في الخليج، وما يُطرح من مشاريع تطبيع وتسويات إقليمية.

وقال في حديث مع "قدس برس" إن "المعركة لم تنتهِ بوقف الصواريخ، بل انتقلت إلى ميدان آخر، عنوانه الصفقات والتفاهمات والضغوط الناعمة. اللاعبون الكبار يتهيأون الآن لإعادة توزيع الأوراق، وكل طرف يحاول أن يُثبت أقدامه قبل أن تبدأ جولات التسوية الفعلية".

وأوضح أن التأثير الأكبر سيكون على خريطة النفوذ في المنطقة، خصوصاً أن أطرافاً إقليمية تسعى لاستثمار التهدئة لطرح مشاريع اتفاقات ثنائية مع إسرائيل، مشيراً إلى أن الحديث الأميركي عن احتمال انضمام دول عربية جديدة إلى اتفاقيات "أبراهام" يعكس ذلك التوجه.

ونبّه إلى أن المشهد في قطاع غزة لن يكون بمنأى عن هذه التطورات، مع تزايد المؤشرات على ضغوط دولية تمارس على الفصائل الفلسطينية لتغيير قواعد الاشتباك، وربما إعادة صياغة المشهد السياسي الداخلي الفلسطيني بما يتماشى مع معادلات ما بعد إيران.

وشدّد أبو رزق على أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة، قائلاً: "لا أحد يعلم إلى أين تتجه الأمور بدقة، لكن من المؤكد أن المنطقة على أبواب مرحلة جديدة. والاختبار الحقيقي سيكون في مدى قدرة الفاعلين المحليين على الحفاظ على استقلال قرارهم وسط هذه العاصفة الإقليمية القادمة".

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الثلاثاء، أن الحرب بين إيران و"إسرائيل"، قد انتهت بدخول الطرفين إلى اتفاق تهدئة ووقف لإطلاق النار.

وفي فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو الجاري، بدأت "إسرائيل"، وبدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجومًا واسعًا على إيران باستخدام أكثر من 200 مقاتلة، في عملية أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد". واستهدفت العملية منشآت نووية، وقواعد صواريخ في مناطق مختلفة، ونفذت اغتيالات طالت قادة عسكريين بارزين وعلماء في المجال النووي.

وردّت إيران على الهجوم الإسرائيلي بسلسلة من الضربات الصاروخية استهدفت مواقع استراتيجية داخل فلسطين المحتلة، وأسفرت عن خسائر كبيرة، منها مقتل 24 شخصًا، وإصابة 804 آخرين، فضلًا عن أضرار مالية فادحة، ونزوح آلاف المستوطنين، بحسب إحصاءات رسمية.

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
"الشعبية": الاحتلال يستخدم الجوع كسلاح إبادة في غزة والتضامن الموسمي لم يعد كافيًا
يوليو 20, 2025
أكدت "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"(أحد فصائل منظمة التحرير) أن "المجزرة الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا بحق عشرات الفلسطينيين شمال قطاع غزة، تمثّل شكلًا متقدّمًا من استخدام التجويع كسلاح إبادة جماعية ممنهجة بحق الشعب الفلسطيني، في ظل صمت وتواطؤ دولي مفضوح". وأوضحت "الشعبية"، في بيان تلقّته "قدس برس"، اليوم الأحد، أن "المجزرة استهدفت حشدًا من
تجمع "حرية" يوجه نداءً عاجلاً لفتح ممرات إنسانية إلى غزة ويحذر من كارثة تجويع جماعي
يوليو 20, 2025
أطلق "تجمع المؤسسات الحقوقية في غزة - حرية" نداءً عاجلاً إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة وأجهزتها المختصة، داعيًا إلى التدخل الفوري لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق سكان قطاع غزة، من خلال سياسة التجويع الشامل والحصار المشدد المستمر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. وطالب "حرية"، في بيان صحفي اليوم الأحد، بفتح ممرات إنسانية
"حماس": مجزرة الاحتلال بحق المجوعين شمالي قطاع غزة إمعان في حرب الإبادة الوحشية
يوليو 20, 2025
أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن "المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإرهابي بحق المدنيين المجوّعين في نقطة توزيع المساعدات قرب منطقة “زيكيم” شمال قطاع غزة، وأسفرت عن أكثر من ستين شهيداً إضافة للعشرات من الجرحى؛ إمعانٌ في حرب الإبادة الوحشية، واستخدام المساعدات والتجويع لاستدراج الأبرياء وقتلهم والتنكيل بهم". وقالت الحركة في تصريح صحفي، تلقته "قدس
"القسام" و"سرايا القدس" تستهدفان بشكل مشترك 3 دبابات "ميركافا" شرقي مدينة غزة
يوليو 20, 2025
أعلنت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" أنها استهدفت بالاشتراك مع "سرايا القدس" (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) ثلاث دبابات ميركافا شرقي مدينة غزة. وقالت "القسام" في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، "بعد عودتهم من خطوط القتال.. أكد مجاهدو القسام بالاشتراك مع مجاهدي سرايا القدس استهداف 3 دبابات صهيونية من نوع
جرافات المستوطنين تدمر موقعا أثريًا على جبل "قرقفة" جنوب نابلس
يوليو 20, 2025
في تصعيد خطير يضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية التي تحمي التراث الإنساني، شرعت جرافات تابعة للمستوطنين، صباح اليوم، بأعمال تجريف واسعة في البؤرة الاستيطانية المقامة جنوب بلدة عقربا جنوب شرق نابلس، مستهدفة الموقع الأثري التاريخي القائم على قمة جبل قرقفة.   وأكدت منظمة "البيدر للدفاع عن حقوق البدو" أن أعمال التجريف تتم تحت حماية
الصحة في غزة: 130 شهيدا و 495 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
يوليو 20, 2025
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 130 شهيدًا و 495 إصابة خلال (الـ 24 ساعة الماضية). وقالت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، "لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إليهم حتى اللحظة". وأكدت ارتفاع حصيلة العدوان