"طوفان الأقصى".. سيناريوهات متوقعة وغير متوقعة بعد 630 يوما

تُذكّرنا الحروب الكبرى دومًا بما قاله وزير الدفاع الأميركي الأسبق، روبرت مكنمارا، في وثائقي "ضباب الحرب" إن للحروب نتائج مقصودة، وأخرى غير مقصودة قد تكون أكثر تأثيرًا وخطورة . وهذا يتقاطع ويتصادى اليوم مع ما أحدثه السابع من أكتوبر في حرب غزة.

فمنذ صباح طوفان السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أصبح الشرق الأوسط يسير بتوقيت غزة، إذ أطلقت "كتائب القسام" معركة طوفان الأقصى، وأخذ نتنياهو قراره بحرب وجودية، وتتابعت مفاجآت هذه الحرب إلى ارتدادات إقليمية، دفعت "محور المقاومة" إلى مغادرة حالة الثبات التكتيكي، والصبر الاستراتيجي إلى اشتباك مفتوح متعدّد الجبهات.

يقول الأكاديمي والمحلل السياسي د. محمد مختار الشنقيطي: "لا أعتبر الحرب في إيران منفصلة عن طوفان الأقصى، بل أراها جزءًا من التغيير في البيئة الاستراتيجية الذي نسجه ذلك الطوفان".

ويضيف في حديث مع "قدس برس" أنه "لكل حرب نتائج مقصودة وأخرى غير مقصودة، لكن في أحيان كثيرة، تكون النتائج غير المقصودة هي الأعمق أثرًا. من بين تلك النتائج ما رأيناه في سوريا، واندلاع الحرب على إيران. الطوفان لا يزال يدهشنا بتحولات لم تكن في الحسبان".

أجبر هذا التحوّلُ الاحتلال الإسرائيلي على توسيع ساحات المواجهة "فالاحتلال وسّع دائرة الاستهداف، وبدأ يطرح علنًا مشاريع التهجير باتجاه مصر أو الأردن. كما صعّد عملياته في لبنان وسوريا واليمن، وأراد فرض الهيمنة المباشرة. وهذا عمّق من شعور الأطراف المقابلة بالخطر، وأجبرها على الرد، ليس فقط دعمًا للفلسطينيين، بل دفاعًا عن وجودها". كما يقول د. محسن صالح مدير مركز "الزيتونة" للدراسات والاستشارات في لبنان.

في السياق ذاته، يربط القيادي في "حماس" محمود المرداوي المسارات ببعضها فيقول "ما تلا الطوفان، من الجنوب اللبناني إلى اليمن والعراق وحتى إيران، بات يُنظر إليه كجبهات مترابطة ضمن معركة واحدة ضد منظومة الهيمنة. والرد الإيراني لم يكن مفاجئًا، بل نتيجة تراكمات سياسية وعقائدية أسست لها معركة غزة".

أما الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة فيضع التطورات في إطار سياسي أوسع في حديث مع "قدس برس" ويرى أن "الاشتباك العسكري بين الاحتلال وإيران هو أحد تداعيات السابع من أكتوبر؛ فإسرائيل، بعيون نتنياهو واليمين المتطرف، ترى في إيران رأس الأفعى، وتريد منها تعديل سلوكها تجاه القضية الفلسطينية، بما يكرّس هيمنة الكيان على المنطقة، في ظل غياب مشروع عربي موحد".

هل يتحمل طوفان السابع من أكتوبر مسؤولية انفجار الشرق الأوسط؟
رغم أن إيران أكبر من قطاع غزة بحوالي 4,515 ضعفًا. إلا أنها كانت تنتظر وصول أمواج "تسونامي الطوفان" القادم من غزة وكان لا بد أن تضع سيناريوهات مواجهة العدو المشترك.

و رغم أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي جزء من 468 مرة من مساحة الولايات المتحدة إلا أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ويمينه المتطرف قد أجبروا الرئيس السابق جو بايدن والرئيس الحالي دونالد ترامب والقرارات والأسلحة وحاملات الطائرات، على الوقوف معهم صفا واحدا، قابضين على زناد سلاح واحد مُوجّهٌ ضد منطقتنا.

