"فلسطينيو سوريا" بين الاندماج والتحذير من الذوبان

في مرحلة انتقالية مفصلية تعيشها سوريا بعد سقوط النظام السابق، أعيد فتح ملف اللاجئين الفلسطينيين كمكون اجتماعي وقانوني وسياسي لا يمكن تجاهله.
وبينما تطرح بعض النخب الفلسطينية رؤى لتحديث الوضع القانوني لفلسطينيي سوريا، تبرز مواقف ناقدة تحذر من خطر الذوبان السياسي وضياع الهوية.
في هذا السياق، قدم كلّ من الحقوقي أيمن فهمي أبو هاشم والكاتب خالد عطية رؤيتين تمثلان اتجاهين داخل النقاش الفلسطيني العام حول مستقبل الوجود في سوريا الجديدة.
نحو مساواة قانونية كاملة داخل الدولة السورية
يذهب الكاتب والحقوقي أيمن فهمي أبو هاشم، إلى أن اللحظة السياسية الراهنة تتيح إمكانية معالجة "القصور القانوني" الذي يعانيه اللاجئ الفلسطيني، وخصوصا ما يتعلق بحرمانه من الحقوق السياسية والمدنية الكاملة في الدولة السورية.
ويرى أبو هاشم أن القانون 260 لعام 1956، رغم أنه مكّن الفلسطيني من التمتع بعدد من الحقوق الأساسية، إلا أنه بقي ناقصا، لا سيما في ما يتعلق بالتمثيل السياسي، والمشاركة في الانتخابات، وشغل الوظائف السيادية.
وفي ورقة تحليلية نشرها المركز السوري لدراسات الرأي العام، ضمن ملف موسع بعنوان "شركاء المصير"، دعا أبو هاشم إلى تعديل القانون 260 أو إصدار مرسوم رئاسي مؤقت ينظّم مشاركة الفلسطينيين في الحياة العامة خلال المرحلة الانتقالية.
كما أشار إلى احتمال أن يكون منح الجنسية خيارا متاحا "لمن يرغب"، شرط ألا يُفرض على اللاجئين أو يُقترن بسياسات نزع الهوية.
ويؤكد أبو هاشم أن تحسين الوضع القانوني للفلسطينيين لا يعني بالضرورة "تذويبهم"، بل قد يكون خطوة نحو إشراكهم في بناء سوريا الجديدة دون أن يتنازلوا عن حقهم في العودة أو هويتهم الوطنية، مشيرا إلى "تجارب فلسطينيين في أوروبا حافظوا على انتمائهم رغم اكتسابهم جنسيات بديلة".
"التجنيس الناعم" خطر بنيوي على صفة اللاجئ
في المقابل، يقدم الكاتب والباحث الحقوقي خالد عطية نقدا حادا لما يصفه بـ"مقاربة التجنيس الناعم" التي يطرحها أبو هاشم، ويرى فيها مسارا مغطى بلغة حقوقية، لكنه يؤدي فعليا إلى إلغاء تدريجي للصفة القانونية للفلسطينيين كلاجئين.
وفي مقال تحليلي بعنوان "التجنيس الناعم كخطر بنيوي على الوجود الفلسطيني في سوريا"، يقول عطية إن "أي مقاربة تسعى إلى إدماج الفلسطينيين إدماجا سياسيا – تحت لافتة الحقوق أو الشراكة الوطنية – تتجاهل البعد الجوهري للقضية الفلسطينية، وهو الطابع الجماعي واللا سياسي لصفة اللجوء، باعتبارها حالة قانونية قائمة على مبدأ عدم التوطين".
ويؤكد عطية أن طرح "خيارات متعددة" كالتعديل القانوني أو منح الجنسية الطوعية ليس سوى طريقة لإغلاق الخيارات الحقيقية، وفرض منطق الاندماج التدريجي بوصفه حلا نهائيا.
ويشير إلى أن ما يُعرض كـ"حق" في التجنيس هو في الواقع "مشروع هندسة سياسية" لإذابة المخيمات، وتفكيك الشاهد القانوني على النكبة.
كما يرفض عطية التوظيف المتكرر لتجارب الشتات الفلسطيني في أوروبا كمبرر للتجنيس، معتبرا أن "السياق الأوروبي مختلف جذريا، حيث يتم التجنيس لأغراض إنسانية أو سياسية فردية، وليس كحل جماعي لمشكلة سياسية".
الهوية القانونية أم تحسين شروط الحياة؟
يفترق الطرفان في جوهر موقفهما من تعريف الفلسطيني في سوريا:
– أبو هاشم يرى أن اللاجئ هو شريك في الوطن السوري، وأن من حقه أن يتمتع بالمساواة القانونية دون أن يُطلب منه التخلي عن هويته.
– أما عطية، فيؤكد أن التمسك بالهوية يبدأ من الحفاظ على الصفة القانونية كلاجئ، وأن أي خطوة قانونية تضعف هذه الصفة – حتى إن كانت تحت مظلة الحقوق – تسهم في مشروع التصفية الناعمة للقضية الفلسطينية.
وبين من يطالب بدمج قانوني يضمن الحقوق، ومن يحذّر من خطر "الذوبان"، تتشكل ملامح نقاش فلسطيني حيوي حول مستقبل الوجود الفلسطيني في سوريا.
ويبدو أن ما يجمع بين الرؤيتين هو الإقرار بأن الفلسطينيين في سوريا بحاجة إلى حلول قانونية عادلة، لكن ما يفرقهما هو الخط الفاصل بين "الكرامة" و"التوطين"، بين "المشاركة" و"الذوبان"، وبين الحقوق التي تحصن الهوية… وتلك التي تعيد إنتاجها بصورة مغايرة.