الحرب الإيرانية – "الإسرائيلية".. ردع متبادل ولا نصر أو هزيمة

طويت صفحة من أعنف جولات التصعيد بين إيران والاحتلال "الإسرائيلي" بعد تدخل أميركي مباشر أدى إلى وقف إطلاق النار. ومع انتهاء العمليات العسكرية، تبرز تساؤلات متزايدة حول الحصيلة الفعلية لهذه الحرب القصيرة، وفيما إذا كانت قد أسفرت عن فوز واضح لطرف على حساب آخر، أو أنها عكست توازن ردع جديد في المنطقة.

وقال خبراء ومحللون سياسيون لـ"قدس برس" إن قراءة نتائج الحرب تستوجب نظرة مركّبة تشمل الأبعاد العسكرية والاستراتيجية والسياسية، مؤكدين أن الحديث عن "نصر" أو "هزيمة" ما زال سابقا لأوانه، وأن الوقائع تكشف مشهدا أكثر تعقيدا من مجرد مكاسب ميدانية.

 

الردع المتبادل يطغى على مشهد النصر والهزيمة

وأشار المحلل السياسي مأمون أبو عامر إلى أن كلا الطرفين، إيران و"إسرائيل"، خرج من هذه الجولة وقد حقق بعض المكاسب، كما تعرض لبعض الخسائر، موضحا أن النتيجة العامة لا تسمح بتوصيف واضح لمنتصر أو مهزوم.

وقال أبو عامر لـ"قدس برس" إن "إسرائيل" فشلت في تحقيق الانتصار الساحق الذي كانت تطمح إليه، رغم نجاحها في تنفيذ ضربات قوية في اليوم الأول، والسيطرة شبه المطلقة على الأجواء الإيرانية، واستهداف منشآت متعددة، بينها مواقع نووية.

ونوّه إلى أن إيران، رغم هذه الخسائر، أظهرت قدرة على الصمود، وتمكنت من توجيه ضربات صاروخية مؤلمة إلى العمق "الإسرائيلي"، ما أعاد التوازن إلى مشهد المعركة، وفرض معادلة ردع متبادل.

وشدّد أبو عامر على أن قدرة إيران على التحمل والصبر الاستراتيجي كانت أعلى من قدرة "إسرائيل"، موضحا أن الهشاشة الداخلية لدى الاحتلال، إلى جانب ضغوط الرأي العام، دفعته إلى السعي لإيقاف الحرب في أقرب وقت، وهو ما يفسر سرعة التحرك الأميركي.

ونبّه إلى أن تدخل الولايات المتحدة أوقف حالة الشلل والخوف في الداخل "الإسرائيلي"، وفي الوقت نفسه أعطى إيران فرصة لتجنّب الانزلاق إلى حرب استنزاف أوسع، معتبرا أن "العامل الحاسم في هذه الجولة لم يكن تفوق السلاح، بل قوة التحمل السياسية والمجتمعية".

وفيما يتعلق بالخسائر، أوضح أبو عامر أن الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية تُعد من أبرز ما تكبّدته طهران في هذه الجولة، لكنه أشار إلى أنها قابلة للتعويض، نظرا إلى امتلاك إيران المعرفة والخبرة اللازمة لإعادة البناء.

وفي المقابل، أشار إلى فشل منظومة الدفاع الجوي الإيرانية كأحد أسباب تمكّن "إسرائيل" من تنفيذ هجماتها بدقة، إلا أن الرد الإيراني الصاروخي شكّل اختراقا مؤثرا عسكريا ونفسيا، جعل الصورة متعادلة نسبيا.

وختم أبو عامر بالقول إن المعركة لم تُحسم عسكريا لصالح أي طرف، وإن كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب هو "الحكم الذي أطلق صفارة النهاية"، وخرج بمكاسب سياسية خاصة به.

من جهته، قال الخبير في الشأن "الإسرائيلي" عصمت منصور إن من المبكر حسم نتائج الحرب بشكل نهائي، نظرا لعدم توافر معطيات دقيقة حول مدى التضرر الذي لحق بالمفاعلات والمنشآت الإيرانية.

وشدّد منصور على أن نتنياهو استطاع تحويل الحرب إلى جولة محدودة، وتجنّب الدخول في حرب استنزاف، لكن في المقابل، نبّه منصور إلى أن ذلك لا يعني إزالة التهديد الإيراني بالكامل.

وأشار إلى أن إيران لا تزال تحتفظ بمخزون من اليورانيوم المخصب، وبنية نظامها السياسي لم تتأثر.

بدوره قال الخبير في الشأن الأميركي الدكتور أسامة أبو ارشيد إن الحكم على نتائج المعركة يجب أن يتم بحذر، لأن الفارق بين الإنجازات العسكرية والنتائج الاستراتيجية قد يكون كبيرا.

وأشار أبو ارشيد إلى أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" حققتا من حيث الضربات العسكرية إنجازات واضحة، لا سيما على مستوى استهداف البنية النووية الإيرانية، لكنه شدّد على أن هذا لا يعني تحقيق نصر حاسم.