فما قدرة تأثير غزة التي بهذا الحجم، وما قـُدرة دولة الاحتلال التي بهذه المساحة على تحمل مسؤولية ما يجري في الشرق الأوسط؟!.

يرفض الدكتور أحمد عطاونة، مدير مركز "رؤية للتنمية السياسية"، تحميل المقاومة وزر ما جرى، موضحا أن "وجود المقاومة هو نتيجة طبيعية لوجود الاحتلال. حرمان الفلسطينيين من حقوقهم هو السبب الحقيقي وراء اندلاع المواجهات. لا يمكن قلب المعادلة والقول إن المقاومة هي من أشعلت الحرب". وفق تقديره.

يتقاطع هذا الطرح أيضا مع قراءة المختص بالشؤون الدولية حسام شاكر، الذي يحذر من قراءة سطحية للأحداث، فيقول: "نحن فعليًا دخلنا مرحلة جديدة، لكنها لم تبدأ في السابع من أكتوبر، بل تفجّرت فيه. إن تحميل 7 أكتوبر المسؤولية يعني تجاهل عقود من القمع والتهويد والتطبيع. السابع من أكتوبر هو نتاج وليس منشأً".

ويُضيف شاكر في حديث مع "قدس برس" يقول: "حين حوصرت القضية الفلسطينية باتفاقيات أوسلو، وتغوّل الاستيطان، وتفاقم التطبيع، لم يكن أمام الفلسطينيين سوى تفجير أسوار الحصار، وهذا ما فعله طوفان الأقصى".

وخلص شاكر إلى أن "طوفان الأقصى لم يكن سببًا لانفجار الشرق الأوسط، بل نتيجة لتراكم عقود من الاحتلال والتهويد والتطبيع، فجّرها الفلسطينيون كخيار أخير في مواجهة مشروع الإلغاء والهيمنة".

هل السابع من أكتوبر مشروع تحرر فلسطيني أم بداية مشروع أممي مقاوم؟
منذ اللحظة الأولى، بدت عملية "طوفان الأقصى" غير تقليدية. وصفها الشهيد محمد الضيف القائد "كتائب القسام" بأنها "يوم من أيام الله... زلزال يقتلع الاحتلال من جذوره"، ودعا في خطاب السابع من أكتوبر جماهير الأمة العربية والإسلامية، من المحيط إلى الخليج، ومن طنجة إلى جاكرتا، ودعا أحرار العالم للتحرك.

فهل كان التحرك على شكل مشروع تحرري أممي متصاعد؟
تدافعت أطراف محور المقاومة مثل أحجار الدومينو، حيث فتح "حزب الله" اللبناني جبهة الجنوب لأول مرة منذ عام 2006، فيما نفذت جماعة "أنصار الله" اليمينة هجمات بحرية وجوية نصرة لغزة، في الوقت الذي بدأت فيه فصائل عراقية بقصف قواعد أمريكية وإسرائيلية. أما إيران فقد تبنت خطاب التصعيد، وصولا إلى عمليات "الوعد الصادق" بالصواريخ والمسيرات.

يصف محمود المرداوي مشهد "طوفان الأقصى" بأنه كان مشروعًا تحريريًا فلسطينيًا، ثم تحوّل إلى شرارة إقليمية. وهو اليوم يُرسي أسس مشروع "أممي مقاوم".

وربما هذا التوصيف ليس متفقا عليه تماما، حيث يرى حسام شاكر أنه "كانت هناك فرصة لمشروع مقاوم واسع، لكن ارتباك أداء بعض قوى محور المقاومة أضعف هذا المسار. المشروع بدا ممكنًا، لكنه ارتبك".

ويرى شاكر أنه "لا يمكننا الآن الحديث عن مشروع أممي، بل عن تجليات مقاومة لا ترقى لمستوى مشروع متكامل". على حد تقديره.

سيناريوهات متوقعة أمام المقاومة في غزة
يسأل الكثيرون هذه الأيام، هل ستتجه المقاومة الفلسطينية ـ إذا تمت صفقة وقف الحرب ـ نحو هدنة مؤقتة بضمانات إقليمية؟ أم تمضي نحو تسوية سياسية محدودة بإشراف عربي؟ هل يُفرض عليها استنزاف طويل الأمد؟ أم تُدفع لمحاولة إنهاء وجودها السياسي والعسكري؟.

