مبادرة ترامب للتهدئة في غزة: مقترح "ملغوم" يفتقر للضمانات ويكرّس الواقع القائم

أثار مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن وقف إطلاق النار في غزة لمدة 60 يوماً، والذي يتضمن ترتيبات جزئية لتبادل الأسرى وتخفيف محدود للحصار، موجة من التحفظات لدى محللين فلسطينيين وعرب، رأوا فيه طرحاً غير متوازن يفتقر إلى الضمانات الحقيقية لوقف دائم للعدوان أو لتأمين الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة في القطاع. واعتُبر المقترح، الذي يأتي قبيل زيارة مرتقبة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، محاولة لإعادة إنتاج الشروط الإسرائيلية تحت غطاء هدنة مؤقتة، دون معالجة جذرية للأسباب السياسية والإنسانية للصراع.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم المدهون، رأى أن دعوة ترامب لوقف مؤقت للحرب "تحمل في طياتها جانباً مهماً، لكنها في الوقت ذاته ملغومة"، موضحاً أن "ما يطرحه الأمريكيون يتضمن بعض التعديلات والمراعاة الشكلية، لكن في العمق تكمن أفخاخ كثيرة وغامضة". وأشار إلى غياب الضمانات لوقف دائم للحرب أو لتدفق إنساني كافٍ للمساعدات، بالإضافة إلى صمت المبادرة عن أي شكل من أشكال تعويض الفلسطينيين عن الكارثة التي يعيشونها.
واعتبر المدهون أن أخطر ما في المبادرة هو طرحها صفقة أسرى "غير متكافئة"، تمنح الاحتلال ما يعادل نصف عدد الأسرى الأحياء، وعدداً كبيراً من الجثامين، دون أي التزام بعدم تجدد الحرب. وقال إن الاحتلال يعلن صراحة استعداده للعودة إلى القتال، ما يجعل الهدنة المؤقتة مجرد استراحة للعدو، لا أكثر.
وأضاف: "ترامب بات يتحدث باسم الاحتلال بشكل فج، وكأن الرواية الإسرائيلية باتت هي المعتمدة في دوائر القرار الأمريكي". ورغم تحفظاته، قال المدهون إن حركة "حماس" ستدرس المبادرة "بجدية واستفاضة"، لكنها تدرك أيضاً أن سلوك الاحتلال لا يعكس نية حقيقية للتهدئة، بل "لغة إبادة"، محذراً من أن "المبادرة الأميركية خطيرة وملغومة، وتضع السلوك الأميركي برمّته تحت علامة استفهام كبيرة".
من جهته، اعتبر الباحث والخبير في الشأن الأميركي خالد الترعاني، أن "سياسة حافة الهاوية التي يمارسها ترامب أصبحت ممجوجة، وفقدت جديتها". وأشار في حديث لـ "قدس برس" إلى أن الإعلان الأولي عن قرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار يعود إلى يناير الماضي، ومنذ ذلك الوقت "ارتقى عشرات الآلاف من الفلسطينيين"، بينما تتفاقم عمليات التجويع الممنهج.
وقال الترعاني إن "60 يوماً من الهدنة لن توقف قتل الفلسطينيين أثناء تلقيهم المساعدات"، معتبراً المقترح الأميركي "فرض أمر واقع على الفلسطينيين"، لا يحقق لهم الأمن ولا السلام. وشكّك بجدية ترامب في لعب دور الوسيط، قائلاً إن "ما يطرحه لا يرقى لأن نحبس أنفاسنا بانتظاره... ولو فعلنا لاختنقنا".
وأضاف أن ترامب يسعى ربما للضغط على نتنياهو لوقف عدوانه، مدفوعاً برغبته القديمة في الحصول على جائزة نوبل للسلام، لكنه أكد أن أي مبادرة لا تشمل وقفاً شاملاً للعدوان وتدفقاً كاملاً للمساعدات، فإن "مصيرها الفشل والرفض".
أما الكاتب والمحلل السياسي الأردني حازم عياد، فقد وصف مقترحات ترامب بأنها "إعادة إنتاج للشروط الإسرائيلية"، مضيفاً أنها "مناورة وتذاكي لا يعكسان رغبة حقيقية في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة". وأشار إلى أن ما يجري "محاولة لتحميل الشعب الفلسطيني والمقاومة مسؤولية الفشل، في حين أن إسرائيل تُمنح براءة مسبقة".
وأكد عياد أن وقف إطلاق النار لا يمثل أولوية لدى الإدارة الأميركية، التي توجه أنظارها نحو المواجهة مع إيران وحلفائها في المنطقة. كما حذّر من أن المرحلة المقبلة لا تحمل مؤشرات لخفض التصعيد، بل "تُعد لجولة جديدة من القتال"، مشيراً إلى النشاطات الاستخبارية والحشود العسكرية المتنامية.
في المجمل، يُنظر إلى مبادرة ترامب، بحسب المراقبين، كمحاولة شكلية للتهدئة تفتقر إلى ضمانات حقيقية، وتكرّس الواقع القائم بدلاً من تغييره. وبينما تعاني غزة من كارثة إنسانية غير مسبوقة، يرى كثيرون أن المطلوب هو وقف فوري للعدوان، لا مجرد هدنة مؤقتة محمّلة بالشروط والتهديدات.