وأوضح أن قدرة إيران على الاستمرار في إطلاق صواريخ مدمّرة واختراق بعض المنظومات الدفاعية "الإسرائيلية" حافظت على مستوى معين من الردع، ومنعت المعركة من أن تتحول إلى استسلام أحادي.

ونوّه إلى أن الحديث عن "تدمير شامل للمفاعل النووي الإيراني" لا يستند إلى معلومات موثوقة حتى الآن، مؤكدا أن إيران لا تزال تملك معرفة فنية واحتياطيات من المواد والمعدّات.

وأضاف أبو ارشيد أن المشروع النووي لا يقوم فقط على المنشآت، بل على تراكم علمي وخبرة تقنية، وبالتالي فإن "الحديث عن نهاية هذا المشروع مبالغ فيه، ويدخل في إطار الحرب النفسية".

ويرى محللون أن النتيجة الأهم هي ترسيخ منطق الردع المتبادل، وظهور حدود واضحة لقدرة كل طرف على تحمّل التصعيد، ما يعني أن الجولة قد انتهت، لكن الصراع لم يُحسم، وما زال مفتوحا على جولات سياسية وربما عسكرية لاحقة.

وسوم :
تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
"حماس": مجزرة الاحتلال بحق المجوعين شمالي قطاع غزة إمعان في حرب الإبادة الوحشية
يوليو 20, 2025
أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن "المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإرهابي بحق المدنيين المجوّعين في نقطة توزيع المساعدات قرب منطقة “زيكيم” شمال قطاع غزة، وأسفرت عن أكثر من ستين شهيداً إضافة للعشرات من الجرحى؛ إمعانٌ في حرب الإبادة الوحشية، واستخدام المساعدات والتجويع لاستدراج الأبرياء وقتلهم والتنكيل بهم". وقالت الحركة في تصريح صحفي، تلقته "قدس
"القسام" و"سرايا القدس" تستهدفان بشكل مشترك 3 دبابات "ميركافا" شرقي مدينة غزة
يوليو 20, 2025
أعلنت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" أنها استهدفت بالاشتراك مع "سرايا القدس" (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) ثلاث دبابات ميركافا شرقي مدينة غزة. وقالت "القسام" في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، "بعد عودتهم من خطوط القتال.. أكد مجاهدو القسام بالاشتراك مع مجاهدي سرايا القدس استهداف 3 دبابات صهيونية من نوع
"أونروا": لدينا غذاء لغزة يكفي لثلاثة أشهر لكنه محجوز خلف المعابر
يوليو 19, 2025
قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، إنها "تمتلك مخزونا غذائيا كافيا لجميع سكان قطاع غزة لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، لكنه لا يزال في المستودعات ينتظر السماح بدخوله". وأوضحت في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) اليوم السبت، أن "هذه الإمدادات، ومنها ما هو مخزن في مستودع بمدينة العريش المصرية، جاهزة للتوزيع"، مشيرة إلى
"حماس" تُثمّن قرار "مجموعة لاهاي" بفرض عقوبات على الاحتلال وتدعو لجبهة دولية لعزله
يوليو 19, 2025
ثمنّت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، القرار الصادر عن "مجموعة لاهاي لدعم فلسطين" (تحالف دولي أسسته تسع دول هي: جنوب أفريقيا، ماليزيا، كولومبيا، بوليفيا، كوبا، هندوراس، ناميبيا، السنغال، وجزر بليز) في العاصمة الكولومبية بوغوتا، والذي تضمَّن فرضَ عقوباتٍ على الاحتلال الإسرائيلي، من بينها منع توريد الأسلحة والذخائر إليه، ومراجعة الاتفاقات المبرمة معه، وتسهيل التحقيقات الدولية في
تصاعد التضامن الشعبي مع غزة في وجه حرب التجويع: صيام وإضرابات ومقاطعة
يوليو 19, 2025
أعلن العديد من النشطاء عن شروعهم في خطوات تضامنية مع أهالي قطاع غزة، في ظل حرب التجويع التي يتعرضون لها، من خلال بدء بعضهم بالإضراب المفتوح عن الطعام أو الصيام، إلى جانب مقاطعة البضائع الأميركية و"الإسرائيلية"، كأقل واجب يمكن تقديمه في ظل المجاعة التي يعيشها القطاع نتيجة استمرار العدوان والحصار القسري المفروض عليهم. من جهتها،
هل يواجه الأردن خطر تهريب المخدرات من الاحتلال الإسرائيلي؟
يوليو 19, 2025
برزت في الإعلام الأردني مؤخراً تقارير متزايدة عن ضبط وإحباط محاولات متعددة لتهريب المخدرات عبر طائرات مسيّرة انطلقت من الجهة الغربية باتجاه الحدود الأردنية، ما أثار تساؤلات مهمة حول حجم هذه العمليات، والجهات القائمة عليها، وما إذا كان الأردن يواجه تحديًا أمنيًا متصاعدًا جراء هذا التطور. في ظل التحولات الأمنية المتسارعة على الساحة الإقليمية، يبرز