يرى بعض المحللين والمختصين أنه رغم توقف الحرب المباشرة بين إيران والكيان، فإن مشروع المقاومة في غزة لا يبدو مرشحًا للانطفاء، بل قد يستمر بأشكال متنوعة، بناء على مفاعيل الميدان والإقليم.

يميل المحلل السياسي محمد الأخرس إلى تحليل وتفكيك رهانات الاحتلال، ويرى أن "الاحتلال الإسرائيلي كان يراهن على أن تنعكس نتائج المعركة الأخيرة في إيران على سلوك المقاومة، بما يؤدي إلى استسلامها".

وأضاف: "هذا هو نفس الرهان الذي تبناه الاحتلال أثناء حربه على حزب الله، حين توقع أن تؤدي تلك الحرب إلى استسلام المقاومة بنهاية العام الماضي".

واستطرد "لكن هذا الرهان فشل حينها، ولن ينجح اليوم؛ فالمقاومة لن تقبل بحلول تؤدي إلى تصفية الوجود الفلسطيني في قطاع غزة. هذا الوعي بدأ يؤثر تدريجيًا على مواقف بعض الوسطاء، الذين باتوا يُطالبون بحل شامل ينهي الحرب، لا مجرد اتفاقات جزئية تُبقي نتنياهو متفرّدًا بالقتل والتهجير".

ينتقل المشهد إلى قراءة استراتيجية أوسع، يقدّمها محمد المختار الشنقيطي، إذ يربط بقاء المقاومة بجوهر الصراع، فيقول "المقاومة ستبقى ما دام الاحتلال موجودًا. أدواتها قد تتغير، وتكتيكاتها قد تتبدل، لكنها لن تختفي".

وشدد في حديث مع "قدس برس" على أنه "إن اتسع الصراع ليشمل إسرائيل وإيران وأذرع المقاومة في المنطقة، وتحول إلى حرب شاملة فإن غزة ستكون رأس الحربة في توسيع المواجهة، وإذا تم احتواء الصراع، فقد تدخل المقاومة في حالة كُمُون مؤقت، لكنها ستظل قائمة، ظاهرة أو مضمرة".

ويضيف الشنقيطي قراءة تتعلّق بتأثير المقاومة في الإقليم الأوسع، قائلا: "الكيان الإسرائيلي كان يأمل أن يؤدي اشتعال الجبهة مع إيران إلى شلّ المقاومة في غزة. لكن الذي حدث هو العكس تمامًا؛ فالمقاومة لم تُعزل، بل تعززت مكانتها كفاعل مركزي في أي مواجهة إقليمية، وهو ما زاد من قلق الاحتلال".

وأما السيناريو المفضل لنتنياهو فهو سيناريو "الاشتباك المستمر" فيرى محمد الأخرس أن "نتنياهو يريد إبقاء غزة في حالة اشتباك عملياتي دائم، كما يحدث في جنوب لبنان، وهذا ما تسعى المقاومة في غزة إلى كسره، من خلال المطالبة باتفاق أكثر تماسكًا وشمولًا يوقف النار فعليًا".

ويلفت الأخرس النظر إلى أنه "قد تنتقل المعركة للضفة الغربية على اعتبار أن التيار الديني الصهيوني يرى أنه لا بد أن تتسع الحرب إلى الضفة الغربية تمهيدًا لضمّها وفرض السيادة الكاملة عليها."
ويربط الباحث أحمد عطاونة بين استمرار المقاومة بكل الأشكال طالما بقي الاحتلال فيقول إن "من يتابع المئة عام الماضية، يرى أن الفلسطينيين لم يتخلوا عن مواجهة الاحتلال، بل انتقلوا من هبة إلى أخرى، ومن انتفاضة إلى أخرى، ومن مواجهة إلى مواجهة".

وأضاف "في غزة، خاضت المقاومة حروبًا متتالية: 2008، 2012، 2021، وصولًا إلى طوفان الأقصى. شكل المقاومة ومستواها يتحددان بحسب السياق، لكن طالما بقي الاحتلال، ستبقى المقاومة"، بحسب عطاونة.

ويرى أنه بخصوص السيناريوهات التي قد تفتحها الهدنة المحتملة، أن "دخول المقاومة في حالة من الكُمون أو الهدوء بعد هذه الحرب مرتبط بكيفية انتهائها. إن كانت النهاية سياسية منصفة، فقد يفتح ذلك بابًا لاستراتيجية جديدة، أما إن كانت نهايتها استمرارًا للعدوان، فسيكون الرد عبر أدوات أخرى".

و يطرح المرداوي تقييمه السياسي للمسارات بعد الطوفان: "المسارات السياسية لم تنضج بعد لتلبي التحديات التي فجّرها الطوفان. العدو لا يزال يتبنى فكرًا استئصاليًّا مدعومًا أمريكيًا، ويصر على اعتبارها حربًا صفرية. لكن المقاومة اليوم أكثر صلابة، وتدير المعركة برؤية طويلة المدى، ترى أن الصراع ليس جولة، بل هو ( استنزاف متبادل ) حتى تحقيق التحرر."

 

 

تصنيفات :
مواضيع ذات صلة
إعلام عبري: مقتل جندي وإصابة آخرين باستهداف آلية للاحتلال في غزة
يونيو 29, 2025
قتل جندي إسرائيلي وأصيب آخرون، اليوم الأحد، في استهداف مقاومين لآلية عسكرية بصاروخ مضاد في قطاع غزة.   وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن جنديًا قُتل وأصيب آخرون، جراء استهداف آلية عسكرية بصاروخ مضاد في القطاع.   وأشارت إلى وقوع "حدث أمني صعب" خاضع للرقابة في غزة، ولم تذكر مزيدا من التفاصيل.    وكانت كتائب "القسام"
الصحة في غزة: 88 شهيدا و 365 إصابة خلال 24 ساعة
يونيو 29, 2025
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 88 شهيدا، و 365 إصابة خلال 24 ساعة الماضية. وقالت الوزارة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، إن عددا من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم". وأفادت بـ"ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 56 ألفاً و
اتفاق سلام مرتقب بين دمشق وتل أبيب.. ما حقيقته؟ ومراقبون يحذرون!
يونيو 29, 2025
كشفت قناة "i24NEWS" الإسرائيلية، نقلاً عن مصدر سوري مطّلع، أن "إسرائيل" وسوريا ستوقّعان اتفاقية سلام قبل نهاية عام 2025. وأوضح المصدر أن الاتفاقية تنص على انسحاب "إسرائيل" تدريجيًا من جميع الأراضي السورية التي تقدمت إليها ضمن المنطقة العازلة بعد 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بما في ذلك قمة جبل الشيخ. التسريبات لا تكفي للحكم والرسائل مرتبطة
قوات الاحتلال تواصل عدوانها على طولكرم لليوم 153 على التوالي
يونيو 29, 2025
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على طولكرم ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة لليوم الـ153 على التوالي، وعلى مخيم "نور شمس" لليوم الـ141.   وقالت "اللجنة الإعلامية" في طولكرم في بيان لها اليوم الأحد، إن قوات الاحتلال دفعت بتعزيزات عسكرية إلى محيط مخيم "نور شمس" شرق مدينة طولكرم، وسط تصاعد عمليات الهدم والاستهداف داخل المخيم.  
"القسام": استهدفنا جرافة من نوع (D9) بقذيفة "الياسين" جنوبي القطاع واشتعال النيران فيها
يونيو 29, 2025
أعلنت كتائب "القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، أنها استهدفت جرافة عسكرية للاحتلال بقذيفة "الياسين" جنوبي قطاع غزة، ما أدى لاشتعال النار فيها. وقالت "القسام" في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، "استهدفنا برج جرافة عسكرية من نوع "D9" بقذيفة "الياسين 105" واشتعال النيران فيها بمنطقة "الشهلات" ببني سهيلا شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع". وترتكب
وفد قيادي من "حماس" يشارك في مراسم تشييع الشهداء في إيران
يونيو 29, 2025
شارك وفد قيادي من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في "المراسم الشعبية المهيبة لشهداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذين اغتالتهم قوات الاحتلال الصهيوني خلال عدوانها الآثم على الجمهورية الإسلامية". وقالت الحركة في تصريح صحفي، تلقته "قدس برس"، اليوم الأحد، "نتقدم بأحرّ التعازي وأصدق مشاعر المواساة إلى الأشقاء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قيادةً وشعباً، في استشهاد ثلة من